يأتي هذا العام ليشهد مرور 120 عام علي أول عرض سينمائي في الإسكندرية في عام 1896م في صالة "بورصة طوسون" وقد جذب هذه العرض المجتمع السكندري الأمر الذي دفع صاحب إمتياز حهاز السينما إلي عرض اختراعة في القاهرة في العام نفسه، وكان الجمهور في البداية من الأجانب والنخبة في المجتمع في تلك الفنرة ، ولم يكن دخول وانتشار السينما في مصر ظاهرة عشوائية ، بل لها دلالاتها من واقع حراك المجتمع المصري في تلك الفترة والذي بدأ مع بدايات القرن التاسع عشر وتجربة محمد علي لتطوير البلاد والتي استكملها الخديو إسماعيل بمحاولته لتحديث المجتمع المصري والأخذ بمظاهر الحضارة الغربية ، فقد شهد المجمع المصري منذ أواخر القرن التاسع عشر طفرة في الأخذ من بعض مظاهر الحضارة الغربية فقد عرفت مصر التليفون في 1881 ثم قامت أكثر من فرقة اوروبية تقم عروض السيرك والتنويم المغناطيسي بالإضافة إلي الحراك الفكري والثقافي الكبير لعل أبرز مظاهرة كما نشر قلم المطبوعات عدد قراء بعض الصحف اليومية والأسبوعية في عام 1892 : قراء الأهرام 2375 وقراء المقطم 1455 والمؤيد 1200 وبلغ عدد قراء المقتطف 1300 ، فالحياة الثقافية لها مجالات متعددة وليست صناعة السينما إلا احدي هذه المجالات . وقد شهدت السينما تطورات هائلة خلال النصف الأول من القرن العشرين علي كافة المستويات من حيث مستوها الفني ومن حيث الكيان الاقتصادي ففي 4 أكتوبر 1936 وقعت مصر مع عصبة الأمم اتفاقية لتسهيل تداول الأشرطة السينمائية ذات الصيغة التهذيبية –وهي المعروفة حالياً بالأفلام التثقيفية والتعليمية –وتعد مجلة " الصور المتحركة" أول مجلة سينمائية متخصصة وصدر العدد الأول منها في 23 مايو 1923 وكانت أخبار السينما قبل ذلك يتم تغطيتها ضمن الأخبار الاجتماعية في الصحف ، وكانت متابعة الأحداث المحلية بما فيها من مناسبات أوشخصيات سياسية جزءًا من اهتمامات العروض السينمائية ومنها صور الاحتفال بارتقاء السلطان فؤاد عرش السلطنة المصرية عام 1917 ، والاحتفال بصورة المحمل الشريف تحت رئاسة السلطان فؤاد ، وتصوير تعلية خزان أسوان بحضور مندوب السلطان العثماني واللورد كتشنر عام 1913 . ويعد فيلم "ليلي" الذي عرض عام 1927 وكان من بطولة وإنتاج الممثلة المصرية عزيزة أمير بداية الأفلام المصرية التي تحقق نجاحًا جماهيريًا واشادة من الصحافة الأمر الذي فتح الباب للتوسع في الإنتاج السينمائي . وفي عام 1932 قام "محمد بيومي" – أول مصري صور وأخرج فيلم روائي قصير وهو الباشكاتب عام 1924 – بافتتاح معهد لدراسة السينما وأعلن أن الهدف من المعهد هو نشر صناعة التصوير الفوتوغرافي وأفلام السينما الفوتووغرافية ، وأعن أيضًا أن الدراسة بالمعهد ستكون مجانية ، مما دفع أصحاب بعض دور العرض السينمائي في الإسكندرية إلي التبرع بإيرادات الحفلات الصباحية لصالح المعهد . ومن حيث الكيان الاقتصادي كان استغلال دور العرض في مصر قبل عام 1936 قاصرًا علي الأجانب إلا من محاولات مصرية في دور عرض شعبية لم تستمر طويلاً ، وكان إنشاء شركة طلعت حرب شركة مصر للتمثيل والسينما عام 1925 برأس مال قدرة 15 ألف جنيه زيد إلي 75 ألف جنيه من الخطوات الهامة في الإنتاج السينمائي ،وكانت أول محاولة مصرية لكسر محاولات إحتكار الأجانب لدور العرض قيام مجموعة من خريجي كلية التجارة بإنشاء شركة مساهمة باسم "شركة السينما توغرافية المصرية " بتاريخ 17 أبريل 1931 ورأس مال 1730 ،وأما دور العرض فقد بلغ عددها عام 1952 300 دار عرض.وبعد مايقارب الشهرين من قيام الثورة المصرية عام 1952 أصدر الرئيس محمد نجيب بيان يؤكد علي أهمية دور السينما في نشر الوعي والثقافة في المجتمع المصري .مما يؤكد علي الارتباط الوثيق بين العلاقات العلاقات الاجتماعية والاقتصادية السائدة في مجتمع من المجتمعات وبين أشكال الثقافة والفن ومن بينها صناعة السينما . والأفلام السينمائية المصرية علي مدار تاريخها كان لها دور فعال في طرح القضايا الاجتماعية ودفع صناع القرار لمحاولة حلها ، فبداية من عام 1929 ومشروع فيلم "المخدرات" الذي كان بالتعاون بين بوليس العاصمة والمخرج حسين الهلباوي للتوعية من مخاطر المخدرات ولكن المشروع لم يكتمل لنهايته،وفيلم"الورشة" عام 1942 ومن بطولة عزيزة أمير وإخراج استفان روستي والذي ناقش مشاكل عمال الحرف الفقراء، والأفلام التي كان لها دورًا في تغيير القوانين نذكر منها فيلم "جعلوني مجرمًا" الذي عرض عام 1954 ومن بطولة فريد شوقي وهدي سلطان ومن إخراج عاطف سالم وكان من الاسباب وراء إصدار تشريع ينص علي عدم إثبات السابقة الأولي في صحفية الحالة الجنائية ، وأما فيلم "أريد حلاً" الذي عرض عام 1975 ومن بطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة ومن إخراج سعيد مرزوق، فقد احدث صدي كبير عند عرضه نظرًا لقصته التي تعرض مأساة زوجة تريد الإنفصال عن زوجها ولكنه يستغل ثغرات القانون حتي تخسر القضية ، وف عام 2010 عرض فيلم "678" ومن بطولة نيلي كريم وبشري وناهد السباعي ومن إخراج محمد دياب الذي تناول مشكلة التحرش الجنسي في المجتمع المصري من خلال عرض تجارب ثلاث نساء من شرائح اجتماعية مختلفة وساهم أيضًا في صدور قانون تجريم التحرش في مصر . بينما كانت بداية السينما المصرية متزامنة مع بداية فن السينما في العالم ، تأخر ركب السينما المصرية فيما يتعلق بالمهرجانات السينمائية ، فكانت الخطوة الأولي لتحقيق ذلك في أعقاب تأسيس الكاتب والباحث الأثري كمال الملاخ – مكتشف مجموعة مراكب الشمس في هضبة الأهرام- عام 1973 الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما وكانت الخطوة التالية هي هي تأسيس وإنطلاق المهرجان عام 1976 ، وتوالت دورات المهرجان ليصبح ضمن أهم عشر مهرجانات سينمائية في العالم ، وخلال هذه الرحلة الطويلة للمهرجان ، تم عرض عشرات الأفلام من عشرات الدول علي امتداد العالم وتنوع الثقاقات والمدارس الفنية ، وتم تكريم أسماء لامعة علي المستوي العالمي من بينهم (الزابث تايلور – عمر الشريف- جينا لولو – كاترين دينيف ) وغيرهم من النجوم الذين اثروا صناعة السينما في العالم . ..... باحثة دكتوراه – كلية الأداب – جامعة القاهرة .