إعلام إسرائيلي: لم يتم بعد قصف المفاعل النووي تحت الأرض في منشأة فوردو الإيرانية    وزير التموين: الاحتياطي الاستراتيجي مستقر وآمن ونعمل على زيادته    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 14-6-2025 بعد آخر ارتفاع في البنوك    السيطرة على الفوضى النووية    بوتين يعرض الوساطة لحل الصراع بين إسرائيل وإيران    العميد اللبناني جورج نادر: أذرع إيران بالمنطقة تعيد حساباتها.. وحزب الله تراجع عن دعم طهران    قناة MBC Masr تعلن عن نجوم الاستوديو التحليلي لمباراة الأهلي وإنتر ميامي    إنفانتينو يكشف تفاصيل "ثورة فيفا": مونديال الأندية سيفتح أبواب الأمل للعالم    خطة طموحة ورعاية وطنية لتحقيق حلم أول ميدالية أولمبية لالعاب القوى المصرية    نفوق 2000 كتكوت.. السيطرة على حريق بمزرعة لتربية دواجن في المنيا    في اليوم الوطني لمناهضة تشويه الأعضاء التناسلية.. النيابة الإدارية تؤكد تجريم ختان الإناث    بسبب الإقبال.. مفاجأة لتامر حسني بشأن عرض فيلم ريستارت في أمريكا (تفاصيل)    على البحر.. ميرنا نور الدين تخطف الأنظار بأحدث إطلالاتها    أنغام تتألق في الدمام أمام 7000 مشاهد.. وتستعد لصعود مسرح "رويال ألبرت هول"    قائد بوتافوجو: مستعدون لمواجهة أتليتكو مدريد وسان جيرمان.. ونسعى لتحقيق اللقب    رئيس جامعة طنطا يواصل جولات متابعة سير أعمال الامتحانات النهائية    محافظ المنيا يُسلم 328 عقد تقنين لأراضي أملاك الدولة    بيعملوا كل حاجة على أكمل وجه.. تعرف على أكثر 5 أبراج مثالية    أحاديث عن فضل صيام العشر الأوائل من شهر المحرم    باحث بالعلاقات الدولية: التصعيد الإسرائيلي الإيراني "حرب مفتوحة" بلا أفق للتهدئة    مصدر ليلا كورة: الزمالك يرحب بعودة طارق حامد.. واللاعب ينتظر عرضًا رسميًا    السياحة: منع الحج غير النظامي أسهم بشكل مباشر في تحقيق موسم آمن    خبير استراتيجي: إيران في مأزق كبير.. والجبهة الداخلية مخترقة بدعم أمريكي    نور الشربيني من الإسكندرية تؤازر الأهلي في كأس العالم للأندية    تزامنا مع دخول الصيف.. الصحة تصدر تحذيرات وقائية من أشعة الشمس    صوت أم كلثوم على تتر مسلسل «فات الميعاد» | شاهد    "الإصلاح المؤسسي وتحسين كفاءة الخدمات الحكومية".. جلسة تثقيفية بجامعة أسيوط    تعليمات لرؤساء لجان امتحانات الثانوية العامة بالفيوم    بأغاني رومانسية واستعراضات مبهرة.. حمادة هلال يشعل أجواء الصيف في حفل «بتروسبورت»    ديمبيلي يكشف عن الهدف الأهم فى مسيرته    شركة سكاى أبو ظبي تسدد 10 ملايين دولار دفعة مقدمة لتطوير 430 فدانا فى الساحل الشمالي    تعاون بين «إيتيدا» وجامعة العريش لبناء القدرات الرقمية لأبناء شمال سيناء    الأكاديمية العسكرية تحتفل بتخرج الدورة التدريبية الرابعة لأعضاء هيئة الرقابة الإدارية    رئيس الوزراء يتفقد مركز تنمية الأسرة والطفل بزاوية صقر    امتحانات الثانوية العامة.. الصحة تعتمد خطة تأمين أكثر من 800 ألف طالب    كأس العالم للأندية.. باريس الباحث عن موسم استثنائي يتحدى طموحات أتلتيكو    محافظ كفر الشيخ يُدشن حملة «من بدري أمان» للكشف المبكر عن الأورام    لطلاب الثانوية العامة.. نصائح لتعزيز القدرة على المذاكرة دون إرهاق    خبير اقتصادي: الدولة المصرية تتعامل بمرونة واستباقية مع أي تطورات جيوسياسية    السجن المؤبد ل5 متهمين بقضية داعش سوهاج وإدراجهم بقوائم الإرهاب    تخفيف عقوبة السجن المشدد ل متهم بالشروع في القتل ب المنيا    «التعليم العالي» تنظم حفل تخرج للوافدين من المركز الثقافي المصري لتعليم اللغة العربية    وزير الخارجية البريطاني يعرب عن قلقه إزاء التصعيد الإسرائيلي الإيراني وندعو إلى التهدئة    غدا.. بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    أهم أخبار الكويت اليوم السبت 14 يونيو 2025    غدا .. انطلاق فعاليات مؤتمر التمويل التنموي لتمكين القطاع الخاص    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومؤسسة "شجرة التوت" يطلقان فعاليات منصة "القدرة على الفن - Artability HUB"    يسرى جبرى يرد على من يقولون إن فريضة الحج تعب ومشقة وزيارة حجارة    باستخدام المنظار.. استئصال جذري لكلى مريض مصاب بورم خبيث في مستشفى المبرة بالمحلة    طلب إحاطة يحذر من غش مواد البناء: تهديد لحياة المواطنين والمنشآت    إيران تؤكد وقوع أضرار في موقع فوردو النووي    وكيل تعليم الإسماعيلية يجتمع برؤساء لجان الثانوية العامة    مدبولي: الحكومة تبذل قصارى جهدها لتحقيق نقلة نوعية في حياة المواطنين    الطبيب الألماني يخطر أحمد حمدي بهذا الأمر    على غرار ياسين.. والدة طفل تتهم مدرب كاراتيه بهتك عرض نجلها بالفيوم    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الروائي يفاوض التاريخ والمؤرخ يبحث فيه
نشر في نقطة ضوء يوم 02 - 11 - 2016

البحث في التاريخ مبني على قراءة التصورات التي أثّرت في مراحل التدوين عامة، وإعادة مراجعة الحقب التاريخية مرهونة بعدة مسارات قد يبدو أوّلها في تغيّر الأنظمة السياسية، وينتهي بتبدّل قيم العقد الاجتماعي التي تحكم مجتمع ما، فالتاريخ كما وصل إلينا بلسان المنتصر قد أغفل رواية المهزومين والضعفاء.
فالمؤرخ غالبا ما يجد نفسه أمام خطابات تتضمن رؤية الوقائع التي حدثت من زاوية رؤية المدوِّن مع الاحتفاظ بمنبر التمحيص والتدقيق والمراجعة من خلال إيهام المتلقي بالمصداقية عبر السعي إلى تضييق المسافة بين الواقع والمحتمل، فنرى التاريخ يقدم لنا الأحداث بعموميتها دون النظر إلى التفاصيل التي تشكّل الكل إلا في حالة كانت تلك التفاصيل تدعم بصورة إجمالية، بينما الروائي الذي يرتكز على الحدث التاريخي يتخذ من التفاصيل محورا للسرد بوصفها الحدث الذي لم يُروَ، وبصيغة أخرى هي الحدث الرئيس الذي وقع وسار بموازاة الحدث الأصلي الذي تمّ تدوينه.
نستعرض هنا عددا من التجارب الروائية التي استندت إلى التفاصيل في إعادة إنتاج التاريخ المروي والمعروف، فالكاتبة البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش الحاصلة على جائزة نوبل للآداب عام 2015، جعلت مسيرتها الأدبية مكرسة لخدمة مشروع التوثيق التاريخي الذي مثّل العمود الفقري لمجمل أعمالها، فنقرأ ونسمع في “أصوات من تشيرنوبل” و”فتيان الزنك”، الصورة الأخرى للتاريخ من خلال البسطاء الذين كانوا في صلب الحدث، وتمتاز تلك الأعمال بأنها لجأت إلى ضفتي الصراع لتقديم التقاطعات الممكنة بين الروايات العديدة التي قدّمها كل طرف، ومن هنا كانت خلطة ألكسيفيتش السرية هي استجلاب كل الأطراف في لعبة السرد الأدبي التوثيقي للواقع الاجتماعي بعيدا عن التأريخ السياسي للمرحلة.
نماذج عديدة
الغوص في السياسة أو تقديم قناعات أيديولوجية على لسان الشخصيات، كما فعل الكاتب التشيلي أنطونيو سكارميتا في روايته “ساعي بريد نيرودا”، حيث لجأ سكارميتا إلى سرد روائي مزج فيه بين الواقع والمروي ضمن ثنائيات عديدة، طفح بها العمل الذي ماثلت بساطتُه العمق الذي تضمّنه، فكانت آراء سكارميتا ومواقفه من الثورة والعسكر والعقد الاجتماعي في البلاد واضحة المعالم، من خلال شخصية الشاعر الذي قرر العيش على هامش الحياة والتاريخ، حتى دفع به خياره إلى الصف الأول.
عربيا يبدو التاريخ الأوروبي القديم حالة يمكن اللجوء إليها للخروج من وصف التوثيق والتأريخ للواقع الحالي الذي تعيشه البعض من بلدان المنطقة العربية، تبدو “كتيبة سوداء” للروائي المصري محمد المنسي قنديل حالة يمكن الاستناد عليها في تبيين صورة الزج بالآلاف من الشباب في حروب تأخذ حاضرهم ومستقبلهم وتقرر مصائرهم التي كانت في الأصل مجهولة، فالرواية التي يطوف بها محمد المنسي بين دول عدة، بدءا من مجاهيل أقاصي وادي النيل وتفرعاته في السودان، ففي بنائها ضمن عوالم المكان اللاتيني في المكسيك أو تفاصيل الأحياء الأوروبية بين باريس وبروكسل، تبدو محاولة المقاربة مع الواقع العربي الحالي رغم تجرّد الكاتب من كل المقولات التي تشير إلى ذلك، سواء على صعيد الزمان أو المكان أو الشخصيات التي تنوعت بين المهمّشين الجنود من جهة والإمبراطور نابليون الثالث ودوق بروكسيل وابنته وماكسيمليان النمساوي حاكم المكسيك الذي أطيح به وتمّ إعدامه عقب ثورة شعبية.
بين مصر والأندلس
الكاتب السوري محمد برهان يلجأ إلى تاريخ الأندلس عقب سقوط غرناطة، لتكون السنوات القليلة الأولى التي تلت خروج أبوعبدالله الصغير من المدينة بعد تسليمها، هي الحالة التاريخية التي تشكّل الفضاء العام للرواية بينما يدور المتن حول جملة من الوثائق التاريخية التي تمّ العثور عليها في أحد البيوت الأثرية التي كانت مقرا لإجراء مناظرات بين النخبة في ذلك الوقت للتباحث في الواقع الاجتماعي والثقافي الجديد للبلاد، هنا في هذا العمل لا يقدّم برهان نفسه مؤرخا ينبش بين الروايات، بقدر ما يلجأ إلى السرد الأدبي البسيط لإيصال ثنائيات الهوية والمكان والانتماء، وإسقاطها على الواقع المعيش في سوريا اليوم.
الكتابة عن الثيمات التاريخية تأخذ طابعا أقرب إلى التحقيقات الاستقصائية، يكون الأبطال فيها عبارة عن باحثين عن الحقيقة المتحركة في زمانهم والثابتة في زمان تدوين الأدب الذي يأتي عادة متأخرا، فالحقيقة المتحركة الثابتة لا تكون هاجسا عند الأديب بقدر ما تسكنه رغبات في إماطة اللثام عن مناطق لم يصل إليها المؤرخ الذي يسعى إلى تدوين الحدث بوصفه مجردا عن كل ما يحيط به، بينما الأديب ينطلق في اشتغاله على الموضوع التاريخي بداية من الزمان والمكان والشخصيات التي لم تخلق الحدث، بل كانت أحد نتائجه.
الرواية التاريخية
كتابة الرواية التاريخية بوصفها جنسا أدبيا ضمن الرواية العالمية اليوم، تلعب دورا في إعادة بناء المعرفة، لأن أدواتها تحتمل المزاوجة بين الواقعي والمتخيّل، لذلك لا نرى الكتب التاريخية تحتفي مثلا بالكتيبة المصرية “السودانية” التي شاركت في الحملة الفرنسية على المكسيك لتثبيت حكم ماكسيمليان، بل هي في الكثير من المصادر التاريخية غير موجودة، ولعل هذا ما جعل منها موضوعا للتقصي عند محمد المنسي.
تقديم التاريخ ضمن رواية أدبية يتطلب أدوات خاصة وتقنيات عديدة، تبدأ من المعروف لتدخل في غير المعروف، فإذا قدّمت الرواية الأدبية التاريخية سردا للأحداث بالشخصيات المعلنة في التدوين التاريخي تفقد قيمتها الأدبية، لأنها تكون في صورتها استنساخا للحدث الأصلي وإعادة تدوير له، بينما يتركز دور الرواية التاريخية في تغييب الحدث التاريخي وإظهار جوانب منه في لعبة السرد من خلال الاهتمام بالشخصيات الثانوية، في مسارات تلجأ غالبا إلى الافتراض ودمج العوالم العديدة المفتوحة على الزمان والمكان في بنية واحدة تتعدد فيها المقولات.
الرواية الأدبية التاريخية مستقلة بأدواتها عن علم التاريخ، وبالتالي فإن العلاقة بينهما قائمة بذاتها؛ مستقلة بوظيفتها عن العلاقة بين الروائي والمؤرخ الذي يقدّم التاريخ بناء على البحث العلمي، بينما يقوم الأول بمفاوضة التاريخ لاستنباط الحكايا الدفينة فيه والكشف عنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.