أخبار الاقتصاد اليوم: البنك المركزي يقرر تثبيت سعر الفائدة.. البورصة تخسر 2 مليار جنيه.. استقرار سعر الذهب وارتفاع البيض.. الإحصاء تكشف عدد الأطفال في مصر    أول تعليق من ميليشيا الدعم السريع على عقوبات الاتحاد الأوروبي    مصر تستضيف الجمعية العمومية للاتحاد الدولي للإنقاذ    أحمد كامل يعود لجمهوره بألبوم "لسه حي"    أطعمة تساعد على تخفيف ألم الأعصاب بشكل طبيعي    حقيقة إلغاء انتخابات مجلس النواب وتأجيلها عام كامل؟.. مصطفى بكري يكشف الحقائق    رئيسة المفوضية الأوروبية تؤكد دعم الاتحاد لإقامة دولة فلسطينية    استشاري نفسي: «السوشيال ميديا» سبب أزمة العنف الأسري    شاهد مران الأهلي قبل 48 ساعة من مواجهة شبيبة القبائل    طبيب الأهلي: إصابة عبد الله.. والشحات وداري في المرحلة الأخيرة من التأهيل    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم توكتوك وسيارة بكفر الشيخ    احمد بنداري: مؤتمران أيام تصويت المصريين بالخارج ومؤتمر يومي تصويت الداخل    حنان الصاوي تكتب : دورة عاشرة بروح عالمية.. مهرجان شرم الشيخ الدولي يزهر المسرح في سيناء    هل تؤثر عدم زيارة المدينة على صحة العمرة؟ أمين الفتوى يُجيب(فيديو)    هل يوجد عذاب للقبر؟.. أمين الفتوى يجيب    هل التأمين على الحياة حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    ثلث القيمة يختفى فى أسابيع |انهيار قياسى للعملات المشفرة    احتفالية مستشفى الناس بحضور سفراء ونجوم المجتمع.. أول وأكبر مركز مجاني لزراعة الكبد بالشرق الأوسط "صور"    أطعمة تعيد التوازن لأمعائك وتحسن الهضم    مساعد وزير الخارجية يشيد ببرامج الاتحاد الأفريقي لإعادة إعمار الدول الخارجة من النزاعات    سانوفي تطلق دواء "ساركليزا" في مصر لتمنح مرضى سرطان المايلوما المتعددة أملًا جديدًا في العلاج    عضو الحزب الجمهورى: إسرائيل لا تعترف بأى قرار ولا تحترم أى قرار دولى    «سمات روايات الأطفال.. مؤتمر مركز بحوث أدب الطفل تناقش آفاق فهم البنية السردية وصور الفقد والبطل والفتاة في أدب اليافع    رئيس كوريا الجنوبية: أحب الحضارة المصرية وشعبنا يحبكم    وكالة الطاقة الذرية تدعو إلى مزيد من عمليات التفتيش على المواقع النووية الإيرانية    محافظة الجيزة: غلق كلي بطريق امتداد محور 26 يوليو أمام جامعة النيل غدا الجمعة    الداخلية تضبط صاحب فيديو «عصا البلطجة» بالجيزة    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا    محافظ الفيوم يوجه بسرعة رفع مخلفات الطبقة الأسفلتية القديمة بشارع عدلي يكن لتيسير الحركة المرورية    الوكيل: تركيب وعاء أول مفاعل نووي ينقل مشروع الضبعة من مرحلة الإنشاءات إلى التركيبات    يونيفيل: استقرار هش على طول الخط الأزرق ونسير دوريات مع الجيش اللبناني    فقرة بدنية في مران الزمالك قبل مواجهة زيسكو    محافظ القليوبية يُهدي ماكينات خياطة ل 15 متدربة من خريجات دورات المهنة    إيقاف بسمة وهبة وياسمين الخطيب.. الأعلى للإعلام يقرر    الموسيقار عمر خيرت يتعافى ويغادر المستشفى    الجبهة الوطنية يكلف عبد الظاهر بتسيير أعمال أمانة الجيزة عقب استقالة الدالي    شركة مياه القليوبية ترفع درجة الاستعداد للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    النائب محمد إبراهيم موسى: تصنيف الإخوان إرهابية وCAIR خطوة حاسمة لمواجهة التطرف    مجلس الوزراء يُوافق على إصدار لائحة تنظيم التصوير الأجنبي داخل مصر    محافظ الأقصر يوجه بتحسين الخدمة بوحدة الغسيل الكلوى بمركزى طب أسرة الدير واصفون    إيمان كريم: المجلس يضع حقوق الطفل ذوي الإعاقة في قلب برامجه وخطط عمله    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    الهلال الأحمر المصري يطلق «زاد العزة» ال77 محمّلة بأكثر من 11 ألف طن مساعدات    إيقاف إبراهيم صلاح 8 مباريات    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    الرقابة المالية تصدر ضوابط عمل لجنة حماية المتعاملين وتسوية المنازعات في مجال التأمين    والده ل في الجول: أشرف داري لا يفكر في الرحيل عن الأهلي    اجتماع البنك المركزي المصري اليوم: هل يرفع الفائدة أم يثبتها؟    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    سبورت بيلد: صلاح هو المشكلة الأكبر أمام تألق فيرتز في ليفربول    نائب وزير الخارجية يجدد دعوة أبناء مصر بالخارج للتوجه إلى صناديق الاقتراع    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع تدريجي فى درجات الحرارة.. والعظمى 27 درجة مئوية    مواجهات قوية في دوري المحترفين المصري اليوم الخميس    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسرار متوارية وراء " نصف الحكاية "
نشر في نقطة ضوء يوم 11 - 08 - 2016

حين يروي أحد ما نصف حكاية فهذا يعني أن هناك نصفاً آخر لم يعلن عنه بعد، وهذا ما سيثير فضول القارئ أو المستمع للبحث عن النصف الآخر الذي لم يعلن عنه، متسائلاً عن سر إخفائه، وهذا ما حصل معي حين وقعت بين يديّ مجموعة شعرية تحمل اسم "نصف الحكاية" للشاعرة الفلسطينية رانيا الجوري، من إصدارات دار نيبور في بغداد.
وحين تأملت لوحة الغلاف وجدت بوابة من بوابات عكا، هذه المدينة التي تقع في شمال الجزء الفلسطيني المحتل منذ العام 1948، والتي قهرت نابليون حتى بكى قهراً أمام أسوارها، فكان المثل الشعبي الذي التصق بها: "لو خافت عكا من هدير البحر لما سكنت على الشاطئ".
وعلى الغلاف الأخير يوجد تعريف عن الشاعرة في إصدارها الأول لسيدة تظهر صورتها أنها في الأربعينيات من العمر، وحروف منقوشة تحت الصورة تعرف بالشاعرة أنها من عكا، وجوار الصورة حروف منقوشة شعراً تؤكد فيها أنها تبحث عمن يراها الحكاية كاملة، ولا تريد من الآخر أن يرى فيها نصف الحكاية: "إن الانتحار على نصف الحكاية جبنٌ، أنا الحكاية كلّها كاملة، من رأسي حتى قدميّ، وما بينهما من ارتقاء فكري وشعوذته، وما يتبعهما من مشاعر الطفولة التي وإن رشدت طفلة، في حدائق الياسمين، يرضيها طوقٌ من يدين خشنتين، أنا الحكاية كلّها، من الغلاف حتى نهاية لهاثك، فلا تنتحر على نصفي وبعضي".
هذه الكلمات التي تصور لوحة منقوشة بريشة الحروف شدتني جداً، فبدأت التجوال في أروقة الحرف من الغلاف إلى الغلاف، باحثاً عن النصف الآخر، محلقاً ما بين الحرف والحرف، وما وراء الحرف، فالمجموعة حافلة بكمّ من الحكايات، منها الألم ومنها الأمل، منها الوطن ومنها التحدي، منها الحزن ومنها الفرح، فشعرت أني أجول في عالم من الشيء وضده، ثنائية الخلق، وروح إنسانية تأبى إلا أن تحلق ممارسة التحدي مع الذات أولاً قبل أن يكون مع الآخر.
في نصوصها تتحدث عن نصف الحكاية، وفي رمزية النص نستشف النصف الآخر للحكاية، فهي في تجوالها بين الابن والوطن، الحب والعشق، الألم والأمل، تروي نصف الحكاية، ومن يقرأ النصوص بتأمل وتمعن يرى النصف الآخر.
ففي نصها القصير عن ولدها المصاب بالتوحّد نراها حزينة، ولكنها ترى في النصف الآخر أنها تأخذ الضجيج عنه، وبالتالي يعيشان في هدوء، وكأنها ترى بروح الأمل وجهاً آخر لمواجهة حالة مرضية لا علاج لها: "حزينةٌ جدًّا روحي/التوحّد قليلاً إلى دماغ ابني/قليلاً أعيش معًا/يعيش معي/آخذ عنك الضجيج يا ولدي/نعيش الهدوء".
في روايتها لنصف الحكاية عن الوطن الذي يتكرر كثيراً في نصوصها نراها تتحدث عنه بإيمان مطلق به، فهي تراه عشقاً أزليا، وكنزاً ثميناً، وليس مجرد قطعة أرض أو بقعة جغرافية: "عندما يكون الوطن عشقك الأزلي الذي تحيا به/ يحيا فيك/تكون استدارة الأرض إكليل شوكٍ لأعدائك/اتساعه حناجرًا مبحوحة/وعيونًا حاسدة كنزك الثمين".
وترى الجوري أن الوطن مذاب فينا، ويجب أن نكون في حضرته الأجمل دوماً، وهي تجسده في الرجل المعشوق الذي تعشق، فتقول في أحد النصوص: "يا عطر الزيتون والزعتر/يا قمح البلاد الحانيات، يا مرمر/أنت الحب الأنقى والأكبر/كل الرجال سهام وأنت وحدك قوسي/هكذا علمني أبي.. أن أكون الأجمل في حضرة الوطن المذاب فينا، ما أشهاك!/لو قبّلتك ملايين القبلات، ما أشهاك!/لو سجدت على حدائق حبك آلاف السجدات، ما أبهاك!/ليس على سرير كلماتي لحبك أي بديل/دعني ألتحف بك/وأرى السماء القادمة من عينيك/سمعني حكايا ما قبل النوم على راحتيك/أسمعني أنك تحبني ثم اقتلني بقبلةٍ/وأسدل عني الستار/أعلنْ للكون أني مجنونتك، من تحبك حتى الانتحار/أحب الموت فيك/حين تزرعني كزهرة بريةٍ على قبر أبي".
فالوطن يسكنها ويسكن منها الروح، ويؤلمها كل ما تراه في فضاء الوطن سواء من احتلال أو خفافيش عتمة أو انهيار في القيم والسلوك، فترى في ذلك كسوفاً كما كسوف الشمس لا بد أن يليه إشراق، فتقول: "قد غسقت السماء نارًا وبارودًا/إنه الكسوف يا وطني.. الكسوف".
رانية الجوري لا تحصر الوطن في البقعة الجغرافية المحتلة فلسطين، بل هي تمتد إلى أفق قومي على الرغم من أنها بحكم أن من أبناء الجزء الفلسطيني المحتل في العام 1948 ليس من السهل عليها أن تدخل معظم البلاد العربية، فهي تتألم على سورية الجريحة وتنحاز لها: "منحازٌ قلبي لبلاد الياسمين/بضجيج نبضه الكامل/بأنصاف فكري المتشرد/باتساع روحي/بامتداد جروحي/كلّي وبوصلة العشق داخلي/أحبّك سورية".
وهي تنتقد الغرب الذي يثور لأي حدث فيه بينما النزف يسود الوطن العربي، وترى في ذلك ما يدفعها للسؤال والسخرية: "باريس الجميلة تعاني اليوم/انتهكت عذريتها/وطني العربيّ الوسيم ينزف منذ سنين/يتّضح أن دم العذريّة لا يُقارن بنزيف عادي/... كم هو شريف هذا العالم!!". وهي تعترف أن "شهوة" بوحها بما تشعر به ناتجة عن ألمها مما يتعرض له الوطن أو ما تبقى منه حتى أنها تخشى أن يتحول الوطن إلى ذكرى وطن: "بل لم ولن يحدث أبدًا، أن أكتب غير صدق مشاعري/وللصدق أقول لكم، أن شهوة بوحي، تكمن في أمرين ناقصين/الوطن ورايته، وما بينهما من ذكرى وطن".
وحين تجول رانية في مشاعرها والحب ترى في نفسها أنها "عاشقة من الطراز العميق"، لذا ترى أنه من الأفضل التصالح مع الرجال، فهل هذا يعني أنه في نصف الحكاية الآخر الذي لم تتحدث عنه أن لديها مشكلة مع عالم الرجال؟ وأنها ابتعدت عنه وعن الاحتياجات الجسدية الخاصة؟ وأنها بحاجة للمصالحة وشرب نخب أول قصيدة عارية؟ "لم المكابرة؟ أنت عاشقة من الطراز العميق/وعشقك هذا لا يمكن أن يتحوّل إلى حرب ضد الرجال/فدعينا نتصالح ونشرب نخب أول قصيدةٍ عاريةٍ من الألغاز/لنتحدث بوضوح عن جنس ساعة الغياب".
والشاعرة على لسان بطلة النص ترفض أن ينظر الرجل اليها "تضاريس جسد الحب"، فترفضه وتصده، فتقول: "ترى ما الذي يستفزك يا رجلًا/تقرأ تضاريس جسد الحب وتصمت/أتلذذ فعلًا بخيبتك، نعم خيبتك/أمام أسطول مشاعري وهي تهزمك في أصغر مساحةٍ لديك/قبل أن تطوف حول المعبد/جرّب أن تطوف حول نفسك أولًا".
وهي تهمس بقولها: "يطيب لي، مغامرة أفلاطونية بوهج الحب اللذيذ" وترفض أن تكون العلاقة مجرد علاقة جسد، ولا تريد الحب مجرد: "عنوانٌ حصري لعالمٍ محصورٍ/ في المساحة الجغرافية الواقعة/بين حوض أمازون المشاعر/وكيفية التحكم في مصبّه".
فهي تريد شخصاً تخاطبه بقولها: "سنبني مدينة سلام/تنبت بندى الحب!". وتمازج بين الحبيب والوطن، فتهمس أنها تريد أن تكون: "مستكشفةً معالم وطني الحرّ فيك/في أعلى التلّة هناك/أرفع راية استسلامي/أو لعلها راية احتلالي لك".
وهنا يبرز سؤال: هل أنها في نصف الحكاية الآخر تريد أن تمارس جنون الرغبة حتى تصل إلى درجة الاحتلال لإنسان تحبه وترى فيه بعضاً من معالم الوطن الذي تحلم به؟ على الرغم من أن هذا يتناقض مع قولها: "لا حياة للغريزة في التشابك الروحيّ، فلتسقط كلّ شهوات الجسد!/أيّها الصباحُ اخترع لي رجلًا يشبهك بعشرين ألف رغبةٍ روحيّةٍ.. لأحبّه كأنت".
النصوص في غالبيتها أخذت منحى الشعر السردي، وهو أسلوب في الشعر النثري يمازج ما بين الحكاية والصور الشعرية، يخرج عن الإطار الذي اعتدناه من اختصار شديد وتكثيف في اللغة إلى حكاية سردية تعتمد الرمز والممازجة بين أسلوب الحكاية والنص الشعري النثري، ورانيا الجوري أوضحت أسلوبها في نصها "الجزر الكتابية" بقولها: "التحرر في الكتابة أن تأخذ القارئ لصورةٍ شعريةٍ/ تبدأ بالتنزّه على شاطئ جميلٍ/من ثم السير السريع للوصول إلى محطة القطار/بعدها الانتشاء بجرعة ماء باردة".
وهي في حديثها عن النصف الآخر للحكاية لا تتوقف عن استخدام الرمزية والتشابيه بحيث تتداخل مشاعرها ما بين الوطن والحب والعشق والحلم والألم، حتى يخيل للقارئ الذي لا يحلق ويغوص في ثنايا نصوصها أنها ليست أكثر من عاشقة مرت بخيبات عشق، ولكن من يجول النصوص ويحلق بها يكتشف النصف الآخر للحكاية: وطن تحلم أن يكون حراً سعيداً مكتملاً غير منقوص، ورجل يعشقها كما هي إنسانة مكتملة بروح ومشاعر ومن ثم جسد ورغبات وثورة أنثى، وآمال وأحلام وإنسانية، وحلم أن يتمكن ابنها من أن يعيش بهدوء بعيداً عن مرض التوحد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.