صدر عن سلسلة "كتاب اليوم " كتاب ( الفسطاط عاصمة مصر الاسلامية) ، للدكتور خالد عزب ، الذي قال في مقدمة كتابه، الذي ينقسم الى ستة فصول، ويقع في 176 صفحة من القطع الصغير، «ان مدينة الفسطاط أهملت من قبل الكتاب والباحثين المسلمين، مقارنة بغيرها من المدن الاسلامية الأولى كواسط والكوفة والبصرة والقيروان. وأضاف إن هذا العمل ينتصر للمدينة، التي تعد أولى عواصم مصر الاسلامية، في محاولة لرسم تصور شامل للمدينة في عصور ازدهارها وانحسارها، باعتبارها شاهدة عيان على ما آل اليه حال مصر من ضعف في نهاية عصر الفاطميين. يعتبر حي مصر القديمة من أعرق أحياء القاهرة، وأكثرها شهرة، وله تاريخ موغل في القدم، وضم موقعه الحالي حضارات شتى، وكان موقعه عند ملتقى شمال الوادي بجنوبه، أنسب المواقع لإقامة حضارة الدولة المصرية باختلافاتها، وأثبتت الدراسات الحديثة أن هذه المنطقة كانت معبراً لبناء الأهرامات إلى الضفة الغربية للنيل، إلى جانب الآثار الرومانية الموجودة هناك، والتي تشير إلى تلك الحضارة العريقة التي قامت في هذه المنطقة. كذلك يشتمل حي مصر القديمة على أقدم الآثار الإسلامية والمسيحية في العالم، حيث مسجد عمرو بن العاص، أول مسجد بني في إفريقيا كلها، وكان منذ الفتح الإسلامي مركزاً للإشعاع الفكري لمصر والعالم أجمع، وكذلك الكنائس القديمة، ومنها الكنيسة المعلقة التي شيدت منذ بداية تاريخ مصر القبطي، والتي تعتبر مزاراً لجميع المسيحيين في العالم. وكان أحدث التجمعات السكنية بهذا الحي مدينة «الفسطاط الجديدة» التي تقع خلف حديقة الفسطاط، أرقى منطقة سكنية الآن بالحي، ويتم أمامها إنشاء متحف الحضارات بمنحة من منظمة اليونيسكو، ومن المنتظر أن يصبح أكبر المتاحف المصرية، بعد المتحف المصري الكبير، وبجوار المتحف يتم إنشاء مبنى دار الوثائق القومية. ويشير الكتاب إلى أن المسيحية دخلت مصر في منتصف القرن الأول الميلادي، وأسس القديس مرقس في الإسكندرية عام 65 ميلادية أول كنيسة قبطية في مصر، في وقت سادت فيه الديانات الوثنية القديمة، من فرعونية ويونانية ورومانية، إلى جانب اليهودية، وانتشرت المسيحية وأصبحت دين أغلبية الشعب المصري، بينما ظل الحكام الرومان على دياناتهم الوثنية. وأنشأ القديس مرقس مدرسة الإسكندرية للعلوم اللاهوتية، وأصبحت المدينة عاصمة العالم الثقافية، خاصة بعدما أدخلت إليها علوم الطب والتشريح والكيمياء والصيدلة والهندسة بجانب الفلسفة اللاهوتية. أما عن الفسطاط فإن الكتاب يوضح أن عمرو بن العاص لما أراد التوجه إلى فتح الإسكندرية، أمر بنزع فسطاطه «أي خيمته» فإذا بيمامة تفرخ فيها، فقال عمرو: «لقد تحرمت منا بمتحرم» فأمر به ليظل كما هو، وحينما فتح المسلمون الإسكندرية أراد عمرو بن العاص اتخاذها عاصمة ودار هجرة للمسلمين، فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في ذلك، فسأل عمر رسول عمرو بن العاص: هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟ فأجابه: «نعم»، فكتب إلى عمرو أن يرحل عن هذا المكان، لأنه لا يريد أن يحول بينه وبين المسلمين ماء لا في الصيف ولا في الشتاء، فلما رجع المسلمون من الإسكندرية قالوا: «أين ننزل»، قالوا: «الفسطاط»، يصفون فسطاط عمرو الذي خلفه بمصر مضروباً لأجل اليمامة، فسميت من حينها بذلك الاسم. وأنزل عمرو بن العاص القبائل العربية بالفسطاط، وبعد أن اختط المسجد الجامع، بنى للخليفة عمر بن الخطاب داراً عند المسجد، فكتب إليه عمر قائلاً: «أنى لرجل بالحجاز تكون له دار بمصر»، وأمره أن يجعله سوقاً للمسلمين، وأصبحت هذه الدار تسمى بدار البركة. وكان الموقع الذي ضرب عليه عمرو فسطاطه موضعاً لمدينة قديمة اندثرت، ثم سرعان ما ازدهرت مع دخول الإسلام مصر، بنمط معماري جديد، وكثرت بالفسطاط الحارات والأزقة والدروب التي تعد مظهراً من مظاهر التوسع العمراني والازدهار الاقتصادي. ظلت الفسطاط عاصمة لمصر الإسلامية حتى استولى عليها العباسيون، فأسسوا مدينة العسكر، ومن بعدهم أسس أحمد بن طولون مدينة القطائع، وفي العصر الفاطمي أنشأ المعز لدين الله القاهرة.