تناول كثير من الرحالة العرب جغرافية عمان بالوصف التفصيلي الدقيق، خلال العصور الإسلامية الوسطى وكشفوا عن مادة وفيرة لامتداد الجغرافيا والمدن العمانية بما تتضمنه من مبان وزراعة وأودية وجبال، وهي مادة تقدم صورة واضحة لعمان دونتها أقلام الرحالة والمؤرخين. ويمكن استقراء وصف الرحالة من كتاب للباحث أحمد بن عبدالله بن مسعود العزيزي، الذي تقصَّى وصف الرحالة العرب للجغرافيا العمانية، الوارد ذكرها في مؤلفاتهم، ويتضمن الكتاب بدوره صورا نادرة للخرائط الواردة في تلك المؤلفات، ويشير الباحث إلى أن أغلب الجغرافيين والمؤرخين العرب الذين كتبوا عن عمان، وعددهم 21 مؤرخا، كابن خُرْدَاذْبُه، واليعقوبي والبلاذري والهمداني والأصطخري والمسعودي وابن حوقل والمقدسي والإدرسي والحموي وابن خلدون وغيرهم، تناولوا الأمم التي سكنت عمان قديما والمعنى اللغوي لاسم عمان، وتعريفها وتحديد موقعها. كما تكشف مؤلفات هؤلاء المؤرخين الجغرافيا البشرية لعمان، وأهم المدن العمانية الشهيرة حسب كل عصر مثل صحار، ومسقط، وقلهات، ونزوى، وظفار، ومرباط، ومدن أخرى ورد ذكرها في سياق حديثهم وتدويناتهم، وتتناول كذلك الجغرافيا الاقتصادية لعمان، التي يسرد في فصولها كل ما يتعلق بالخراج والضرائب والعملة المستعملة، والأرطال والموازين، وحرف السكان والمواصلات والتجارة والأنشطة البحرية. ويقول الباحث “تكمن أهمية كتب المؤرخين الذين كتبوا عن عمان في العصور الإسلامية الوسطى، في أنها تصور مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والجوانب الطبيعية في تلك المناطق، مما يجعلها مصدرا مهما للباحثين للرجوع إليها عند دراسة أي منطقة خلال الفترات التاريخية الماضية، ومن خلال هذه المؤلفات والكتابات عرفنا أن هناك حركة تجارية بين عمان والهند والصين وشرقي أفريقيا، كما عرفنا تاريخ بعض المدن العمانية، بل وتعرفنا على جغرافية تلك البلدان، كل ذلك وغيره تكشفه لنا مثل تلك المؤلفات الثمينة، لذلك يجب أن يكون هناك اهتمام من قبل المؤرخين بتحقيق هذه المؤلفات ودراستها وتحليلها”. ويضيف أن موضوع تاريخ عمان وجغرافيتها في العصور الإسلامية الوسطى، يعد موضوعا أغفله العديد من المؤرخين، وفي وصف المدن العمانية يعرض الباحث ما قيل عنها من قبل الرحالة، وهو ما يمكن أن يستنتج منه القارئ طبيعة سكان هذه المدن وكيف عمروها مثل قول أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الاصطخري في وصفه مدينة صحار الواقعة في محافظة شمال الباطنة “وأما قصبة بلاد عمان فيه صحار، وتقع على البحر، وبها متاجر البحر، وتقصدها المراكب وهي أعمر مدينة بعمان، وأكثرها مالا، ولا تكاد تعرف على ساحل البحر بجميع بلاد الإسلام مدينة أكثر مالا من صحار”، وهو ما يدل على أن سكانها اتخذوا من التجارة البحرية موردا للرزق جعلهم أثرياء. ويصفها شمس الدين المقدسي بقوله “صحار قصبة عمان، ليس على بحر الصين اليوم بلد أجل منه، عامر أهله، حسن طيب نزه، ذو يسار وتجار وفواكه وخيرات”، ووصف أسواقها بأنها عجيبة وبلدة طريفة، ممتدة على البحر، ويصف الهندسة المعمارية للمدينة بقوله “دورهم من الآجر والساج، شاهقة نفيسة، والجامع على البحر، له منارة حسنة طويلة في آخر الأسواق، ولهم آبار عذبة وقناة حلوة، ويعني الأفلاج، وهم في سعة من كل شيء، دهليز الصن وخزانة الشرق ومغوثة اليمن، المصلى وسط النخيل، ومسجد صحار على نصف فرسخ، قد بني أحسن بناء، وهواؤه طيب من القصبة، ومحراب الجامع بلولب يدور، ترساه مرة أصفر ومرة أخضر، وحينا أحمر”. وكان لمدينة مسقط حظ كبير في كتابات الرحالة، فقد وصفها المسعودي بقوله “أرباب المراكب يستقون الماء من آبار عذبة تقع على مسافة 50 فرسخا”. ويذكر ابن المجاور يوسف بن يعقوب الدمشقي أن مدينة مسقط كانت منطقة تجميع السلع، حيث أن السفن تحمل منها كل صنوف السلع المختلفة في طريقها إلى بلاد كرمان وسجستان، وكانت تلك السلع تتفرق في بلاد خراسان وغيرها. ومن بين المدن الداخلية التي ذكرت في كتب الرحالة العرب مدينة نزوى، نظرا لمركزيتها السياسية، ويرى الباحث أن اهتمام الرحالة بها قليل بسبب بعدها عن الساحل، فالبكري يصفها بقوله “تقع في جبال عمان الداخلية، وهي أكبر من مدينة صحار، وتشتمل على عدة قرى كبار يسمى مجموعها بهذا الاسم، وبنيانهم من الطين، وشربهم من الأنهار والآبار”. ويقول أيضا “يعمل بنزوى صنف من الثياب منمقة بالحرير، جيدة فائقة، لا يعمل في شيء من بلاد العرب مثلها”. وعندما زار ابن بطوطة عمان في عهد السلطان النبهاني أبي محمد بن نبهان، فإنه زار مدينة نزوى، وكتب عنها ووصف أهلها وعاداتهم، يقول ابن بطوطة “ووصلنا إلى قاعدة هذه البلاد وهي مدينة نزوى، مدينة في سفح جبل، تحف بها البساتين والأنهار، ولها أسواق حسنة ومساجد، وعادة أهلها أنهم يأكلون في صحون المساجد، ويأتي كل إنسان بما عنده، ويجتمعون للأكل في صحن المسجد، ويأكل معهم الوارد والصادر، ولهم نجد وشجاعة.. الخ”.