الرحالة ابن بطوطة كان مؤرخا وقاضيا وفقيها. أمضي حياته في الترحال والسفر بين المدن والبلدان. وسجل مغامرته ومشاهداته وما رآه فيها من ثقافات متنوعة وعادات وتقاليد. ولسبقه لقب بامير الرحالين المسلمين. ولد محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن يوسف بن اللواتي الطنجي. الشهير بابن بطوطة. في سنة 1304 ه/ 703 م. بمدينة طنجة بالمغرب. ونشأ في كنف أسرة حسيبة اشتهرت بالعمل في القضاء والفتوي. وبدأ طلب العلم بحفظ القران الكريم. وتلقي دروسه الأولي في الفقه والأصول والحديث والتفسير وعلوم الشريعة وفقا للمذهب المالكي السائد في أقطار المغرب. وأتقن اللغتين التركية والفارسية. وشغف منذ صباه بقراءة كتب العرب التي تتناول البلدان من الناحية التاريخية والجغرافية. مثل كتاب ¢المسالك والممالك¢ لابن خرداذبة. و¢مسالك الممالك¢ للأصطخري. مما حبب اليه السفر والمغامرة والتعرف علي ثقافات الشعوب. وارتحل وهو في الحادية والعشرين من عمره الي الحجاز لأداء فريضة الحج. والتوسع في دراسة الشريعة في بلاد العرب. وبدأ رحلته الاولي في عام 725ه/ 1326م. من مدينة طنجة. حيث طاف بأنحاء المغرب الأقصي. ثم اتجه نحو الشرق عبر الجزائر أو المغرب الأوسط. ثم إلي تونس وليبيا. وانتهي به المطاف في مصر. ومن الإسكندرية اتجه جنوبا إلي القاهرة ثم إلي الصعيد حتي وصل إلي ميناء عيذاب علي ساحل البحر الأحمر. ثم عاد إلي القاهرة وتابع رحلته إلي مكة المكرمة عن طريق بلاد الشام. وبعد أداء فريضة الحج اتجه إلي العراق وإيران وبلاد الأناضول. ثم عاد إلي الحجاز وحج للمرة الثانية. وبقي في مكة سنتين. وفي عام 730ه/ 1329م غادر الحجاز متجها الي بلاد الخليج العربي. فدخل البحرين والأحساء واليمن وعمان. وارتحل الي بلاد الروم. ومنها عاد إلي مكة ليحج للمرة الثالثة. ثم قطع البحر الأحمر فوصل إلي وادي النيل كي يحاذيه باتجاه الشمال قاصدا سوريا. ومنها ركب البحر من اللاذقية قاصدا آسيا الصغري حيث نزل ميناء آلايا. ومنه إلي ميناء سينوب علي البحر الأسود. ثم قصد شبه جزيرة القرم. وتوغل حتي بلاد روسياالشرقية. وهناك انضم إلي سفارة السلطان محمد يزبك الذاهبة إلي القسطنطينية. وعاد إلي القرم كي ينطلق منها إلي بخاري وبلاد الأفغان. إلي أن وصل إلي دلهي علي نهر الغانج فاستقر بها مدة عامين. عمل خلالهما قاضيا للمذهب المالكي. وحاول ابن بطوطة أن يرافق بعثة سياسية أرسلها سلطان الهند محمد شاه إلي ملك الصين. فلم يتجاوز جزائر- ذبية المهل- حيث استقر مدة سنة ونصف تولي فيها منصب القضاء. وبعدها استمر في رحلته عن طريق ساحل البنغال. ودخل بلاد الهندالشرقية وجزر إندونيسيا. واتجه إلي زيارة الثغرين الصينيين زيتون- تسوتونج- وكانتون. بعدها عاد إلي الجزيرة العربية عن طريق سومطرة والهند في 748ه/ 1347م. ومنها صعد في الخليج العربي. وعاد إلي بلاد فارس عن طريق ميناء هرمز. ثم سافر إلي العراق فبلاد الشام. فمصر. ومنها انطلق إلي مكة ليؤدي فريضة الحج للمرة الرابعة. وواصل سيره عائدا إلي بلاده عبر مصر وتونسوالجزائر حتي وصل فاس في المغرب الأقصي عام 750ه/ 1349م. وبعد أن قام فيها مدة عام. عاوده الشوق والحنين إلي الارتحال. فقام برحلته الثالثة عام 751ه/ 1350م إلي غرناطة بالأندلس. ثم قف إلي فاس ليهيئ نفسه لرحلة إلي إفريقية الغربية عام 754ه/ 1353م. فدخل تومبوكتو وهكار. ومنها عاد إلي المغرب عن طريق مدينة توات. ليستقر هناك فانقطع إلي السلطان أبي عنان فارس المريني الذي أعجب برحلات وأسفار ابن بطوطة وقصصه المشوقة. فطلب منه أن يمليها علي كاتبه محمد بن جزي الكلبي. وقام بتسجيل اخبار رحلاته وما فيها من احداث وعجائب وغرائب واخبار وتقاليد وعادات الشعوب. ولكل ما صادفه من أماكن وشخصيات ومعالم واخطار وغيرها من الأمور الشيقة. بمدينة فاس سنة 756 ه. في كتاب سماه ¢ تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار ¢ وعرف بعدها ب ¢ رحلة ابن بطوطة ¢ وصار من أهم المراجع وأقدمها ودليلا للجغرافيين العالميين ولكثير من المهتمين بالإطلاع علي كل ما يتعلق بثقافات الشعوب والبلدان. واكتسب شهرة عالمية باعتباره وثيقة تاريخية وجغرافية مهمة. لما ذكره فيه من وصف البلاد وجوها وتربتها وجبالها وبحارها ومن ضبط دقيق لأسماء الرجال والنساء والأماكن والمدن والزوايا وغيرها. وترجم إلي عدة لغات أوروبية منها البرتغالية والفرنسية والإنجليزية والألمانية. ونشر بها. وذكرت الدراسات ان ابن بطوطة هو الرحالة الوحيد في العصور الوسطي الذي فاق ¢ماركوبولو¢ وكل رحالة عصره. حيث قطع نحو 120 ألف كيلو متر. واستغرقت رحلته ما يزيد عن 29 عاما. واعترافا بفضله لقبته جامعة كامبريدج في كتبها وأطالسها بأمير الرحالة المسلمين. وأدركته المنية في سنة 779 ه/1377م. بمدينة مراكش. ويوجد ضريحه بالمدينة القديمة.