تتميز كل محافظة من محافظات مصر بلون غنائي خاص بها، وموسيقي شعبية توارثتها عبر أجيال متعددة، تأتي في مقدمتها مدن القنال «بورسعيد الاسماعيلية- السويس» التي اشتهرت بفنون السمسمية والطمبورة وأغاني الصيادين والرقصات المصاحبة لهذه الفنون، أيضا يشتهر صعيدمصر بالموسيقى الصوفية والمديح وأغاني السيرة الهلالية وتوظيف الناي والربابة في الكثير من الألحان، كما تشتهر اسوان والنوبة باستخدام «الدف» بالإضافة إلى مجموعة من الرقصات التي تميزهم مثل رقصة الكف وبلاجة والفري. يعد مركز «المصطبة» للموسيقى الشعبية المصرية أحد أشهر المراكز التي تهتم بالحفاظ على هذا النوع من الفنون التراثية في مصر والوطن العربي. ويقول ممدوح القاضي المدير التنفيذي للمركز في تصريحه ل «القدس العربي» أن مركز «المصطبة» يعمل على أحياء الموسيقى الشعبية في مصرعن طريق تكوين الفرق للحفاظ على هذا التراث، بالإضافة إلى تدشين أرشيف للأغاني التي تقدمها هذه الفرق.ويوضح ان المركز يقوم بجولات في محافظات مصر مثل العريش بورسعيد للبحث عن عازفين لفنون التراث الشعبي، ثم يقوم بجمعهم في فرق، ويبدأ في تطوير الفن الخاص بهم ليكون مختلفا عما تقدمه الفرق الشعبية الأخرى. ويشير إلى انه قبل تأسيس المركز كانت هناك فرقة واحدة وهي الأقدم «فرقة الطنبورة» البورسعيدية التي انشأت عام 1988 لاحياء التراث الغنائي لمحافظة بورسعيد ، ثم انتقلت الفكرة من بورسعيد إلى السويس، في محاولة لاحياء التراث الموسيقي المهدد بالانقراض لمدن القنال،وتكونت بعد ذلك عدة فرق في مدن الاسماعيليةوالسويس.ولكن التراث الشعبي لا يتوقف عند حدود هذه المدن الثلاث، الفنون الشعبية في مدن الصعيد أيضا بدأت تندثر، لذلك افتتح المركز لجمع هذه الفرق واكتشاف فرق أخرىوتطويرها. بدأ التفكير في انشاء المركز عام 2000 بالجهود الذاتية،وبمشاركة 3 فرق فقط والآن بلغ عدد الفرق التي انضمت إلينا 12 فرقة من كل محافظات مصر، تمثل كل أنواع الموسيقى الشعبية المصرية مثل الطنبورة والتنورة وموسيقى القنال والصعيد وموسيقى الصيادين والنوبة واسوان والدلتا. وأوضح ان المركز يهتم بالإدارة الفنية للموروث الذي يقدمه العازفون دون التدخل في المحتوى إلا إذا خرجعن سياق الفولكلور. ويوضح ان من أقدم الفرق الموسيقية التي كونها المركز فرقة الفولكلور السوداني، إذدخل هذا اللون الغنائي إلى مصر في زمن محمد علي واستقر مؤسسوها في مصر واختلطت بالتراث المصري وأصبحت تقدم فلكلوراسودانيامصريا مشتركا.من الفرق المشاركة أيضا فرقة دراويش ابو الغيط وهي تقدم موسيقى صوفية،وفرقة النوبة نور التي تستعرض كل أنواع الفن النوبي، على سبيل المثال منها فرقة الكفافة التي انضمت إلينا منذ عامين لاحياء فن مصري قديم هو فن الكف الصعيدي الذي يعود إلى أيام الفراعنة، إذ وجدت الكثير من النقوش على جدران المعابد والمقابر، خصوصا مقابر العساسية في البر الغربي لمدينة الاقصر تؤرخ لهذا النوع. وتضم حفلة الكفمن ثلاثة إلى تسعة أفراد ومعهم ضارب الدف، يجلسون على أريكة أو أكثر من حولهم المساند، ثم يأتي الكفافة ليقفوا صفا بالتوازي في مواجهة المطربين. ويرجع سبب هذه التسمية انهم يستخدمون كف اليد فقط في ضبط الايقاعات ويبدأ المغني الصلاة على النبي، ثم يتبعها بمواويل تصف أحوال بيئته وأحوال العاشقين، بعدها يشرع الكفافة في ارتجال خانة (جزء من موال مربع) وهم يصفقون، والتصفيقة تحدد سرعة الايقاع ويبدأ ضاربو الدف اللعب مع ايقاع التصفيقة، ويتمايلالكفافة في حركة واحدة متبعين قائد الصف وهو يكون أمهرهم في الرقص. ويؤكد ممدوح القاضي ان المركز يساهم في إعادة إحياء بعض الطقوس الشعبية المصرية القديمة مثل الزار، ولكن من منظور فني، حيث يستخدم بهدف العلاج بالموسيقى وليس من منظور الشعوذة والدجل الذي كان يعرف به. ويشير ان بعضأنواع الموسيقى الشعبية في مصر بدأت تندثر بسبب تراجع الجمهور عنها وتغيير الأجيال، واتجاه الشباب إلى الأغاني الغربية،موسيقى الزار مثلاً تنقسم إلى 3 أنواع ، الزار المصري والسوداني وزار ابو الغيط، الزار المصري كل من يقدمه أو يشارك فيه سيدات، وقام المركز بتجميعهم في فرقة واحدةتحت اسم «أسياد الزار».أما زار ابو الغيط تعرضه فرقة دراويش ابو الغيط التي تقدم مزج بين الزار والموسيقىالصوفية، والنوع الثالث تقدمه فرقة الزار السوداني. الزار نقدمه كنوع من الموسيقى الشعبية بعيدا عن الفكرة المرتبطة في ذهن الجميع باعتباره اعتقادا دينيا، هو فكرة العلاج بالموسيقى وليس موجودا فقط في الزار المصري ولكن في العالم كله، في ايطاليا مثلايوجد فن الترانتيلا وفي المغرب يوجد فن الجيناوا، وهناك أنواع من الموسيقى تندرج تحت هذا المنطلق مثلفن الميتال. ويضيف ان معظم الفرق شاركت في عدد من المهرجانات الدولية وحصدت الكثير من الجوائز في استراليا وهولندا والصين وحققت نجاحا في الخارج أكثر مما حققته في مصر. ويوضح ان في مصر مشكلة وهي نظرة المجتمع الدونيةإلى الفنون الشعبية والتراثية واعتبارها فنا ثالثا. الأجيال الجديدة تبحث عن تعلم الآلات الغربية أكثر من رغبتها في تعلم الفنون الشعبية وهذا يجعل تفاعل الجمهور المصري مع هذه الفنون ضعيفا لا يوجد اهتمام شعبي أو حكومي لاقامة مهرجان للفنون الشعبية، في مركز «المصطبة»أطلقنا العام الماضي مهرجان القاهرة الدولي الأول «ونس» للموسيقى الفولكلورية في ساقية الصاوي والذي اقيم برعاية منظمة اليونيسكو،بمشاركة عدد من الفرق المصرية والأجنبية والعربية وهذا العام نستعد لاطلاق الدورة الثانية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل بمشاركة أوسع من العام الماضي. هذا العام تشارك فرقة من المغرب وفلسطين وليبيا وتقدم كل فرقة الفن الشعبي الخاص بدولتها، وسيقام المهرجان هذا العام في قاعة الجامعة الأمريكيةفي القاهرة. ويختم ان دولة المغرب تعد من أكثر البلاد التي تهتم بالفنون الشعبية، حيث يوجد فيهاعدد من مهرجانات الفنون الشعبية التي تستخدم عددا من الآلات المغربية التراثية، وتعد مهرجانات المغرب للفنون التراثية من أكبر الفعاليات الفنية التي تحافظ على انتشار فنون الفولكلور في الوطن العربي، ويمكننا أيضا في مصر الحفاظ على تراثنا عبر ممارسة هذه الفنون ودعمها فهي تعبر عن هويتنا ولكن جمهور الفن الشعبي في مصر قليل، والفرق تحتاج دوماً إلى الدعم من أجل الاستمرار. الفن الشعبي من مصر، يعاني من عدم اهتمام الدولة به بالإضافة إلى ان الجمهور خاصة الشباب يطمح لممارسة الفن الغربي ويرى الفن الشعبي نوعا متخلفا ومتأخرامن الفنون، بالإضافة إلىانحصار نظرة الجمهور للفولكلور في الفرق المعروفة مثل فرقة رضا وغيرها، النظرة إلى هذا النوع مستهلكة ونمطية وقد تؤدي لاندثاره مع الوقت رغم محاولاتنا المستمرة لانعاشة، لكنها تظل جهودا فردية نأمل أن لا تتبدد مع الوقت.