الحصر العددى فى دائرة حدائق القبة يكشف تقدم المرشح سعيد الوسيمى ب7192 صوتًا    أسامة كمال: صفقة الغاز مع إسرائيل ربحانة جدا.. ومكسب مصر 30 مليار دولار    هشام إدريس: تنوع المنتج كلمة السر في قوة السياحة المصرية    آخر تطورات سعر الذهب اليوم الخميس 18-12-2025 فى مصر    ترامب يزعم لقائه مع نتنياهو على الأرجح فى فلوريدا    جمال سلامى يعلن حصوله على الجنسية الأردنية بعد وصافة كأس العرب    هيئة الأرصاد: استقرار جوي نهاراً وتحذيرات من برودة شديدة ليلاً والصباح الباكر    الداخلية تكشف تفاصيل واقعة إلقاء مادة حارقة على 3 طلاب بالقليوبية    الداخلية تضبط شخصين لتوجيه الناخبين في المحلة    رئيس شركة لتربية الحيوانات: الإبادة الجماعية للكلاب الضالة ليست حلا لمشكلتها    لوسى ل اليوم السابع: أنا بخير وفى بيتى وتعرضى لأزمة صحية غير صحيح    هل يرى المستخير رؤيا بعد صلاة الاستخارة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل عليَّ إثم لو لم أتزوج؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم    تفتيش أمنى وبيئى لمطار الأقصر ومواقع البالون الطائر بالبر الغربى    جمال رائف: صفقة الغاز مع إسرائيل رابحة لمصر ولا تمثل أي ورقة ضغط سياسية    خبير اقتصادي: توقعات بارتفاع أسعار الذهب والفضة في 2026    سنن يوم الجمعة: آداب وأعمال مستحبة في خير أيام الأسبوع    الخارجية الروسية: تطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن ليس بالأمر السهل    7 أصناف من الأطعمة مفيدة لمرضى الأنيميا والدوخة المستمرة    الدفاع المدني بغزة يحمّل المنظمات الدولية والاحتلال مسؤولية ضحايا مخلفات الذخائر    مجمع الفنون والثقافة يحتضن فعاليات مسرح المنوعات بجامعة العاصمة    جامعة حلوان التكنولوجية الدولية تنظم زيارة للمعرض الدولي السابع للأقمشة    ضياء رشوان: لا يوجد أي نوع من الترتيبات أو الاتصالات بشأن عقد لقاء بين الرئيس السيسي ونتنياهو    سوريا تتوج بجائزة اللعب النظيف في كأس العرب    نقيب المهندسين ومحافظ الأقصر يشهدان توقيع بروتوكول مشترك    الجيزة: غلق جزئي بمحور أحمد عرابي أعلى محور الفريق كمال عامر غدا الجمعة    وفد الأهلي يسافر ألمانيا لبحث التعاون مع نادي لايبزيج    المخرج أحمد رشوان يناشد وزارة الثقافة المغربية التحقيق في أزمة تنظيمية بمهرجان وجدة السينمائي    الأهلي يرفض بيع عمر الساعي ويقرر تقييمه بعد الإعارة    نازك أبو زيد: الفاشر وكادوقلي والدلنج على شفا المجاعة بسبب الحصار    أراضى المانع القطرية بالسخنة «حق انتفاع»    نازك أبو زيد: استهداف الكوادر الصحية والمستشفيات مستمر منذ اندلاع الحرب في السودان    تقرير: برشلونة لم يتوصل لاتفاق لضم حمزة عبد الكريم    نازك أبو زيد: الدعم السريع اعتقلت أطباء وطلبت فدية مقابل الإفراج عن بعضهم    إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء شهداء ومصابي العمليات الحربية والإرهابية    أسرة الراحلة نيفين مندور تقصر تلقى واجب العزاء على المقابر    الداخلية: ضبط 119469 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة على مستوى الجمهورية    الصحة اللبنانية: 4 جرحى فى الغارة على الطيبة قضاء مرجعيون    قطر تستضيف مباراة إسبانيا والأرجنتين فى بطولة فيناليسيما 2026    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    قصور الثقافة تنظم زيارة للأطفال ذوي الهمم إلى متحف دار الأوبرا المصرية    بتكلفة 10.5 مليون جنيه، افتتاح 5 مساجد بمراكز إهناسيا والفشن وبني سويف    فوز مصر بجائزتي الطبيب العربي والعمل المميز في التمريض والقبالة من مجلس وزراء الصحة العرب    ضبط عامل بالدقهلية لتوزيعه أموالًا على الناخبين    الترويج لممارسة الدعارة.. التحقيق مع سيدة في الشروق    هل تتازل مصر عن أرص السخنة لصالح قطر؟.. بيان توضيحي هام    الخارجية: عام استثنائي من النجاحات الانتخابية الدولية للدبلوماسية المصرية    نبيل دونجا يخوض المرحلة الأخيرة من برنامجه التأهيلي في الزمالك    ضبط شخص ظهر في فيديو داخل أحد السرادقات بالمعصرة وبحوزته جهاز لاب توب وسط حشود من المواطنين.    جلوب سوكر - خروج صلاح من القائمة النهائية لجائزتي أفضل مهاجم ولاعب    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    تخصيص قطع أراضي لإقامة مدارس ومباني تعليمية في 6 محافظات    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    د. حمدي السطوحي: «المتحف» يؤكد احترام الدولة لتراثها الديني والثقافي    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    غياب الزعيم.. نجوم الفن في عزاء شقيقة عادل إمام| صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشخصية في الرواية .. إنها أكثر من مجرد كائن من ورق!
نشر في نقطة ضوء يوم 30 - 06 - 2013

يعتبر ترجمة كتاب " أثر الشخصية في الرواية " للناقد الفرنسي فانسون جوف، الصادر عن دار التكوين، دمشق، 2012 امتدادا للمنجز النقدي والترجمي للناقد والمترجم لحسن احمامة الذي دأب لما يقارب ثلاثة عقود على إغناء المكتبة العربية بكتب نوعية فارقة، نقدا وترجمة.
وما دمنا بصدد عمله المترجم الحديث العهد نذكِّر بداية بعناوين النصوص الترجمية:التخييل القصصي:الشعرية المعاصرة لريمون شلوميت كنعان، اللسانيات والرواية، روجر فاولر، شعرية الفضاء الروائي، جوزيف كيسنر، ما فوق البنيوية، ريتشرد هارلند، وشعرية الرواية، فانسون جوف، هذا فضلا عن تآليفه النقدية، من بينها:قراءة النص، بحث في شرط تذوق المحكي، القارئ وسياقات النص.وفيما يلي عرض موجز لترجمته المتصلة بكتاب ف.جوف:أثر الشخصية في الرواية.
لقد أتى على ‘الشخصية' حين من الدهر كانت فيه موضوعا للجدل من قبل الكتاب والنقاد والمنظرين على السواء، فإذا كانت قد وردت غفلا في الدراسات النظرية القديمة، أو اعتبرت عنصرا مؤثتا للحكي، فحسب، هذا لأنها مفهوم واسع جدا قد يشمل الأفكار وعناصر الديكور وليس فقط كائنات حية تضطلع بدور مهم في الحكايات.وقد وصلت الدراسات في علم السرديات إلى اعتبار الشخصية بصفتها كيانا وظيفيا، خيطا يصل الحكي كما عند الشكلانية الروسية (بروب، شكلوفسكي)، بل أكدت الأبحاث اللاحقة لدى الدارسين على أهميتها، شأن المدرسة البنيوية الفرنسية بالتحديد، التي ذهبت إلى أن الشخصية ليست سوى ‘كائن من ورق ‘ وذلك بغية ضرب الوهم الروائي، كما عند بارت وغريماس، وهامون فيما بعد (التصور المحايث)، وإن انتهى المطاف بالبنيويين الفرنسيين إلى الإقرار بكون وجود هذا الوهم ضروريا لاشتغال الحكي، وبأن الشخصيات وإن كانت لا تتمتع بوجود فعلي، فإنها تمثل مع ذلك أشخاصا (من خلال مفهوم أثر الواقعي). والحالة هذه أن الشخصية مثلت دائما موضوعا للتحليل وفقا لمعارف القارئ، وعلى الأخص فيما يتعلق بالشخصية التاريخية.إن ما نعرفه عنها يؤثر في قراءتنا. فأثر الواقعي من إنشاء النص، لأن الشخصية تعد تشييدا، إنها محددَّة، وليست مستقلة. في الإبداع الأدبي والحلم اليقظ، يقول فرويد :' [...] إن المخلوقات الخيالية تكون محدَّدة بصرامة'.
ويوجه فانسون جوف تساؤله نحو تلقي الشخصية من قِبل القارئ مستلهما ومطورا انجازات جماليات التلقي وبخاصة كما يمارسها ويفهمها وولفغانغ آيزر: ماذا تمثل الشخصية بالنسبة للقارئ؟ إذ يستعير منه الباحث الفرنسي لفظة ‘المحور الجمالي' للإشارة إلى تلقي الشخصية من طرف القارئ، فهذا الأخير هو من يمنح للشخصية معناها.وبالتالي لم يعد من الكافي اعتبار الشخصية ذلك ال'كائن من ورق' المجبر على القيام بدور سردي، إذ ينبغي كذلك التساؤل عن الطريقة التي بها يفهمها القارئ ويمنحها الحياة. وبالتالي فإن تلقي الشخصية يصير مرتهنا من جهة بتجربة القارئ الذاتية ومن جهة أخرى بالتمثلات المشتركة (المقصود بها الثوابت السيكولوجية المشتركة بين الجميع). كما يبين ف.جوف أن القراءة تتأثر بطريقة تمثيل الشخصية في العمل الروائي.
وقد تساءل بعض الباحثين أمثال آيزر عن مشكلة ‘القارئ الضمني'، أي القارئ النموذج (‘القارئ الافتراضي ‘) الذي ينبغي تمييزه عن القارئ الواقعي، حيث أن هذا الأخير قد لا يقبل تقمص وضع القارئ النموذج.إلا أن ردة فعل القارئ الواقعي تظل محددة من قبل موقف القارئ الافتراضي (مجموع ردود أفعال القارئ المفترضة إزاء العمل) حيث أظهرت الدراسات وجود متغيرات: وكيفما كانت الحقبة التاريخية، فقد رصد الباحثون ثوابت سيكولوجية لدى القراء.
ويقصد ف.جوف ب ‘أثر الشخصية' مجموع العلاقات التي تربط القارئ بالممثلين في الحكاية.وضمن هذا السياق ينظر إلى الشخصية، ابتداء، بصفتها نتاج لتشارك بين القارئ والنص. فالقارئ يستند إلى معارفه الذاتية (استنباطاته) لتمثُّل شخصية الحكاية، إنه يملأ ‘البياضات'، أي فضاءات اللاتحديد التي تترك للقارئ نوعا من حرية التأويل (وهذا رأي آيزر). وبالتالي، فإن القارئ يعطي لمجموع العمل انسجاما، ويتصرف إذن بصفته ‘وعي شامل'، خاصة بالنسبة للشخصيات.وهكذا، فإن وصف الشخصية داخل النص لا يمكنه أن يكون جامعا، لذا فإن القارئ يرسم عنها صورة ذهنية من خلال ملء فراغات النص. وكلما تقدم في قراءته، يكون في مستطاع القارئ تغيير تصوره عن هذه الشخصية أو تلك. ويتم استدعاء القارئ على مستويين: المستوى الفكري والمستوى العاطفي.إذ حسب ج.ب.كيلباتريك، تستند الصور الذهنية إلى تجربة القارئ، بل تكون مشروطة بها. عندها تتطلب الشخصيات مناهج خارج نصية وأخرى تناصية.بينما يبرز آيزر أن تمثلات القارئ الأولية تتحول على طول عملية القراءة وفق المؤشرات التي يقدمها المؤلف (عبر سيرورة الاسترجاع)، ونتيجة لذلك لا تكون للقارئ حرية التأويل الكاملة، إذ يستطيع مؤلف محكي معين أن يتيح التواصل بين القارئ والشخصية عبر اختيار السرد بضمير المتكلم، وتصير الشخصية تبعا لذلك ‘السند المفضل للتماهي'، إلا أن هذا التماهي لا يجب أن يكون تماهيا أعمى، حيث إن الشخصيات كائنات مركبة فيها نصيب من الواقع والخلق في الوقت معا.وفي كل ذلك يستنجد القارئ بذاكرته (بما هي خزان للمعرفة العامة، والمعرفة الأدبية على نحو خاص).
ونتيجة لذلك تبدو وضعية القارئ وضعية ثلاثية في حقيقة الأمر:إنه مقرئ lectant ( إذ هنا يفهم القارئ الشخصية في علاقتها بالمؤلف) و مقترئ lisant (هنا يفهم القارئ الشخصية لذاتها)، وهو منقرئ lu (هنا ينظر إليها القارئ عبر مشاهد استيهامية). وينتج عن هذه الوضعية ثلاث أنماط للقراءة:الأثر الشخصي leffet personnel وأثناءه يتم ضبط الشخصية كبيدق سردي يقصد منه توقع الحركات على رقعة شطرنج النص، ثم الأثر الشخص، leffet-personne، حيث يشكل تلقي الشخصية بصفتها شخصا، سواء كان متواصلا أم لا، معطى لا محيد عنه في القراءة الروائية، وأخيرا الأثر الذريعة، leffet-pr'texte وفيه يتم الاستناد إلى استثمارات لا شعورية من جانب القارئ، في وضعيته كمنقرئ، حيث لا تكون الشخصية دمية ولا شخصا، وإنما هي سند يسمح للرغبات التي تكبتها الحياة الاجتماعية بأن تعيش تخييليا، إذ لا يكون تلقي الشخصية بصفتها ذريعة ممكنا إلا بواسطة رفع الكف inhibition، فالتصريف المباح للاندفاعات اللاشعورية يستلزم أن تكون بعض الشروط موحدة.ويبدو في المجال الأدبي أن رقابة الكبت يتعين أن تبطُل بفضل عذرين اثنين:العذر الفني، والعذر الثقافي.
وتبعا لهذه الوضعية الثلاثية المركبة نكون إزاء ثلاثة أنماط من الاستراتيجيات التي يستعملها المؤلف وهي على التوالي: الإقناع، والإغراء، والإغواء.تقوم استراتيجية الإقناع على ما يدعوه غريماس ب'التمويه المتذوت ‘ camouflage subjectivant، بينما يقوم الإغواء على ‘التمويه الموضع′، إذ بتأسيسه على أثر الشخص، يعرض الإغواء الشخصيات بصفتها شخصيات حقيقية، وتكمن هذه الاستراتيجية جوهريا في استغلال ما يثير الشفقة. في حين تشكل الشخصية الذريعة سندا لإغراء القارئ، وهو إغراء اللقاء أو استعادة العلاقة مع أنا ماضوية ومجهولة.إضافة إلى ذلك، يتغير نشاط القارئ حسب نوع الشخصية، إذ حينما يتعلق الأمر بشخصية ‘متعارف عليها ‘(نموذج من الشخصيات معروف، مثلا). فإن القارئ يهب للشخصية أفكاره الذاتية، وحينما يتعلق الأمر بشخصية أصلية ‘فريدة من نوعها' (من خلق مؤلف ما وبالتالي غير معروفة من قبْل لدى القارئ، نكون إزاء السيرورة المعكوسة: إذ يقوم القارئ بدمج أفكار الشخصية.
ويكمن الخطر في القراءة الساذجة التي قد تقود إلى نكوص الفرد.ويتمثل خطر استراتيجية الإقناع، التي تؤدي إلى قراءة تنبني على الأثر الشخصي، في الخضوع الفكري: إذ يعجز القارئ عن إعادة تحديد نفسه وبالتالي لا يكتسب شيئا.ويتجلى خطر استراتيجية الإغراء (أثر الشخص) في فقدان المسافة الفاصلة عن الشخصية إلى حد أن يتناسى القارئ شخصيته personnalit' ويتمثل خطر استراتيجية الإغواء (الأثر الذريعة) في عيش أحداث صادمة والعجز عن التخلص منها.
لكن تستطيع القراءة أن تكون تجربة مفيدة (فائدة فكرية، عاطفية، مع إمكانية التخلص من بعض الصدمات). ومن هذا المنظور نستطيع تشبيه القراءة ب'رحلة مسارَّة'. حينها تمثل الشخصية الآخر، الذي يتيح اللقاء معه التقدم.وبالفعل، فإن آيزر يقول: ‘إن القراءة ليست ترفيها بل إنها تساهم في بناء الشخصية'. فإذا كان القارئ يدخل مرجعيات خارج نصية في العمل الروائي، فإن لعناصر الكتاب من جانبها تأثيرات على الرؤية التي لدى القارئ عن العالم الخارجي. فللعلاقة بالشخصيات امتدادات في حياة القارئ اليومية، الواقعية، حيث يؤكد ف. جوف على مقولة الثقة التي تنبني بين القارئ والمنجز الروائي.بيد أن عمل الذاكرة يغدو ذا فاعلية أكبر حينما تتأسس هذه العلاقة. عندها يستند القارئ إلى تجربة الشخصيات التي نسج معها تواصلا فعليا لإغناء تجربته الشخصية. وفي هذا، فإن ‘القراءة بصفتها تجربة تساهم في تعلم فن العيش و تتيح للمرء أن يعيد اكتشاف ذاته .'
وإذا كان كتاب فانسون جوف قد جاء لتجاوز الانحراف والانحباس اللذين عرفتهما مقاربة الشخصية في الدرس النقدي الحديث، بصفتها مكونا أساسيا في العمل الروائي، فإنه صنع ذلك بفضل توسيع مجال النظر وعدم التخندق في عقيدة نظرية واحدة، وإنما لأنه استند إلى موروثات نظرية غنية ومتعددة، حيث نهل من التحليل النفسي للأدب، ومن علم السرد في صيغته السيميائية مع مدرسة باريس (بارت، غريماس، راستيي) وفليب هامون، وكذلك باعتماده منجزات جمالية التلقي كما عمل بها كل من ياوس وآيزر، على أن الفرشة النظرية التي يصرح جوف بالاستناد إليها هي الجمالية الظاهراتية، التي تنظر إلى العمل الأدبي من زاوية التعالق الذي يجمع فعاليات كل من المؤلف والشخصية والقارئ، وما ينجم عن هذه العلاقة التفاعلية من تجاذبات هي أساس تلقي الإبداع اللفظي، في أبعاده الفنية، الجمالية والثقافية.
إن كل عرض لكتاب فانسون جوف هذا، لا يمكن أن يدعي الشمولية وذلك لكونه عملا نقديا يتسم ببناء نسقي صارم، و جهاز مفاهيمي دقيق ينصب نصوص تطبيقية لا بد من العودة إليها مرارا وتكرارا حتى سلمك قياده، هذا وإن المترجم لا يقل عن الكاتب من حيث اتخاذ الاحتياطات العلمية اللازمة عند التصدي لمثل هذه الكتب، إذ إن روح النسقية بادية على امتداد العمل كله من خلال توحيد المصطلح، إذ لا تضارب أو جمع بين المرادفات للمفهوم الواحد، كما ان هذه الملاءمة تجلت أيضا في السعي والنجاح في توليد مصطلحات عربية لا تنفر قارئ النص العربي، وهو جهد يظهر الصرامة التي تعامل بها الأستاذ احمامة في نحت مصطلحات تدور في نفس الحقل وخير مثال على ذلك، ألفاظ سوف تصبح بالتأكيد متداولة في اللسان العربي من قبيل: المقرئ، المقترئ، والمنقرئ، أو المعرفة بفن الفعل، بفن القول، فن العيش، فن الاستمتاع على سبيل المثال لا الحصر، وبالصرامة ذاتها تعامل مع مفاهيم ارتأى أن يتركها كما هي مثل : هرمنطيقا، سيكولوجيا، أو يوردها في صورتها اللاتينية مثل Exotopie، وهذا مفهوم مؤسس عند ميخائيل باختين، ترجمته شخصيا بالتموضع الخارجي. وهو في كل الأحوال يظهر عن الاشتغال وفق ضوابط الأمانة العلمية التي هي جوهر العملية الترجمية الرصينة، أي الترجمة بصفتها فعلا ثقافيا حضاريا هدفه تحقيق التقارب وفهم الآخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.