من أي العصور الحجرية استخرجت جماعة الإخوان هذا الرجل. وقد حاولت طويلا معرفة أي المناطق الجيولوجية تم التنقيب بين حفائرها حتى تم العثور على هذا الكائن واستخراجه سليما ولم تنقص منه أية قشرة. إنها براعة نادرة أن تحرز الجماعة هذا الإنجاز لأن التنقيب في الحقيقة ليس مهمة سهلة، وخاصة عندما يخلص علماء الحفريات إلى هذه الدرجة، ويكفي النظر إلى الاكتشاف وهو في الصور وفي المعرض الزجاجي. لقد استطاعت الجماعة تقديم نموذج مثالي قادر على حمل أمانة التعبير عنها بمنتهى الدقة والوضوح، وهو دون أية مزايدة أو مبالغة خير من يمثلها وليس عليها إلا أن تبحث عن وسيلة نسخ علمية لنشره في العالم حتى يعم الظلام كافة بقاع الدنيا. لقد أكدت الجماعة في الوقت نفسه صواب نظرية دارون فيما يخص الانتخاب الطبيعي، لأن الرجل يعد هو التطور الطبيعي للإنسان الإخواني البدائي (كائن تم خلقه بشكل مستقل خارج المسيرة الإنسانية العادية). وإذا كان البعض يتذكر جوبلز وزير الثقافة والإعلام الهتلري الألماني كلما رأى الوزير الأحفوري، فإنه يسيء إلى جوبلز دون أن يقصد لأن جوبلز الألماني كان طيبا ومتواضعا يعرف حدوده وحجمه، فأقصي ما قال بما هدد سمعته: كلما سمعت كلمة "ثقافة" تلمست مسدسي (لم أقل كلمته "تحسست" تجنبا لشبهة التحرش). أما الوزير الأحفوري فلا يقول ما قاله الألماني ولا يتجاوزه، ولكنه رجل فعل، إنه يقتل اللوحات البديعة والأنغام الجميلة والإبداع الأدبي الفاتن والأشعار المحلقة والقيادات المخلصة والرقص الملهم والمباني الشامخة والسينما القائدة والمسرح أبو الفنون وكل صور التنوير والجمال والتحضر. يستخدم الطريقة الأميركية في القتل، فمعروف أن الأميركى إذا أراد أن يقتل بعوضة أطلق عليها عشرات القنابل ودانات المدفعية الثقيلة ثم أحرقها وألقى الباقي منها في الشلال، وربما يختلف الوزير عن الأميركي في القتل إذ قال: كل قرار أصدره نابع من دراسة!! لذلك أدعو المثقفين الذين يستفزهم جوبلز المصري أن يطامنوا من غلوائهم لأنه بأفعاله يصب ككل أفعال جماعته في نهر المهانة والازدراء الذي تتمتع به مصر الآن عالميا حتى أصبحت محل سخرية القاصي والداني، وصارت على رأس قائمة الدول الضارة بالوجود الحضاري للإنسانية التي ألقاها العالم أو أوشك خارج التاريخ بسبب التصرفات الطالبانية المتخلفة، وهو مثل جماعته باحثين عن الشهرة حتى لو كانت بالفضائح، وعليكم أن تأسفوا فقط لأن الإنسان الإخواني البدائي عاد إلى الوجود بعد آلاف السنين دون أن يتطور إلا في المسائل الشكلية. البدلة والسيارة والأموال، وعشق الظلام والنساء والسب والقذف والفضائيات. قلنا عشرات المرات إن جماعة الإخوان المتأسلمين لديهم اعتقاد راسخ يصدر عنهم بقصد وغير قصد، بالوعى وبغير الوعى يقضى برفض الاختلاف، أيا كان نوعه وأثره ومصدره، كما لا يسمح بقبول أي شكل من أشكال الديمقراطية وقبول الآخر والتسامح. والجماعة حريصة على تأكيد ذلك كل يوم وكل ساعة، وأحدث تجلياتها الحمقاء ظهرت على يد ولسان وزير الثقافة الجديد الذي تتجلى قدراته الديكتاتورية العمياء في العديد من القرارات، ومنها قراره الثاني بإقالة الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة الكتاب، ليس لخطأ وقع فيه أو لخسارة فادحة تسبب فيها أو لتوقف العمل بالهيئة لشهور، ولكن لأن الرجل أبدى عدم اقتناعه بالقرار الديكتاتوري الإخواني رقم واحد بعد حلفه اليمين مباشرة بتغيير اسم مكتبة الأسرة ذي السنوات العشرين، وبعد نجاح غير مسبوق فى خدمة الثقافة المصرية بأن يصبح اسمها مكتبة الثورة المصرية، ذلك القرار الذي يمثل قمة النفاق الفج معتقدا من فرط السذاجة أن هذا القرار ربما يحقق له جماهيرية عند رجل الشارع المؤيد للثورة، أما قراره بعزل الناشط الثقافي الذي طور هيئة الكتاب وجدد إخراج الكتاب، بعد أن كان رديئا وعاجزا لسنوات طويلة عن المنافسة في سوق الكتاب المصري والعربي، فيأتي لأن الدكتور مجاهد يرفض الوصاية ويرفض القهر كما لا يذعن لفرض الآراء دون دراسة أو مشورة أو قراءة المشهد واستبيان رؤى الأطراف الفاعلة فيه. وأعقب ذلك إقالة د. صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية، وكذلك د. عبدالناصر حسن رئيس هيئة دار الكتب، ثم أقال الدكتورة إيناس عبدالدايم رئيس دار الأوبرا، واضطر الدكتور سعيد توفيق أمين عام المجلس الأعلى للثقافة إلى الاستقالة بعد أن رأى الفوضي التي توشك على هدم المعبد، ورفع جوبلز المصري قضية ضد د. سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون، وصرح رأس الحربة الإخواني بأن إقالات كثيرة قادمة. وإذا مددنا الخط على استقامته فإن هذا يعني بدء مشروع لمذبحة كبيرة للثقافة المصرية وهي درة التاج على جبين التاريخ المصري، وهي صانعة المكانة المميزة للشعب المصري على مدى آلاف السنين، استيقظوا إذن أيها المثقفون، وأفيقوا أيها المفكرون والفنانون والأدباء، فقد أوشكت الحرب الحقيقية على الاندلاع بل اندلعت بالفعل، وها هو الطوفان بدأ وما كنتم تخشونه قد حدث، فاخرجوا من أبراجكم العاجية وجابهوا البرابرة بكل حزم وحدة ووضوح، ولا تأخذنكم الغفلة، وها هو مجلس الشورى الموقر قرر إلغاء فن الباليه وغدا سيوقف فن الأوبرا ولا بد أنه سيحطم الأصنام المتمثلة في المنحوتات والتماثيل الرائعة ويصادر الكتب التي لا تمجد الإخوان. فالموقف الذي يحاصر الجميع الآن ليس موقفا عارضا ولا هو مجرد حماسة من الغربال الجديد، ولكنها قناعة وسياسة مبيتة من قديم، وتربص ملؤه الحقد والضغينة إزاء كل فن ينطلق من الحرية، وكل فكر يبحث عن المصير والعقل والوجود الحق وكل أدب يكشف المسكوت عنه ويعبر عن الأحوال المخفية وراء الأستار، وتحت الأرضين اليوم فقط بدأت الحرب بثقة، وعزم فقفوا وقفة واحدة واصطفوا في صفوف متماسكة، وقولوا بلسان واحد وبليغ: لا لكل تدخل سافر ممن لا يؤمنون بحرية التعبير، ولا لكل من يتعامل مع الثقافة من منظور الهيمنة والأخونة والاستحواذ، ولا لكل سلطة لا تعرف إلا الاستبداد والطغيان وترفض الحوار ونطلق من جهل مدقع لتحدد أجندة العمل في مجالات أرفع بكثير مما يمكن أن تصل إليها أفهامهم إلا الثقافة. يا سادة.. مصر بدون فن وأدب وفكر وإبداع لا وجود لها.. مصر التي مهدت القواعد لحضارة العالم وأسست الضمير الذي يغذيه الفن والأدب وعلمت الدنيا كيف يكون الإحساس بالجمال والتعامل مع الطبيعة ومع الرسالات جميعها في إطار التحضر والوعي والحرية يجب ألا تخضع للبرابرة، واعلموا - وأنتم لا شك تعلمون - أن لا أحدَ سيدافع عن قضاياكم بدلا منكم، ولن ينوب عنكم في مواجهتهم كما أن التاريخ سوف يترقب بكل دقة موقفكم من هذا الهجوم الضاري، وهذه الحملة المشبوهة ليتأكد من مصداقيتكم وإيمانكم بجدوى دفاعكم عن وجودكم الحقيقي المتمثل في غذاء الأرواح والعقول. وجودكم الذي يصنع الحضارة والأمل والأفكار القادرة على إلهام الأوطان الحية كي تبحث عن ذواتها وتقاوم.. البرابرة.