فيفا يعلن مواعيد مباريات ومشوار بيراميدز في كأس الإنتركونتننتال    أول تحرك حكومي بشأن حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية الذي أسفر عن مصرع 19 عاملًا وإصابة 3    ترامب يرفض دعوة حضور حفل زفاف جيف بيزوس.. "وول ستريت" تكشف السبب    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث انقلاب سيارة بالوادي الجديد    فيديو يقود مباحث دار السلام لضبط "ديلر الاستروكس"    تعرف على موعد وفضل صيام يوم عاشوراء    الإثنين المقبل.. المحطة الأخيرة لقانون الإيجار القديم قبل إقراره تحت قبة البرلمان    بحضور النقيب.. افتتاح مصيف المهندسين بالمعمورة بعد تطويره في الإسكندرية    مقتل العالم النووي الإيراني سليمان سليماني جراء الهجمات الإسرائيلية    ثنائي الأهلي يزين التشكيل الأفريقى المثالى لمرحلة المجموعات فى مونديال الأندية    استئناف الرحلات الجوية بين روسيا وإيران بعد تعليقها لمدة أسبوعين    محافظ كفرالشيخ: انطلاق قافلة دعوية كبرى من مسجد الضبعة بالرياض    قبل أن يتم عامه ال25.. هالاند يدخل نادي ال300 هدف    في أول جمعة من العام الهجري الجديد.. افتتاح مسجد "آل يعقوب" بقرية سفلاق بسوهاج    "القومي للطفولة" يحبط زواج طفلة 14 عاما بمحافظة قنا    الرقابة المالية تستعرض تجربتها الرائدة في إطلاق أول سوق كربون طوعي مراقب ومنظم أمام وفد ليبي يضم جهات حكومية    مصرع شابين وإصابة آخر في حادث مروري بقنا    مجلس الوزراء يكشف حقيقة اعتزام الدولة خصخصة الجامعات الحكومية    الإثنين المقبل.. انطلاق فعاليات معرض الفيوم للكتاب    بصحبة شقيقتها.. ملك زاهر تحتفل بعيد ميلادها وهذا ما قالته (صور)    "البترول": نجاح أعمال الحفر ببئر "ظهر 6" وإضافة 60 مليون قدم مكعب يوميًا إلى الإنتاج    خطيب المسجد النبوي: صوم التطوع في شهر المحرم أفضل الصيام بعد رمضان    صحة الغربية تحقق في واقعة تبدل جثتين في مشرحة مستشفى زفتي العام    قافلة طبية مجانية لجمعية رعاية مرضى الكبد عضو التحالف الوطنى فى الدواخلية بالغربية لخدمة أهالي القرية    «الصحة» تطلق حملة قومية للتبرع بالدم في جميع المحافظات    نجاح أول عملية تكميم معدة لطفلة بالمنظار بمستشفى جامعة أسيوط    الحكومة تحدد ضوابط العمرة الجديدة لعام 1447    الحكومة تنفي خصخصة الجامعات الحكومية وتؤكد: "مملوكة للدولة"    ضبط قضايا اتجار غير مشروع في النقد الأجنبي ب4 ملايين جنيه    الرئيس اللبناني يدين التصعيد الإسرائيلي على منطقتي النبطية وإقليم التفاح    انخفاض أسعار الذهب عالميًا ومحليًا وسط هدوء التوترات الجيوسياسية    إيرادات الخميس.. «المشروع x» يحافظ على صدارة شباك التذاكر    نيللي كريم عن «هابي بيرث داي»: فكرته لمست قلبي والسيناريو عميق    أسماء أبو اليزيد بعد مسلسل فات الميعاد: لو رأيت رجلا يعتدي على زوجته سأتمنى أن أضربه    حصيلة الانزلاق الأرضي في كولومبيا ترتفع إلى 16 قتيلا    محافظ الجيزة يعتمد المخططات التفصيلية لأحياء الدقى والعمرانية وبولاق الدكرور    مستوطنون يعتدون على منازل جنوب الخليل.. وإصابة فلسطينية في مسافر يطا    السيطرة على حريق نشب فى ثلاثة سيارات ملاكى بحى شرق أسيوط    بيع 10 محال تجارية وصيدلية فى مزاد علنى وحملة على المخالفات بمدينة بدر    طب عين شمس: توزيع المهام.. وإدارة غرف العمليات باتت جزءًا من تقييم الأطباء    المراجعات النهائية للغة الإنجليزية الثانوية العامة 2025    أسعار اللحوم البلدية اليوم الجمعة 27-6-2025 فى الإسماعيلية    خطيب الأقصى: ظهور نتنياهو في أنفاق المسجد تحد لإثبات السيادة ولن يكسبوا ذرة تراب منه    وسام أبو علي يقترب من الرحيل عن الأهلي مقابل عرض ضخم    محمد شريف ينتظر 48 ساعة لحسم مصيره مع الأهلى.. والزمالك يترقب موقفه    عادل إمام يتصدر تريند "جوجل".. تفاصيل    كريم محمود عبدالعزيز يتصدر تريند جوجل بسبب مملكة الحرير    ياسر ريان: طريقة لعب ريبيرو لا تناسب أفشة.. وكريم الديبس يحتاج إلى فرصة    شروط التسجيل لاختبارات القدرات بالثانوية العامة 2025    "لازم واحد يمشي".. رضا عبدالعال يوجّه طلب خاص لإدارة الأهلى بشأن زيزو وتريزيجيه    حريق ضخم في منطقة استوديو أذربيجان فيلم السينمائي في باكو    يكسر رقم أبو تريكة.. سالم الدوسري هداف العرب في تاريخ كأس العالم للأندية (فيديو)    الورداني: النبي لم يهاجر هروبًا بل خرج لحماية قومه وحفظ السلم المجتمعي    ملف يلا كورة.. جلسة الخطيب وريبييرو.. فوز مرموش وربيعة.. وتجديد عقد رونالدو    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    الإيجار القديم والتصرف في أملاك الدولة، جدول أعمال مجلس النواب الأسبوع المقبل    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    حجاج عبد العظيم وضياء عبد الخالق في عزاء والد تامر عبد المنعم.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب روسي يكشف بعض الحقائق عن "دكتور جيفاغو"
نشر في نقطة ضوء يوم 07 - 06 - 2020

في مثل هذه الأيام قبل مئة وثلاثين عاماً وُلد الكاتب الروسي بوريس باسترناك، ليموت سوفياتياً بعد ذلك بسبعين عاماً، مخلّفاً بين أشعار وكتابات متنوعة أخرى، رواية طويلة واحدة لا شك أن في الإمكان اعتبارها الأشهر بين كل ما كُتب من أدب روائي في اللغة الروسية طوال القرن العشرين، حتى وإن لم تكن الرواية قد نُشِرت للمرة الأولى في موسكو بل في روما.
ولهذا حكاية سنعود إليها بعد سطور. أما هنا وفي عودة لا بد منها، إلى هذه الرواية، "دكتور جيفاغو"، وصاحبها لمناسبة ذكراه المزدوجة، نبدأ مما هو أكثر وضوحاً. من الرواية نفسها التي على الرغم مما سنحكيه عنها في السطور التالية ستبقى واحدة من أجمل روايات القرن الفائت، من دون أن ننسى أن فيلم ديفيد لين الذي اقتُبس عنها من بطولة عمر الشريف وجولي كريستي سيبقى من أجمل الأفلام. ناهيك بسمة أساسية للرواية تبدو منسية، وهي أنه لو أُجري استفتاءٌ بين أكبر عددٍ ممكن من نقّاد الأدب ومؤرخيه في أزمنتنا الحديثة عن أجمل رواية حب كُتِبت في كل الأزمان ستكون رواية "دكتور جيفاغو" بين الروايات العشر الأولى، بل ربما تحتل المركز الأول. وهو أمر يتناقض مع جوهر الحكاية التي نرويها هنا بالطبع!
رومانطيقية مثيرة للغضب
أجل، لا بد من القول من دون مبالغة إن "دكتور جيفاغو"، واحدة من أكبر روايات القرن العشرين. وكذلك يمكن القول إن الفيلم الساحر الذي اقتُبِس عنها فيلم كبير، مغرق كالرواية في رومانطيقيته، بخاصة من خلال إبداعه في نقل حكاية الحب التي أبدع تمثيلها في الفيلم نجمنا العربي عمر الشريف والفاتنة جولي كريستي. وأجل، أيضاً، يمكن تصوّر أن رفض باسترناك نيل جائزة نوبل للآداب التي مُنحت له بفضل هذه الرواية، كان يعتبر في موسكو على الأقل "موقفاً وطنياً شجاعاً"، ارتبط بواحدة من القضايا الأدبية الأكثر إثارة، طوال القرن العشرين. غير أن هذا كله لا يمنع أن وراء القضية والرواية، كان هناك ذلك الصراع الهائل الذي طبع الحرب الباردة أواسط ذلك القرن، وكان قطباه، ال"سي آي إي" من ناحية، وال"كا جي بي" من ناحية أخرى، أي جهاز الاستخبارات الأميركي في مقابل نظيره السوفياتي.
والحقيقة أن هذا البعد "الخفي" الذي يكمن في خلفية صدور "دكتور جيفاغو" كان معروفاً منذ زمن بعيد، لكن الأمر كان لا يزال في حاجة إلى ربط شامل وتوثيق ليلقي عليه مزيداً من الأضواء. تلك الأضواء التي تقول إن المسألة كلها لم تكن بريئة براءة نظرات الحب المتبادلة بين الدكتور جيفاغو نفسه وفاتنته لارا. والمعروف أن في الرواية جانبين أساسيين، تمثل حكاية الحب الرائع أحدهما، أما الجانب الآخر، الذي يشكل الخلفية كلها وأساس حكايتنا هنا، فإنما هو صورة الثورة الروسية كما قدمها باسترناك في الرواية. ونعرف أنها صورة بالغة السلبية، ولكن قوية الإقناع أيضاً، إلى درجة أن كُثراً يرون أن هذه الرواية قدمت المساهمة الأساسية في "تشويه" صورة الثورة البلشفية التي أدت إلى قيام الدولة الاشتراكية الكبرى، لا سيما بعد زهو الحرب العالمية الثانية. ثم بعد موت ستالين وسعي الحزب الشيوعي السوفياتي وسلطات موسكو إلى تحميله الآثام والمساوئ كلها. لقد أتت الرواية لتقول: لا، المسألة لم تبدأ مع ستالين، بل مع الثورة البلشفية نفسها. ومن هنا تبدأ الحكاية.
هل هي الحكاية كلها؟
حكايتنا هذه نظمها ووثقها، إذاً، كتاب صدر في موسكو ولكن بعد سقوط المنظومة الاشتراكية برمّتها، من تأليف إيفان تولستوي (لا علاقة له حسب علمنا بالكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي)، عنوانه "دكتور جيفاغو بين ال(سي آي إي) وال(كا جي بي)". والكتاب يروي الحكاية بادئاً بالتعريف ببوريس باسترناك بكونه ناقداً وشاعراً وروائياً كان معروفاً في الاتحاد السوفياتي منذ عشرينيات القرن الفائت. وباسترناك، ما إن رحل ستالين عام 1953، حتى أرسل إلى مجلة "نوفي مير" رواية ضخمة عنوانها "دكتور جيفاغو" (وهو لن يكتب غيرها) على أمل نشرها. كانت الرواية تروي، كما نعرف حكاية الثورة الروسية من خلال حياة ومغامرات طبيب مثقف هو جيفاغو نفسه. لم ترفض المجلة، ومن ورائها "السلطات الأدبية" المشرفة عليها، نشر الرواية. لكنها لم تنشرها! واستبد القلق بباسترناك. بعد ذلك بثلاث سنوات كان عضوٌ في الحزب الشيوعي الإيطالي يزور موسكو، فعرف بوجود الرواية وتمكّن من الحصول على نسخة من مخطوطتها، فأنبأ بالأمر صديقه الناشر الإيطالي الشاب فلترينيلي، الذي كان شيوعياً مشاكساً لا يتوقف عن البحث عن نصوص مثيرة لينشرها.
وعلى الفور أدرك الناشر أن بين يديه كنزاً أدبياً - وسياسياً - ثميناً. ومن هنا حين قررت "نوفي مير" في نهاية الأمر عدم نشر الرواية، اتصل فلترينيلي بباسترناك مقترحاً عليه نشرها في إيطاليا. وبالفعل، نشرت هناك بالروسية على الرغم من الضغوط التي مارسها الحزب الشيوعي الإيطالي على الناشر.
ويبدو أن الحزب الشيوعي الإيطالي كان يعرف عن الحكاية ما ظل كثرٌ يجهلونه: أي العون الذي قدمته منظمة أدبية عالمية تابعة ل"سي آي إي"، وممولة منها لنشر الرواية. وكانت هذه "منظمة حرية الثقافة"، التي روى كتاب بالإنجليزية عنوانه "من يدفع أجر الزمار" (صدر مترجماً إلى العربية قبل سنوات عن المشروع القومي للترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة في القاهرة)، حكايتها، مؤسسة أنشأتها الاستخبارات الأميركية لرفد الحرب الباردة بعناصر ثقافية، وأصدرت كتباً كثيرة كما أصدرت مجلات ثقافية في شتى اللغات ومنها مجلة "حوار" اللبنانية. والحقيقة أن فلترينيلي ما كان يمكنه أن ينشر رواية بالروسية في إيطاليا، من دون ذلك العون.
تواطؤ الأمم المتحدة
وعلى هذا النحو، وكما يؤكد كتاب إيفان تولستوي بالوثائق، تحوّلت القضية الأدبية إلى قضية سياسية. بل إن منظمة حرية الثقافة التي نتحدث عنها تولت تمويل ترجمة الرواية على الفور إلى أكثر من أربعين لغة. ثم، وهنا اتخذت القضية منحى آخر تماماً، أوعزت ال"سي آي إي" بترشيح باسترناك للحصول على جائزة نوبل الأدبية عام 1958، ضد ألبرتو مورافيا، ما فتح الباب واسعاً أمام الصحافة الإيطالية لفضح الحكاية كلها في ذلك الحين، لكن ما كتبته تلك الصحافة كان أقرب إلى التخمين حينها. أما اليوم، وبعد صدور كتاب إيفان تولستوي، فإن الحكاية باتت مختلفة إلى درجة أن صحيفة "آ بي سي" الإسبانية رجحت أن من عمل لحصول باسترناك على نوبل، كان داغ همرشولد، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، الذي كان في الوقت نفسه، حسب الصحيفة، "عميلاً ل"سي آي إي" وعضواً في لجنة نوبل.
المهم أن باسترناك فاز يومها بالجائزة العالمية، لكنه رفض تسلمها؟ فهل كان الرفض من تلقائه؟ أبداً... كان - بالتأكيد - تحت ضغط ال"كي جي بي"، التي كانت تجابه المساعي الاستخباراتية الأميركية لحظة بلحظة. فإذا كانت ال"سي آي إي" قد طبعت ألوف النسخ من الرواية لتوزعها مجاناً في معرض بروكسل عام 1958 تحت سمع الوفد السوفياتي وبصره، وإذا كان العالم قد سمع بعد ذلك بأيام بأن باسترناك فاز بجائزة نوبل، فإن العالم نفسه دهش حين علم على الفور، بعد ذلك أن باسترناك لن يكتفي بعدم التوجّه إلى ستوكهولم للحصول على الجائزة، بل سيرفضها أيضاً.
باسترناك مات بعد ذلك بفترة قصيرة، لكن الرواية عاشت من بعده، ثم عاشت على شكل فيلم سينمائي خالد، ولا يزال والرواية يعتبران عملين كبيرين حتى بعد زوال ال"كا جي بي" والحرب الباردة كلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.