بالصور والفيديو| الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى المبارك بمركز شباب بشتيل    بالصور.. شلالات البالونات ترسم البسمة على وجوه الأطفال في بورسعيد    محافظ القليوبية يوزع الورود ويلتقط الصور التذكارية مع المواطنين احتفالًا بعيد الأضحى.. صور    الألاف يصلون صلاة عيد الأضحى في مجمع أبو العباس بالإسكندرية    القنوات الناقلة لمباراة إنجلترا وصربيا في كأس أمم أوروبا يورو 2024    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل مباراة المقاولون العرب وطلائع الجيش    توافد آلاف المصلين على ساحة مسجد السلطان لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم على طريق بحيرة قارون السياحي بالفيوم    بالصور والفيديو.. توافد الآلاف من المصلين على مسجد خاتم المرسلين بالهرم لأداء صلاة العيد    عاجل - بث مباشر شعائر صلاة عيد الأضحى المبارك 2024 من مسجد السيدة زينب    بسبب صلاة العيد، زحام مروري بمصر الجديدة (فيديو)    بدء توافد مواطني الأقصر على ساحة أبو الحجاج لأداء صلاة عيد الأضحى (بث مباشر)    محمد رمضان يحقق 80 ألف مشاهدة بأغنية العيد "مفيش كده" في ساعات    الاحتلال يمنع الفلسطينيين من دخول المسجد الأقصى قبيل صلاة عيد الأضحى (فيديو)    الرئيس السيسي يشيد بحسن تنظيم السلطات السعودية لمناسك الحج    العليا للحج: جواز عدم المبيت في منى لكبار السن والمرضى دون فداء    الحجاج يرمون جمرة العقبة الكبرى فى مشعر منى    حماس: نتنياهو يراكم كل يوم العجز والفشل.. والحقائق تؤكد انهيار جيش الاحتلال    قوات الاحتلال تمنع مئات الفلسطينيين من الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الفجر    أنغام تحيي أضخم حفلات عيد الأضحى بالكويت وتوجه تهنئة للجمهور    محافظ جنوب سيناء يشارك مواطني مدينة الطور فرحتهم بليلة عيد الأضحى    ريهام سعيد: «أنا عملت عملية وعينيا باظت ومش محتاجة حد يصدقني» (فيديو)    لإنقاذ فرنسا، هولاند "يفاجئ" الرأي العام بترشحه للانتخابات البرلمانية في سابقة تاريخية    الجمعية المصرية للحساسية والمناعة: مرضى الربو الأكثر تأثرا بالاحترار العالمي    ريهام سعيد: محمد هنيدي تقدم للزواج مني لكن ماما رفضت    ننشر موعد صلاة عيد الأضحى المبارك لعام 1445ه‍    تعرف على سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    عيار 21 الآن وسعر الذهب اليوم في السعودية الاحد 16 يونيو 2024    متلازمة الصدمة السامة، ارتفاع مصابي بكتيريا آكلة اللحم في اليابان إلى 977 حالة    مع زيادة الطلب على الأضاحي.. تعرف على أسعار اللحوم اليوم الأحد    طقس أول أيام العيد.. أمطار وعواصف تضرب الوادي الجديد    دعاء لأمي المتوفاة في عيد الأضحى.. اللهم ارحم فقيدة قلبي وآنس وحشتها    موعد صلاة عيد الأضحى المبارك في القاهرة والمحافظات    93 دولة تدعم المحكمة الجنائية الدولية في مواجهة جرائم إسرائيل    «الغرف التجارية»: زيادة الاحتياطى يزيد من ثقة المستثمرين    «الموجة الحارة».. شوارع خالية من المارة وهروب جماعى ل«الشواطئ»    أثناء الدعاء.. وفاة سيدة من محافظة كفر الشيخ على صعيد جبل عرفات    مش هينفع أشتغل لراحة الأهلي فقط، عامر حسين يرد على انتقادات عدلي القيعي (فيديو)    استقبال تردد قناة السعودية لمشاهدة الحجاج على نايل سات وعرب سات    عاجل.. رد نهائي من زين الدين بلعيد يحسم جدل انتقاله للأهلي    «التعليم العالى»: تعزيز التعاون الأكاديمى والتكنولوجى مع الإمارات    تأسيس الشركات وصناديق استثمار خيرية.. تعرف علي أهداف عمل التحالف الوطني    دعاء النبي في عيد الأضحى مكتوب.. أفضل 10 أدعية مستجابة كان يرددها الأنبياء في صلاة العيد    غرامة 5 آلاف جنيه.. تعرف علي عقوبة بيع الأطعمة الغذائية بدون شهادة صحية    تشكيل غرفة عمليات.. بيان عاجل من "السياحة" بشأن الحج 2024 والسائحين    كرة سلة.. عبد الرحمن نادر على رأس قائمة مصر استعدادا للتصفيات المؤهلة لأولمبياد باريس    «المالية»: 20 مليون جنيه «فكة» لتلبية احتياجات المواطنين    إلغاء إجازات البيطريين وجاهزية 33 مجزر لاستقبال الأضاحي بالمجان في أسيوط    ملخص وأهداف مباراة إيطاليا ضد ألبانيا 2-1 في يورو 2024    خوفا من اندلاع حرب مع حزب الله.. «أوستن» يدعو «جالانت» لزيارة الولايات المتحدة    شيخ المنطقة الأزهرية بالغربية يترأس وفداً أزهرياً للعزاء في وكيل مطرانية طنطا| صور    عاجل.. عرض خليجي برقم لا يُصدق لضم إمام عاشور وهذا رد فعل الأهلي    عاجل.. الزمالك يحسم الجدل بشأن إمكانية رحيل حمزة المثلوثي إلى الترجي التونسي    تزامنا مع عيد الأضحى.. بهاء سلطان يطرح أغنية «تنزل فين»    للكشف والعلاج مجانا.. عيادة طبية متنقلة للتأمين الطبي بميدان الساعة في دمياط    حلو الكلام.. لم أعثر على صاحبْ!    بمناسبة العيد والعيدية.. أجواء احتفالية وطقوس روحانية بحي السيدة زينب    فحص 1374 مواطنا ضمن قافلة طبية بقرية جمصة غرب في دمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب روسي يكشف بعض الحقائق عن "دكتور جيفاغو"
نشر في صوت البلد يوم 07 - 06 - 2020

في مثل هذه الأيام قبل مئة وثلاثين عاماً وُلد الكاتب الروسي بوريس باسترناك، ليموت سوفياتياً بعد ذلك بسبعين عاماً، مخلّفاً بين أشعار وكتابات متنوعة أخرى، رواية طويلة واحدة لا شك أن في الإمكان اعتبارها الأشهر بين كل ما كُتب من أدب روائي في اللغة الروسية طوال القرن العشرين، حتى وإن لم تكن الرواية قد نُشِرت للمرة الأولى في موسكو بل في روما.
ولهذا حكاية سنعود إليها بعد سطور. أما هنا وفي عودة لا بد منها، إلى هذه الرواية، "دكتور جيفاغو"، وصاحبها لمناسبة ذكراه المزدوجة، نبدأ مما هو أكثر وضوحاً. من الرواية نفسها التي على الرغم مما سنحكيه عنها في السطور التالية ستبقى واحدة من أجمل روايات القرن الفائت، من دون أن ننسى أن فيلم ديفيد لين الذي اقتُبس عنها من بطولة عمر الشريف وجولي كريستي سيبقى من أجمل الأفلام. ناهيك بسمة أساسية للرواية تبدو منسية، وهي أنه لو أُجري استفتاءٌ بين أكبر عددٍ ممكن من نقّاد الأدب ومؤرخيه في أزمنتنا الحديثة عن أجمل رواية حب كُتِبت في كل الأزمان ستكون رواية "دكتور جيفاغو" بين الروايات العشر الأولى، بل ربما تحتل المركز الأول. وهو أمر يتناقض مع جوهر الحكاية التي نرويها هنا بالطبع!
رومانطيقية مثيرة للغضب
أجل، لا بد من القول من دون مبالغة إن "دكتور جيفاغو"، واحدة من أكبر روايات القرن العشرين. وكذلك يمكن القول إن الفيلم الساحر الذي اقتُبِس عنها فيلم كبير، مغرق كالرواية في رومانطيقيته، بخاصة من خلال إبداعه في نقل حكاية الحب التي أبدع تمثيلها في الفيلم نجمنا العربي عمر الشريف والفاتنة جولي كريستي. وأجل، أيضاً، يمكن تصوّر أن رفض باسترناك نيل جائزة نوبل للآداب التي مُنحت له بفضل هذه الرواية، كان يعتبر في موسكو على الأقل "موقفاً وطنياً شجاعاً"، ارتبط بواحدة من القضايا الأدبية الأكثر إثارة، طوال القرن العشرين. غير أن هذا كله لا يمنع أن وراء القضية والرواية، كان هناك ذلك الصراع الهائل الذي طبع الحرب الباردة أواسط ذلك القرن، وكان قطباه، ال"سي آي إي" من ناحية، وال"كا جي بي" من ناحية أخرى، أي جهاز الاستخبارات الأميركي في مقابل نظيره السوفياتي.
والحقيقة أن هذا البعد "الخفي" الذي يكمن في خلفية صدور "دكتور جيفاغو" كان معروفاً منذ زمن بعيد، لكن الأمر كان لا يزال في حاجة إلى ربط شامل وتوثيق ليلقي عليه مزيداً من الأضواء. تلك الأضواء التي تقول إن المسألة كلها لم تكن بريئة براءة نظرات الحب المتبادلة بين الدكتور جيفاغو نفسه وفاتنته لارا. والمعروف أن في الرواية جانبين أساسيين، تمثل حكاية الحب الرائع أحدهما، أما الجانب الآخر، الذي يشكل الخلفية كلها وأساس حكايتنا هنا، فإنما هو صورة الثورة الروسية كما قدمها باسترناك في الرواية. ونعرف أنها صورة بالغة السلبية، ولكن قوية الإقناع أيضاً، إلى درجة أن كُثراً يرون أن هذه الرواية قدمت المساهمة الأساسية في "تشويه" صورة الثورة البلشفية التي أدت إلى قيام الدولة الاشتراكية الكبرى، لا سيما بعد زهو الحرب العالمية الثانية. ثم بعد موت ستالين وسعي الحزب الشيوعي السوفياتي وسلطات موسكو إلى تحميله الآثام والمساوئ كلها. لقد أتت الرواية لتقول: لا، المسألة لم تبدأ مع ستالين، بل مع الثورة البلشفية نفسها. ومن هنا تبدأ الحكاية.
هل هي الحكاية كلها؟
حكايتنا هذه نظمها ووثقها، إذاً، كتاب صدر في موسكو ولكن بعد سقوط المنظومة الاشتراكية برمّتها، من تأليف إيفان تولستوي (لا علاقة له حسب علمنا بالكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي)، عنوانه "دكتور جيفاغو بين ال(سي آي إي) وال(كا جي بي)". والكتاب يروي الحكاية بادئاً بالتعريف ببوريس باسترناك بكونه ناقداً وشاعراً وروائياً كان معروفاً في الاتحاد السوفياتي منذ عشرينيات القرن الفائت. وباسترناك، ما إن رحل ستالين عام 1953، حتى أرسل إلى مجلة "نوفي مير" رواية ضخمة عنوانها "دكتور جيفاغو" (وهو لن يكتب غيرها) على أمل نشرها. كانت الرواية تروي، كما نعرف حكاية الثورة الروسية من خلال حياة ومغامرات طبيب مثقف هو جيفاغو نفسه. لم ترفض المجلة، ومن ورائها "السلطات الأدبية" المشرفة عليها، نشر الرواية. لكنها لم تنشرها! واستبد القلق بباسترناك. بعد ذلك بثلاث سنوات كان عضوٌ في الحزب الشيوعي الإيطالي يزور موسكو، فعرف بوجود الرواية وتمكّن من الحصول على نسخة من مخطوطتها، فأنبأ بالأمر صديقه الناشر الإيطالي الشاب فلترينيلي، الذي كان شيوعياً مشاكساً لا يتوقف عن البحث عن نصوص مثيرة لينشرها.
وعلى الفور أدرك الناشر أن بين يديه كنزاً أدبياً - وسياسياً - ثميناً. ومن هنا حين قررت "نوفي مير" في نهاية الأمر عدم نشر الرواية، اتصل فلترينيلي بباسترناك مقترحاً عليه نشرها في إيطاليا. وبالفعل، نشرت هناك بالروسية على الرغم من الضغوط التي مارسها الحزب الشيوعي الإيطالي على الناشر.
ويبدو أن الحزب الشيوعي الإيطالي كان يعرف عن الحكاية ما ظل كثرٌ يجهلونه: أي العون الذي قدمته منظمة أدبية عالمية تابعة ل"سي آي إي"، وممولة منها لنشر الرواية. وكانت هذه "منظمة حرية الثقافة"، التي روى كتاب بالإنجليزية عنوانه "من يدفع أجر الزمار" (صدر مترجماً إلى العربية قبل سنوات عن المشروع القومي للترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة في القاهرة)، حكايتها، مؤسسة أنشأتها الاستخبارات الأميركية لرفد الحرب الباردة بعناصر ثقافية، وأصدرت كتباً كثيرة كما أصدرت مجلات ثقافية في شتى اللغات ومنها مجلة "حوار" اللبنانية. والحقيقة أن فلترينيلي ما كان يمكنه أن ينشر رواية بالروسية في إيطاليا، من دون ذلك العون.
تواطؤ الأمم المتحدة
وعلى هذا النحو، وكما يؤكد كتاب إيفان تولستوي بالوثائق، تحوّلت القضية الأدبية إلى قضية سياسية. بل إن منظمة حرية الثقافة التي نتحدث عنها تولت تمويل ترجمة الرواية على الفور إلى أكثر من أربعين لغة. ثم، وهنا اتخذت القضية منحى آخر تماماً، أوعزت ال"سي آي إي" بترشيح باسترناك للحصول على جائزة نوبل الأدبية عام 1958، ضد ألبرتو مورافيا، ما فتح الباب واسعاً أمام الصحافة الإيطالية لفضح الحكاية كلها في ذلك الحين، لكن ما كتبته تلك الصحافة كان أقرب إلى التخمين حينها. أما اليوم، وبعد صدور كتاب إيفان تولستوي، فإن الحكاية باتت مختلفة إلى درجة أن صحيفة "آ بي سي" الإسبانية رجحت أن من عمل لحصول باسترناك على نوبل، كان داغ همرشولد، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، الذي كان في الوقت نفسه، حسب الصحيفة، "عميلاً ل"سي آي إي" وعضواً في لجنة نوبل.
المهم أن باسترناك فاز يومها بالجائزة العالمية، لكنه رفض تسلمها؟ فهل كان الرفض من تلقائه؟ أبداً... كان - بالتأكيد - تحت ضغط ال"كي جي بي"، التي كانت تجابه المساعي الاستخباراتية الأميركية لحظة بلحظة. فإذا كانت ال"سي آي إي" قد طبعت ألوف النسخ من الرواية لتوزعها مجاناً في معرض بروكسل عام 1958 تحت سمع الوفد السوفياتي وبصره، وإذا كان العالم قد سمع بعد ذلك بأيام بأن باسترناك فاز بجائزة نوبل، فإن العالم نفسه دهش حين علم على الفور، بعد ذلك أن باسترناك لن يكتفي بعدم التوجّه إلى ستوكهولم للحصول على الجائزة، بل سيرفضها أيضاً.
باسترناك مات بعد ذلك بفترة قصيرة، لكن الرواية عاشت من بعده، ثم عاشت على شكل فيلم سينمائي خالد، ولا يزال والرواية يعتبران عملين كبيرين حتى بعد زوال ال"كا جي بي" والحرب الباردة كلها.
في مثل هذه الأيام قبل مئة وثلاثين عاماً وُلد الكاتب الروسي بوريس باسترناك، ليموت سوفياتياً بعد ذلك بسبعين عاماً، مخلّفاً بين أشعار وكتابات متنوعة أخرى، رواية طويلة واحدة لا شك أن في الإمكان اعتبارها الأشهر بين كل ما كُتب من أدب روائي في اللغة الروسية طوال القرن العشرين، حتى وإن لم تكن الرواية قد نُشِرت للمرة الأولى في موسكو بل في روما.
ولهذا حكاية سنعود إليها بعد سطور. أما هنا وفي عودة لا بد منها، إلى هذه الرواية، "دكتور جيفاغو"، وصاحبها لمناسبة ذكراه المزدوجة، نبدأ مما هو أكثر وضوحاً. من الرواية نفسها التي على الرغم مما سنحكيه عنها في السطور التالية ستبقى واحدة من أجمل روايات القرن الفائت، من دون أن ننسى أن فيلم ديفيد لين الذي اقتُبس عنها من بطولة عمر الشريف وجولي كريستي سيبقى من أجمل الأفلام. ناهيك بسمة أساسية للرواية تبدو منسية، وهي أنه لو أُجري استفتاءٌ بين أكبر عددٍ ممكن من نقّاد الأدب ومؤرخيه في أزمنتنا الحديثة عن أجمل رواية حب كُتِبت في كل الأزمان ستكون رواية "دكتور جيفاغو" بين الروايات العشر الأولى، بل ربما تحتل المركز الأول. وهو أمر يتناقض مع جوهر الحكاية التي نرويها هنا بالطبع!
رومانطيقية مثيرة للغضب
أجل، لا بد من القول من دون مبالغة إن "دكتور جيفاغو"، واحدة من أكبر روايات القرن العشرين. وكذلك يمكن القول إن الفيلم الساحر الذي اقتُبِس عنها فيلم كبير، مغرق كالرواية في رومانطيقيته، بخاصة من خلال إبداعه في نقل حكاية الحب التي أبدع تمثيلها في الفيلم نجمنا العربي عمر الشريف والفاتنة جولي كريستي. وأجل، أيضاً، يمكن تصوّر أن رفض باسترناك نيل جائزة نوبل للآداب التي مُنحت له بفضل هذه الرواية، كان يعتبر في موسكو على الأقل "موقفاً وطنياً شجاعاً"، ارتبط بواحدة من القضايا الأدبية الأكثر إثارة، طوال القرن العشرين. غير أن هذا كله لا يمنع أن وراء القضية والرواية، كان هناك ذلك الصراع الهائل الذي طبع الحرب الباردة أواسط ذلك القرن، وكان قطباه، ال"سي آي إي" من ناحية، وال"كا جي بي" من ناحية أخرى، أي جهاز الاستخبارات الأميركي في مقابل نظيره السوفياتي.
والحقيقة أن هذا البعد "الخفي" الذي يكمن في خلفية صدور "دكتور جيفاغو" كان معروفاً منذ زمن بعيد، لكن الأمر كان لا يزال في حاجة إلى ربط شامل وتوثيق ليلقي عليه مزيداً من الأضواء. تلك الأضواء التي تقول إن المسألة كلها لم تكن بريئة براءة نظرات الحب المتبادلة بين الدكتور جيفاغو نفسه وفاتنته لارا. والمعروف أن في الرواية جانبين أساسيين، تمثل حكاية الحب الرائع أحدهما، أما الجانب الآخر، الذي يشكل الخلفية كلها وأساس حكايتنا هنا، فإنما هو صورة الثورة الروسية كما قدمها باسترناك في الرواية. ونعرف أنها صورة بالغة السلبية، ولكن قوية الإقناع أيضاً، إلى درجة أن كُثراً يرون أن هذه الرواية قدمت المساهمة الأساسية في "تشويه" صورة الثورة البلشفية التي أدت إلى قيام الدولة الاشتراكية الكبرى، لا سيما بعد زهو الحرب العالمية الثانية. ثم بعد موت ستالين وسعي الحزب الشيوعي السوفياتي وسلطات موسكو إلى تحميله الآثام والمساوئ كلها. لقد أتت الرواية لتقول: لا، المسألة لم تبدأ مع ستالين، بل مع الثورة البلشفية نفسها. ومن هنا تبدأ الحكاية.
هل هي الحكاية كلها؟
حكايتنا هذه نظمها ووثقها، إذاً، كتاب صدر في موسكو ولكن بعد سقوط المنظومة الاشتراكية برمّتها، من تأليف إيفان تولستوي (لا علاقة له حسب علمنا بالكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي)، عنوانه "دكتور جيفاغو بين ال(سي آي إي) وال(كا جي بي)". والكتاب يروي الحكاية بادئاً بالتعريف ببوريس باسترناك بكونه ناقداً وشاعراً وروائياً كان معروفاً في الاتحاد السوفياتي منذ عشرينيات القرن الفائت. وباسترناك، ما إن رحل ستالين عام 1953، حتى أرسل إلى مجلة "نوفي مير" رواية ضخمة عنوانها "دكتور جيفاغو" (وهو لن يكتب غيرها) على أمل نشرها. كانت الرواية تروي، كما نعرف حكاية الثورة الروسية من خلال حياة ومغامرات طبيب مثقف هو جيفاغو نفسه. لم ترفض المجلة، ومن ورائها "السلطات الأدبية" المشرفة عليها، نشر الرواية. لكنها لم تنشرها! واستبد القلق بباسترناك. بعد ذلك بثلاث سنوات كان عضوٌ في الحزب الشيوعي الإيطالي يزور موسكو، فعرف بوجود الرواية وتمكّن من الحصول على نسخة من مخطوطتها، فأنبأ بالأمر صديقه الناشر الإيطالي الشاب فلترينيلي، الذي كان شيوعياً مشاكساً لا يتوقف عن البحث عن نصوص مثيرة لينشرها.
وعلى الفور أدرك الناشر أن بين يديه كنزاً أدبياً - وسياسياً - ثميناً. ومن هنا حين قررت "نوفي مير" في نهاية الأمر عدم نشر الرواية، اتصل فلترينيلي بباسترناك مقترحاً عليه نشرها في إيطاليا. وبالفعل، نشرت هناك بالروسية على الرغم من الضغوط التي مارسها الحزب الشيوعي الإيطالي على الناشر.
ويبدو أن الحزب الشيوعي الإيطالي كان يعرف عن الحكاية ما ظل كثرٌ يجهلونه: أي العون الذي قدمته منظمة أدبية عالمية تابعة ل"سي آي إي"، وممولة منها لنشر الرواية. وكانت هذه "منظمة حرية الثقافة"، التي روى كتاب بالإنجليزية عنوانه "من يدفع أجر الزمار" (صدر مترجماً إلى العربية قبل سنوات عن المشروع القومي للترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة في القاهرة)، حكايتها، مؤسسة أنشأتها الاستخبارات الأميركية لرفد الحرب الباردة بعناصر ثقافية، وأصدرت كتباً كثيرة كما أصدرت مجلات ثقافية في شتى اللغات ومنها مجلة "حوار" اللبنانية. والحقيقة أن فلترينيلي ما كان يمكنه أن ينشر رواية بالروسية في إيطاليا، من دون ذلك العون.
تواطؤ الأمم المتحدة
وعلى هذا النحو، وكما يؤكد كتاب إيفان تولستوي بالوثائق، تحوّلت القضية الأدبية إلى قضية سياسية. بل إن منظمة حرية الثقافة التي نتحدث عنها تولت تمويل ترجمة الرواية على الفور إلى أكثر من أربعين لغة. ثم، وهنا اتخذت القضية منحى آخر تماماً، أوعزت ال"سي آي إي" بترشيح باسترناك للحصول على جائزة نوبل الأدبية عام 1958، ضد ألبرتو مورافيا، ما فتح الباب واسعاً أمام الصحافة الإيطالية لفضح الحكاية كلها في ذلك الحين، لكن ما كتبته تلك الصحافة كان أقرب إلى التخمين حينها. أما اليوم، وبعد صدور كتاب إيفان تولستوي، فإن الحكاية باتت مختلفة إلى درجة أن صحيفة "آ بي سي" الإسبانية رجحت أن من عمل لحصول باسترناك على نوبل، كان داغ همرشولد، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، الذي كان في الوقت نفسه، حسب الصحيفة، "عميلاً ل"سي آي إي" وعضواً في لجنة نوبل.
المهم أن باسترناك فاز يومها بالجائزة العالمية، لكنه رفض تسلمها؟ فهل كان الرفض من تلقائه؟ أبداً... كان - بالتأكيد - تحت ضغط ال"كي جي بي"، التي كانت تجابه المساعي الاستخباراتية الأميركية لحظة بلحظة. فإذا كانت ال"سي آي إي" قد طبعت ألوف النسخ من الرواية لتوزعها مجاناً في معرض بروكسل عام 1958 تحت سمع الوفد السوفياتي وبصره، وإذا كان العالم قد سمع بعد ذلك بأيام بأن باسترناك فاز بجائزة نوبل، فإن العالم نفسه دهش حين علم على الفور، بعد ذلك أن باسترناك لن يكتفي بعدم التوجّه إلى ستوكهولم للحصول على الجائزة، بل سيرفضها أيضاً.
باسترناك مات بعد ذلك بفترة قصيرة، لكن الرواية عاشت من بعده، ثم عاشت على شكل فيلم سينمائي خالد، ولا يزال والرواية يعتبران عملين كبيرين حتى بعد زوال ال"كا جي بي" والحرب الباردة كلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.