غير مقبول من رجل الدولة تقديم الاعتذار تلو الاعتذار بأن الخصوم أقوياء يمنعونه من تحقيق أهدافه التنموية لابد للدولة من رجل دولة، يكون رجلاً أول ويعرف كيف يعلو علي الصغائر ليهتم بشؤون المجتمع. تحتاج إدارة المجتمع إلي جدية في السلوك، وقدرة علي القرار، ومراس في اجتراح التسويات، وجرأة علي كظم الغيظ (كما كان معاوية يقول ويفعل)، واحتمال للشدائد وصلابة في وجه المؤامرات، وإقدام علي التسويات، وعدم الخوف من التنازلات (تنازلات لصالح الدولة لا لصالح سماسرة العقارات والمقاولات)، وإصرار علي المبادئ والأساسيات (وهي باختصار التزام بالمجتمع وبطبقاته الدنيا). رجل الدولة لا يغيب الأهداف الاستراتيجية في سبيل مكاسب تكتيكية عابرة، قصيرة المدي. العيب كل العيب هو في غياب الاستراتيجيات الكبري للدولة، هو في غياب مشروع للدولة لدي أصحابها. مشروع الدولة يكون في خطة لتنمية إنتاج السلع الزراعية والصناعية بعد إعمار البني التحتية. لدي لبنان إمكانيات كبري مالية، لذلك علي الدولة استخدام هذا المال للإنتاج لا لتبديده ريعاً لدائنيها. بذلك يحل العمل المنتج مكان الريع، ويكون ذلك أساساً لبناء دولة قوية متماسكة. يتماسك المجتمع بالعمل والسعي والإنتاج لا بالتحريض المذهبي والطائفي المقيت؛ لا يحقن التشنجات التي لا بد أن يأتي يوم وتنفجر وتتحول إلي اقتتال داخلي مدمر؛ ليس فقط بين الطوائف والمذاهب، بل داخل الطائفة الواحدة وداخل المذهب الواحد. الشعبية الحقيقية تتشكل من العاملين المنتجين لا من قبضايات الأحياء الذين يتعيشون من بيع السلاح واستخدامه لقتل جيرانهم وتدمير ممتلكاتهم. الشعبية تكون في إيجاد فرص عمل منتج للجميع لا في إنتاج عاطلين عن العمل لا يجدون الفرص إلا في الهجرة أو البقاء تحت سلاح الحرب الأهلية الآتية، لا محالة، إذ أبقي الوطن علي مساره الحالي. يضع رجل الدولة مشروعاً إعمارياً وإنتاجياً طويل المدي. ينخرط اللبنانيون بمختلف أطيافهم في هذا المشروع ويعملون وينتجون ويزداد اعتدادهم بأنفسهم وثقتهم ببلدهم؛ ولا يبقي البلاد مجرد فندق للسياح ومرتع للسماسرة ومهنهم المختلفة. لدي الوطن من الإمكانات البشرية والمالية ما يفوق حاجة لبنان إلي مشروع الدولة، المشروع التنموي الإنتاجي الذي يؤدي إلي الاندماج والانصهار مكان التحريض والانقسام وهول الميليشيات المأجورة. المشروع الإعماري جاهز، والمشروع الاقتصادي يمكن صياغته في وقت قصير. يحتاج رجل الدولة إلي فريق يعمل ينتج لا إلي فريق يخوض المؤامرات ويحتال علي الآخرين لإخضاعهم بالاستعانة عليهم بقوي أجنبية سواء كانت عدوة أو صديقة؛ علماً بأن أصدقاء لبنان كثر والأموال متوفرة أو متاحة بكثرة علي أية حال. مطلوب من رجل الدولة أن يجد الحلول المناسبة، وأن يقوم بما يلزم من التسويات في سبيل الوصول إلي إجماعات تجسد إرادة اللبنانيين وتجعل العيش المشترك ممكناً، وتؤدي بمختلف الأطراف إلي الوثوق بقيادتهم والاطمئنان إلي سلامة بلدهم وإلي ضرورة البقاء فيه والمساهمة في إعادة بنائه. لا عيش مشتركاً إلا بالعمل والإنتاج. العيش المشترك بالوعظ والإرشاد والشعارات، التي تبدو ظاهرياً وكأنها بريئة، هو عيش مشترك مستحيل التحقيق. غير مقبول من رجل الدولة تقديم الاعتذار تلو الاعتذار بأن الخصوم أقوياء يمنعونه من تحقيق أهدافه التنموية. إن برنامج عمل للخصخصة ليس برنامجاً تنموياً ولا يمكن أن يكون كذلك. يتناقض مبدأ نزع السلاح مع غياب مشروع للدولة يحمي المواطنين اقتصادياً (معيشياً) وعسكرياً (ضد العدو الإسرائيلي). هكذا مشروع للدولة يؤدي إلي الانصهار الوطني ويحل مشكلة السلاح تدريجياً. مشروع الدولة ينزع السلاح تلقائياً علي المدي الطويل. رجل الدولة الذي يبرر العجز عن التنمية بمعارضة هذا الفريق أو ذاك يستعمل الحجج لتبرير فشله. رجل الدولة الفاشل لا يصلح أن يقود الدولة. لا يكون رجل دولة من يضع قضية الصراع علي السلطة فوق قضايا المجتمع. لا يكون رجل دولة من يتابع قضيته الخاصة في السلطة الخاصة علي حساب مهمته الأولي وهي حل مشاكل الناس وتلبية حاجاتهم. ولا يكون رجل دولة إلا مَن يأخذ الاحتمالات بعين الاعتبار، ويضع لكل خطة بديلاً، ولكل برنامج عمل احتمال التعديل في ضوء المستجدات والمعطيات الجديدة. رجل الدولة هو من يرسم الخطط ويعدلها حالما يجد الحاجة إلي تعديلها ويقنع الآخرين بذلك. رجل الدولة يضع خططاً طويلة المدي إلي جانب خطط قصيرة المدي. رجل الدولة هو رجل إنجاز يحقق ما وعد به من خطط، يفي بوعوده، يحترم أقواله، يحترم الآخرين، ولا يحترم الآخرين إلا بالوفاء. رجل الإنجاز يحتاج إلي أن يعمل بجدية ولا يعتمد علي المساعدات الأجنبية إلا في حالات نادرة (المساعدات الأجنبية متوفرة علي كل حال، بكميات أكثر مما تسمح الفئة الحاكمة بصرفه؛ لأسباب لا نعرفها). رجل الدولة هو من يحفِّز جماعته علي العمل والإنتاج، هو من يقود مجتمعه لتنفيذ برنامج إعماري اقتصادي يحميه بالسياسة؛ يحفِّز له بالسياسة. يحتاج رجل الدولة إلي أن يجعل الاقتصاد المنتج جوهر السياسة. رجل الدولة لا يكتفي بإصدار الأوامر. يستطيع إن أراد، قيادة الناس إلي العمل والسعي والإنتاج عن طريق العمل والتحفيز، إضافة إلي تحويل النظام من نظام غلبة إلي إطار ناظم للمجتمع. رجل الدولة هو القادر علي تحويل أفكاره وخططه وبرامجه إلي وعي لدي الناس. يحتاج رجل الدولة بالتعاون مع النخب الثقافية والتقنية والسياسية إلي خلق وعي من نوع آخر، وعي تنموي، لا الاكتفاء بالتحريض الطائفي والمذهبي كما تعود زعماء الطوائف. يمكن لرجل الدولة تحويل الوعي لدي الناس إذا كان هو يمتلك هذا الوعي. لكن فاقد الشيء لا يعطيه. بالعمل والإنتاج، يستطيع رجل الدولة إنماء الإنتاج، وإحداث الكفاية وبناء الجيش. سكان لبنان لا يقلون عدداً عن يهود إسرائيل. إذا كان لديهم جيش قوي، يستطيعون ردع إسرائيل، ولا تجرؤ هذه علي احتلال لبنان، جنوب لبنان، مرة تلو الأخري. يحتاج رجل الدولة إلي تعميم المقاومة لا إلي محاصرتها في جزء في لبنان.