مؤلفة الكتاب د. زبيدة عطا - عميد آداب حلون: اكدت الدكتور زبيدة عطا عميد كلية اداب حلون واستاذة التاريخ علي ان دراستها الخطيرة "إسرائيل في النيل" يقدم بالوثائق والادلة القاطعة سيناريوهات تل أبيب "الشيطانية" لحصار مصر مائيا داخل دول حوض النيل، مشيرة الي ان دول الحوض لا تشهد اختراقا بقدر ما تشهد غزوا إسرائيليا منظما يقابله علي الطرف الاخر لامبالاة مصرية عجيبة الشكل. واشارت الدكتورة زبيدة في حوارها ل "نهضة مصر" علي ان الشعب المصري من حقة ان يعلم مصير نهره الخالد وما يحاك له من مؤامرة صهيونية شريرة، موضحة ان المهندسين الإسرائيليين توافدوا علي أديس أبابا لدراسة تنفيذ سدود بها منذ اكثر 30 سنة، وان الرئيس السادات اعلن وقتها إنه سيخوض حربا ضروس ضد إسرائيل وإثيوبيا من أجل مياه النيل. في البداية.. لماذا اخترت هذا التوقيت تحديدا لاصدار كتاب "إسرائيل في النيل"؟ مشكلة حوض النيل اصبحت من المشاكل المصرية الاساسية، علي الرغم من تضارب الاراء حولها، فالكثير قلل من اهميتها، بل وادعوا انها مجرد محاولة من البعض لتشويه العلاقة بين مصر وإسرائيل واخرون ادعوا ان حجم النفوذ الإسرائيلي في افريقيا محدود للغاية، من هنا قررت ان ابحث في اصل هذا التوغل لاعلم ما اذا كان هناك اختراق إسرائيلي حقيقي للنيل ام انها مجرد اوهام كما يقول البعض. وماذا وجدت؟ ليس اختراقا عاديا.. بل غزوا منظما لافريقيا.. بدأ حتي قبل ان يكون لهم دولة او كيان. علي اي اساس تاكدت من هذه النظرية؟ هم يعترفون.. هم يكتبون.. في صحفهم ووثائقهم وكتبهم.. فقد رجعت الي الصحف الإسرائيلية نفسها فوجدت انهم يعلنون فيها صراحة عن اطماعهم في افريقيا كلها وفي مصر علي وجه الخصوص، ففي كتاب "لموشي فيرجي" وهو ضابط مخابرات إسرائيلي سابق، ذكر ان إسرائيل تلعب علي الاقليات في العالم العربي لايجاد نوع من التفرقة بينهم. وهل تعتقدين ان الدراسة خرجت في الوقت المناسب؟ الدراسة محاولة لتحفيز المسئولين في مصر لقول الحقيقة للشعب المصري الذي اري ان له حقوقا اصيلة في معرفة مصير مياه نيله الذي ارتبط به لالاف السنين، ولا يحبون تصريحات الخداع والمسكنات التي يسمعها من ان لاخر. اذا انت تؤكدين علي وجود ازمة في حوض النيل؟ لماذا يتحركون اذا.. لماذا يعقدون مؤتمرات في الاسكندرية وشرم الشيخ.. وماذا عن اتفاقية عنتيبي. هناك اتفاقيات دولية ملزمة لجميع الاطراف؟ وما هي وجه الزاميتها.. هم يقولون انها مجرد اتفاقيات تم ابرامها في عهد الاستعمار، وان الاستعمار هو المسئول الاول عن ذلك، ومن ناحية اخري مصر تتمسك بهذه الاتفاقيات، وهم يريدون اتفاقيات جديدة، ويحاولون تغييرها بالفعل. وهل يمكن تغيير هذه الاتفاقيات الدولية؟ في حال اتفاق دول حوض النيل يمكن اختراق وتغيير هذه الاتفاقيات بالطبع، ومصر واجهت موقفا مشابها في عهد الرئيس السادات، واضطر لالقاء خطبة شديدة اللهجة لكل دول حوض النيل، وقال "ساعلن الحرب علي كل من يمس نقطة مياه من النيل او اذا فكرتوا في بناء سدود". بصفتك متخصصة في الدراسات الصهيونية، تناولت في دراستك ابعاد التوغل الإسرائيلي في افريقيا، فمتي بدأ؟ نية إسرائيل في الحصول علي مياه النيل من مصر تاريخها يعود الي عام 1903 اي قبل وعد بلفور وقيام دولة إسرائيل، ومن وقتها لم تتوقف محاولاتهم بشتي الطرق الملتوية لتحقيق اطماعهم خاصة وانهم يعانون من مشكلة حقيقية وملحة في المياه، فما سرقوه في 1967 من فلسطينوسيناء لم يكفهم، وعرضوا مشاريعهم. يكفي مشروع الشرق الاوسط الجديد؟ بالضبط.. فشمعون بيريز الرئيس الإسرائيلي اقترح فكرة "الشرق الأوسط الجديد"، جاءت طمعا في المياه التي يري ضرورة التكامل من اجلها، وهذا المشروع تحديدا يؤكد علي اهتمام المسئولين هناك بمشروع توصيل مياه النيل إلي إسرائيل، عن طريق القنوات المائية في مصر، وهو المشروع الذي تسعي إليه الصهيونية العالمية منذ أيام هيرتزل، ولذلك جاء اهتمام إسرائيل بشبه جزيرة سيناء، وهي النافذة الغربية التي يمكن أن تؤمن لها حلاً لأزمة المياه التي تعاني منها. اعتقد انه قدم صفقة قديمة خاصة بسيناء؟ تقصد اعادة احياء مشروع "هيرتزاليا"، هذا المشروع حقيقة لا يمثل صفقة بقدر ما يمثل قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في اي لحظة، فشمعون بيريز قدم اقتراحا قاتلا بتبادل الاراضي ما بين العريش وصحراء النقب، وفي المقابل يتم تهجير واعادة توطين اهالي غزة في العريش، وهذا المشروع سيحتاج الي مياه النيل وبدورها سيمكن نقله الي صحراء النقب ثم الي اسرئيل، وهناك ايضا مشروع "كيلي" 1978 الذي اراد توصيل فرع من نهر النيل الي صحراء النقب لكن الرئيس السادات رفض ذلك. نعود الي الجذور التاريخية لعلاقات الدول الافريقية مع إسرائيل والطمع في مياه النيل؟ الاطماع الصهيونية في مياه النيل بدات اثناء بحثهم عن وطن قومي، فعندما اشيع عن امكانية الحصول علي كينيا لقربها من مياه النيل، ارسلوا بالفعل 30 اسرة يهودية لتستولي علي مراكز القوي هناك، ولكنهم اعادوا التفكير في العريش مرة ثانية باعتبارها الاقرب الي المناطق المقدسة لهم في فلسطين ووسط سيناء وكاد اللورد كرومر ان يلبي هذا الطلب ولكنه واجه اعتراضا شديدا في مصر. وهذا لا يمنع ان إسرائيل كانت في نفس الوقت تلعب في النسيج الافريقي لتحقيق هدفها؟ بالطبع.. فإسرائيل كانت ولا تزال تلعب دوراً مهماً في محاولة تقسيم السودان وتفتيته إلي عدة كيانات، يرتبط بعضها بمصالح مشتركة معها، وهم يعترفون بذلك، فعميل الموساد السابق "موشيه فرجي" الف كتابا بعنوان "إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان"، اكد فيه علي أن إستراتيجية إسرائيل تقوم علي أساس تقوية الحركات الإثنية المعارضة للسلطة في الشمال، بعد فشلها في إجراء اتصالات مع الزعامات السودانية، وتحول السودان إلي الخندق المعادي، فلزم اتباع سياسة شد الأطراف ثم بترها عن مراكز القوي في الشمال وعن مصر تحديدا. تقصدين ان إسرائيل تلعب في الجنوب لفصله عن الشمال؟ عميل الموساد قال هذا في كتابه، ويكفي انه يفتخر انه كان علي علاقة قوية مع جون جرنج، وقال إن أفراداً من الموساد شاركوا في سقوط عدد من مدن الجنوب في أيدي المتمردين في عام 1990، بل ان وضع التقارير تؤكد علي أن حادث تحطم طائرة قرنق كانت تقف وراءه إسرائيل، بعدما بدأ يميل إلي وحدة السودان. لهذا يعبثون في دارفور؟ كانوا يعتقدون انهم فشلوا في جنوب السودان، لهذا اتجهوا غربا الي دارفور ونشاطهم واضح بالفعل، ولم تخف بعض قيادات فصائل التمرد صلتها بإسرائيل، ويعتبر أنصار اللوبي الإسرائيلي الأمريكي أن نشاطهم، لما يوصف بحملة إنقاذ دارفور، كان وراء تشكيل رأي عام عالمي، لدفع المجتمع الدولي نحو اتخاذ قرار من الأممالمتحدة، بإرسال قوات دولية إلي دارفور، وهناك تم اكتشاف شبكات لتهريب الأسلحة الإسرائيلية إلي المتمردين في دارفور. وماذا عن الحبشة باعتبارها اهم المنابع التي تأتي منها المياه؟ الحبشة يأتي منها 85% من مياه النيل لذلك هي من أكثر الدول أهمية لمصر، ولها أهمية إستراتيجية لمصر والسودان واليمن والسعودية وكينيا، وأيضاً لإسرائيل، ومن ثم كان اعتبار الأمن مبرراً للموساد والجيش الإسرائيلي للتدخل في الشئون الداخلية للدول الأفريقية ولها تحديدا، وعلي الرغم من أن إثيوبيا ليس لها موانئ علي البحر الأحمر، إلا أنها تمثل قاعدة حيوية لإسرائيل في مناطق جنوب البحر الأحمر، وتمتاز بثرائها في المواد المعدنية التي تخدم الصناعات العسكرية الإسرائيلية. لذلك وجهت إسرائيل النشاط الاكبر لها؟ هذا صحيح.. فهناك الكثير من المشروعات المشتركة بين إثيوبيا وإسرائيل في إقامة السدود، ويكفي 33 مشروعاً للري وتوليد الكهرباء حول حوض النيل الأزرق ومشروعات أخري قيد التنفيذ، بمساعدة المجموعة الاقتصادية الأوروبية. علي الرغم من ذلك تظل كينيا مصدر الشركات الإسرائيلية؟ لا تنس ان كينيا كانت إحدي الدول المرشحة لإقامة وطن قومي لليهود في بدايات القرن العشرين، وبالفعل ارسلوا ثلاثين عائلة يهودية لتستقر في نيروبي، وقد اقتطعت لها الحكومة البريطانية في ذلك الوقت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وبالتالي تحظي بأهمية خاصة لدي إسرائيل، بالاضافة الي وجود عدد كبير من المستشارين والخبراء العسكريين، الذين يعملون في صفوف القوات الكينية، حتي ان نيروبي كانت مكانا محوريا لاجتماعات المتمردين في حركة تحرير جنوب السودان مع الإسرائيليين. علي ما اتذكر كينيا كانت اول دولة تزورها شخصية إسرائيلية قوية بعد استقلالها؟ هذا صحيح.. فبعد شهر واحد من انتخاب جوم كيناتا رئيسا للبلاد قامت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل بزيارة لكينيا وقدمت لأول رئيس للبلاد هدية شخصية، بعد ذلك تدفقت إسرائيل إلي نيروبي عبر تدريبات عسكرية وافتتاح للسفارة، وإنشاء ملاجئ للأيتام، بالاضافة لافتتاح تسع من أهم الشركات الإسرائيلية العاملة في كينيا ومنها شركة "سوليل بونيه" وهي التي تقوم بشق الطرق وإقامة المطارات وتشييد المباني السكنية والحكومية، وشركة "آجريد آب" التي تنفذ مشروعات زراعية هناك، وشركة "كرمل" للمواد الكيماوية، معظم هذه الشركات بدأت نشاطها في كينيا منذ منتصف الخمسينيات، أي في ذروة الصراع بين مصر وإسرائيل في إفريقيا. المفترض ان مصر كان لديها هي الاخري شركات في افريقيا؟ مع الفارق ان شركة النصر للتصدير والاستيراد التي كانت تمثل مصر في إفريقيا تراجع أداؤها وكاد أن يتوقف، بينما مازالت الشركات الإسرائيلية تعمل بنشاط ونجاح لافت للانظار في كينيا، وهو أمر يسر وساعد فرقة الكوماندوز الإسرائيلية التي قامت بتنفيذ عملية "عنتيبي" في أوغندا لتحرير 83 راكباً إسرائيلياً احتجزهم فلسطينيون عام 1976، بالانطلاق من الأراضي الكينية. ورغم هذا استطاعت ان تنجح في علاقاتها معهم؟ إسرائيل تنجح دائما معهم لانها تدخل لهم من المدخل الايديولوجي والثقافي، وهذا المدخل يقوم علي الزعم بخضوع كل من اليهود والأفارقة الزنوج لاضطهاد مشترك وأنهم من ضحايا الاضطهاد والتمييز العنصري، وأن كلا العنصرين له ماضٍ مؤلم ممتد، ما يدفع إلي الاعتقاد بأن سياسة إسرائيل في أفريقيا تعد تطلعا لا لحماية الشعب اليهودي فقط، بل لمساعدة الأفارقة الزنوج الذين تعرضوا للاضطهاد، وأن العلاقات تطورت ونمت بين إسرائيل وأفريقيا لانهم أجناس أدني، إضافة إلي أن التجربة النفسية متشابهة لديهما من خلال تجارة الرقيق وذبح اليهود. وما هو في رأيك الاجراء الذي يجب ان تتخذه مصر ضد هذه الممارسات؟ لا بد ان تفضح مصر النشاط الإسرائيلي في افريقيا واستغلاله للاقليات فيها، وتقوم باجراء مضاد تكسب به هذه الدول في صفها وتستعيد نفوذها وذلك باقامة مشاريع مشتركة او تمويل مشاريعهم لاقامة سدود لا تؤثر علي حصة مصر في المياه، فلا يجب ان نترك المجال مفتوحا امام إسرائيل للسيطرة علي هذه المنطقة المهمة خاصة وان هذه الدول اصبح لديها الامكانيات التي تمكنها من اقامة المشاريع والسدود.