عقب هزيمة يونيو جاء الي الشركة التي كنت اعمل بها عدد من الخبراء الفرنسيين والبلجيكيين ونظرا لاجادتي للغة الفرنسية دار بين احدهم وبيني الحديث التالي: ما الذي يثيركم الي هذا الحد.. لقد اعطيت ارض بلا شعب.. الي شعب بلا ارض!! كتمت ثورتي بصعوبة بالغة وسألته: هل سمعت عن ملايين اللاجئين الفلسطينيين؟.. اجاب بنعم.. فاستطردت: اين كان يقيم هؤلاء اللاجئون؟!.. بدت الدهشة علي قسماته والتزم الصمت وعيناه حائرتان وقال: عندك حق.. لم افكر في هذا الامر.. واجبته انا: هل ادركت الان مدي التشويه والكذب الذي قامت عليه دولة اسرائيل؟.. بدا الاسي علي وجهه ربما لان الاعلام الصهيوني خدع. وربما لشعوره بتأنيب ضمير جراء موقفه المعادي لشعب تم طرده من ارضه وتحول الي لاجئين دونما ذنب جناه.. وقد قفز الي خاطري هذا الحوار القديم وانا استمع الي تصريحات المسئولين الاسرائيليين في تبرير جريمة الهجوم الوحشي علي السفينة التركية التي كانت تتجه الي غزة وعلي متنها مئات الناشطين من مختلف جنسيات العالم يحملون مساعدات انسانية لاهالي القطاع المحاصر فأراقت قوات "جيش الدفاع الاسرائيلي" دماء العشرات بين قتيل وجريح.. اذ بكل بجاحة ادعي هؤلاء انهم كانوا في حالة دفاع شرعي عن النفس لان ركاب السفينة الذين روعهم دوي القنابل وهبوط المظليين المدججين بالسلاح حاولوا الدفاع عن انفسهم ولم "يزغردوا" فرحا والرصاص الهمجي يطلقه عليهم جنود همجيون.. كان الركاب المدنيون يتصورون انهم آمنون شر قرصنة اسرائيل لانهم في المياه الدولية وان القانون البحري الدولي يحميهم.. لكن من قال ان اسرائيل تعترف اساسا بقوانين ناهيك عن احترامها؟.. والغريب في زمن العجائب ان بعض وسائل الاعلام الغربية وخاصة الامريكية سعت بكل موهبتها في الكذب وتشويه الحقائق الي الترويج لهذه الفرية الفجة بالرغم من الصور التي التقطها الجيش الاسرائيلي نفسه ولم يستطع مع كل ما لديه من خبرة في الكذب ان يظهر قطعة سلاح واحدة كانت بحوزة هؤلاء الركاب اللهم كما قال الكاتب السويدي هيننج مانكل، الا شفرة ماكينة الحلاقة الخاصة به.. ولذلك رفضت اسرائيل وساندتها الولاياتالمتحدة تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الجريمة وتتجه الامور الآن الي تأييد المطلب الاسرائيلي بان تكون لجنة التحقيق اسرائيلية!! والمحزن ان قادة حماس يديرون المعركة الاعلامية باسوأ ما يمكن حيث يتحدثون عن "دولة الخلافة العائدة" ويتجاهلون ان السفينة كان عليها عدد كبير من الغربيين مسيحيين ويهود احدهم حاصل علي جائزة نوبل.. اما عن تركيا المقصودة بدولة الخلافة فقد اعربت عن غضبها وقررت الغاء المناورات العسكرية المشتركة التي كانت ستجريها مع اسرائيل!!.. اي ان تركيا الاسلامية كانت مستعدة لاجراء مناورات عسكرية مشتركة مع اسرائيل انما تركيا الوطنية ثارت عندما قتلت اسرائيل مواطنين اتراك.. والادهي ان نيكاراجوا مثلا قد قطعت علاقاتها مع اسرائيل وهو ما لم تفعله دولة الخلافة وقد يحق لنيكاراجوا هنا ان تطالب بالخلافة ربما اكثر من تركيا.. والراصد لتطورات الموقف لا يملك الا الدهشة او الحزن حسب الحالة ان يصيب البعض منا بحمي بعيدة وان تختلط لديه الامور الي هذا الحد العبثي.. فهل بتنا علي قناعة باننا كم مهمل ينتظر من يلتقطه ليحكم.. هل لم يعد امامنا سوي البحث عن "حاكم" من خارج الوطن العربي؟ وهل يعني هذا "التوق" الي عودة دولة الخلافة اننا غير جديرين ولا نحن قادرون علي حكم انفسنا بانفسنا وتحرير اراضينا بقوانا الذاتية وصمودنا واصرارنا علي العتق من براثن اسرائيل ومن هم وراءها؟ ان تركيا مع احترامنا لموقفها الذي لايزال دون موقف نيكاراجوا لم تتحرك بأكثر من التشدد اللفظي طوال العقود الماضية ولم تعل نبرتها الغاضبة الا عندما تعرض مواطنوها للعدوان الهمجي والوحشي من جانب جنود الدولة التي كانت تعد لاجراء مناورات عسكرية معها.. اننا نبدو وكأننا نسعي مرحبين بان نعود تحت السيادة التركية لمجرد انها دولة مسلمة.. فهل نحن دول غير مسلمة؟ وهل نزلت الرسالة في ارض غير ارض العرب؟.. ان من تهون عليه نفسه يهون علي الناس. .ونحن نتطلع الي "استعمارنا" بصورة لا يفهمها عاقل تحت دعاوي وشعارات تتستر بالاسلام.. ان صراعنا مع اسرائيل ومن هم وراءها ليس صراعا دينيا.. فالارض ارضنا بما عليها من مقدسات اسلامية وتحريرها يقع علي عاتقنا بحيث نستحق ان نكون احرارا.. فلو ان اسرائيل لم تحاصر غزة ابشع حصار ما كانت قافلة الحرية والجريمة التي شاهدها العالم بأسره بينما تحاول الآلة الاعلامية الجهنمية تصويرها علي انها "دفاع" عن النفس.. ولو لم تغتصب العصابات الصهيونية بدعم غربي وطنا بحاله واحتلت اراضي اوطان عربية اخري ما كنا قاتلنا اسرائيل خلال حروبها العدوانية التي تفرضها علينا.. فنحن ننتمي الي دين يعترف بكل الرسالات السماوية ومنها الديانة اليهودية.. فانا لا اكره اسرائيل لانها تقول انها دولة يهودية.. بل لانها تغتصب ارضي وحتي لو كانت دولة مسيحية او مسلمة فلن يتغير شيء في معاناتنا.. ان الصراع قومي بامتياز والقول بانه صراع ديني يصب في مصلحة اسرائيل ويخدمها الي ابعد الحدود.. ويكفينا تشويه اسرائيل للحقائق.. لا ان نضيف نحن ما يسهل مهمة الآلة الاعلامية الصهيونية في مختلف انحاء العالم!