هناك شبه إجماع بين أهل مهنة الصحافة علي نزاهة وأمانة وموضوعية اريك رولو.. المواطن الفرنسي "يهودي" الديانة.. ومصري المولد دار جدل حاد بيني وبين زوجة خبير اجنبي في الشركة التي كنت اعمل بها محامية في اعقاب هزيمة 1967 حول "العقاب" الذي ألحقته "قوي العدل والحرية" بمصر لموقفها من اسرائيل وفي اثناء المناقشة اكدت لي السيدة الاجنبية ان اليهود قد جاءوا الي فلسطين- أرض اجدادهم- والتي كانت صحراء جرداء غير مأهولة. طرحت عليها سؤالا بسيطا: اذا كانت ارض فلسطين غير مأهولة فمن اين جاء ملايين اللاجئين الفلسطينيين؟.. لاذت المرأة بالصمت وقد اتسعت عيناها وكأنها لم تفكر ابدا في هذا الامر من قبل بل اكتفت بالاكاذيب التي روجتها الصهيونية والجهات الداعمة لمشروعها حول خلو الارض من البشر من جهة ومن جهة ثانية حول قيام بقية الفلسطينيين ببيع اراضيهم طوعا لليهود المتوافدين علي "ارض الميعاد".. قد لا استغرب كثيرا اذا اكتفي اجنبي بما تروجه اسرائيل ومن هم وراءها لكن الكارثة ان لدينا "كتّابا" يوصفون احيانا بالكبار يرددون نفس الكلام وخلال حملات الهجوم الشرس والتراشق بأقسي العبارات والاوصاف التي باتت معلما في العلاقات الاخوية بين "الاشقاء" العرب، ينبري هؤلاء في "معايرة" الفلسطينيين الذي اضاعوا اراضيهم ببيعها لليهود وتنال اسرائيل بفضل هؤلاء صك البراءة من اية عمليات ارهابية اقامت علي قاعدتها الدولة المغتصبة وينتابني احيانا شعور بالمرارة وانا اختنق من كتابات البعض والتي يظهر جليا فيها انهم اما لم يقرأوا اي مرجع جاد ان لم يكونوا شهود عيان مثلا واما انهم مغرضون يروجون لاكاذيب اسرائيل التي لابد انها تطير فرحا بأمثالهم ونبتلع نحن الحسرة ونحن نقول "يا بخت اسرائيل بهم"!! المهم ان الفلسطينيين الذين قاسوا الامرين منذ بدء تخطيط ثم تنفيذ المشروع الصهيوني فمنهم من سقط شهيدا اثناء حملات هدم منازلهم بالجرافات والبلدوزورات الاسرائيلية ومنهم من استظل بخيمة لاجئين تعاقبت في ظلها اجيال لخمسة او ستة عقود ومنهم من تشتت في مختلف ارجاء الكرة الارضية او في "ضيافة" دول عربية والاقلية من ابناء الشعب الفلسطيني تشبثت رغم كل الاهوال بأرضها قابضة عليها بالاسنان والاظافر كما قال لي ذات يوم شاعر المقاومة الفلسطيني سميح القاسم.. وطبعا لم يشرح لنا هؤلاء الكتاب كيف كان بوسع ابناء قرية فلسطينية لا سلاح لديهم ولا هم كانوا يتوقعون كارثة الهاجانا والارجون- المنظمتين الارهابيتين اليهوديتين- بذبح قري باكملها وهدم اخري علي ابنائها لاقامة مستوطنات استعمارية يهودية فوق انقاضها.. المهم انه في الآونة الاخيرة تمكن عدد من الاسرائيليين الشرفاء من الاطلاع علي الوثائق السرية التي تدحض كل المزاعم والادعاءات الاسرائيلية وتفندها من اساسها وكما جاء في مقال شديد الاهمية للكاتب والصحفي والدبلوماسي السابق اريك رولو في عدد شهر مايو الحالي في جريدة "لوموند ديبلوماتيك" فقد بدأت مقاومة الاساطير والتابوهات المحرقة التي ينشرها القادة الاسرائيليون تتبلور بعد حرب يونيو 67 في صفوف المثقفين الاسرائيليين وهم مؤرخون وعلماء اجتماع وفلاسفة وروائيون وصحفيون وسينمائيون وفنانون وباتت هذه النخب قادرة علي محاكمة الماضي بلا تعقيدات.. الشيء الذي لا افهمه كيف تتجاهله وسائل الاعلام عندنا وهو ما كشف عنه هؤلاء الاسرائيليون الشرفاء من كذب الادعاءات التي ظلت تل ابيب ترددها هي وابواقها ومنها شن الحرب العدوانية علي لبنان عام 1982بدعوي الرد علي استفزازات منظمة التحرير الفلسطينية واثبت المؤرخون الجدد كذب وفساد دعاوي مناحم بيجين رئيس حكومة اسرائيل وارييل شارون وزير دفاعها انذاك وقد انتفض الضمير العالمي لمجازر صبرا وشاتيلا التي نفذت بإشراف شارون.. الاهم هو تقويض فرية بيع الفلسطينيين لاراضيهم والكشف عن مخطط للتطهير العرقي بدأ مع مؤسس الدولة اليهودية دافيد بن جوريون وكيف كانت اسرائيل تتفوق من حيث التسليح "كان السلاح مجانا من القوي العظمي التي تسعي الي احكام السيطرة علي الوطن العربي لأمد طويل" علي جميع الجيوش العربية الضعيفة والخاضعة لقيادات اكثر ضعفا عام 1948.. كما تظهر الدراسات والشهادات الاسرائيلية الشريفة مدي الفظائع التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ثم الجيش الاسرائيلي لتهجير الفلسطينيين عبر المجازر وعمليات الاعدام بلا محاكمة في نحو 531 قرية من اصل الف دمرت او حولت لاستقبال المهاجرين اليهود وتم افراغ احد عشر مركزا مدنيا مختلطا عرقيا من سكانهم العرب.. هذا غيض من فيض اتمني لو خصص له كتابنا، الذين سأفترض انهم سقطوا سهوا او جهلا او كسلا في براثن اكاذيب اسرائيل وسبت الفلسطينيين الجناة بدلا منها دقائق معدودة لقراءته واعتقد ان هناك شبه اجماع بين اهل مهنة الصحافة علي نزاهة وامانة وموضوعية اريك رولو.. المواطن الفرنسي "يهودي" الديانة.. ومصري المولد.