ضربات متتالية تقع علي رأس الاسرة المصرية بسبب "القدر" وهنا اسمه التعليم، فما كادت الاسر المصرية تفيق من وهم وباء انفلونزا الخنازير الذي حول الترم الدراسي الاول بأكمله الي ترم دراسي "مضروب" وهي في التعبير اللغوي "شبه الشيء او تقليد له" حتي تلقت الاسر المصرية ضربة جديدة هذه الايام تحت مسمي قرارات من السادة المسئولين التنفيذيين عن التعليم بالمحافظات بضرورة انهاء العام الدراسي مبكرا جدا عن موعده ما بين اسبوعين الي ثلاثة اسابيع حسب رؤية كل محافظة "والله اعلم". ورحم الله استاذنا الكبير محمود السعدني الذي لابد وان استحضر روحه الغالية في التعليق علي ما يحدث فالتأكيد شعار الباعة المتجولين للترويج لبضاعتهم والمناداة عليهم بتعليق "خلي حمادة يلعب" هو ما ينطبق تماما في تعاملنا مع العام الدراسي الحالي وخاصة في الترم الثاني له، فمن اجل "حمادة" داخل كل بيت مصري تقرر انهاء العام الدراسي مبكرا رغم انه بالكاد بدأ في 20 فبراير الماضي اي نحسبه بالآلة الحاسبة او اليد لن تفرق فان عدد ايام الدراسة لم يصل حتي الي 90 يوما واذا استقطعنا منها ايام الاجازات الرسمية في هذا الترم وهي اجازة شم النسيم واعياد تحرير سيناء وكذلك ايام الجمع والسبت سنتوصل الي نتيجة الي ان عدد ايام الدراسة الفعلية لم تتجاوز 60 يوما فقط لا غير في ترم واحد فقط، ولا اعرف ولكنه خاطر جاء لي هل هناك علاقة بين تدني الاجور والمرتبات في مصر وبين تدني عدد ايام الدراسة والعملية التعليمية؟ انها مجرد خاطر فقط! والمدهش في الامر ان قبيل العام الدراسي الحالي وفي عز الحديث عن وباء الانفلونزا حدثت اجتماعات وزارية علي اعلي مستوي وتم بعد الاجتماعات اقرار الخريطة الزمنية للعام الدراسي الحالي وموعد الامتحانات الي اخره باعتبارنا منظمين جدا بل ان وزارة التربية والتعليم بنفسها وعلي موقعها الالكتروني وزعت هذه الخريطة الزمنية التي حددت ان ينتهي العام الدراسي في اواخر مايو الحالي ويعقبها الامتحانات التي تستمر حتي 12 يونيو القادم ولكن يبدو ان حدث شيء مفاجيء في الافق لا يعلمه احد وتقرر خفض الحد الادني للترم الثاني ليصبح شهرين فقط وتبدأ الامتحانات فورا في جميع المحافظات فمثلا محافظة اسوان بدأت الامتحانات الاسبوع الماضي والمنيا سوف تبدأ هذا الاسبوع يليها الجيزة ودمياط و6 اكتوبر وحلوان وبني سويف وهذه حكايتها حكاية اخري حيث كشفت المعلومات ان هناك عددا كبيرا من تلاميذ الابتدائي لم يتسلموا الكتب الدراسية في اغلب المواد حتي الان! ولكن اعجب شيء حدث كان في محافظة القاهرة العاصمة التي تضم اكبر نسبة من عدد طلاب الجمهورية وكذلك عدد المدارس ايضا.. فهذه المحافظة الفريدة في كل شيء قررت هكذا فجأة يوم الاثنين الماضي انهاء العام الدراسي قبل موعده المحدد واعلنته المحافظة سابقا في 29 مايو الجاري لتبدأ الامتحان العملي والمستوي الرفيع هذا الاسبوع ثم الامتحانات العامة وطبعا محافظة القاهرة قررت ان تسير في ركاب كل المحافظات الاخري وتنهي العام الدراسي.. ولا تركب رأسها او حتي تلتزم بالقرارات المعلنة حتي اول مايو- وهكذا اجتمع المجلس المحلي وهكذا صدر القرار "اذ فجأتن" علي رأي استاذنا محمود السعدني... والاغرب اكثر ان ما قيل في اسباب اتخاذ هذا القرار الملح والمصيري ليس طبعا مصلحة الطلاب او حتي نظرية "خلي حمادة يلعب" ولكن السبب انتخابات مجلس الشوري التي تقرر عقدها في 6 يونيو القادم.. وطبعا لا يسأل احد هل تقررت انتخابات الشوري "اذ فجأتن كده" ولا يعرف موعدها القانوني والدستوري احد. وهل البلاد الاخري التي تشهد انتخابات تلغي العام الدراسي هكذا فجأة بسبب الانتخابات؟.. كنت افضل مثلا ان يكون في اسباب التبرير ان المناخ حر مثلا في مصر او اننا نتوقع موجات متتالية من سوء الاحوال المناخية والكوارث الطبيعية التي تجعل "فجأتن" لها مبرر اما موعد الانتخابات فلا تعليق.. طبعا آلاف الاستغاثات والشكاوي والرسائل هطلت علي الجميع، لان فجأتن" هذه سوف تترجم عمليا الي الغاء دروس من المنهج الدراسي كان مخصصا لها وفق الخريطة الزمنية شهر مايو ناهيك عن الوقت الكاف لمراجعة الدروس او غيره.. طبعا اصاب الارتباك جميع مدارس محافظة القاهرة ولم يعرف اي مسئول فيها ماذا يفعل بالضبط وماذا لو نزلت صاعقة علي المدرسة وتجريدة تفتيش ولم تجد شرحا فعلا للمناهج والكتب المدرسية التي وزعتها الوزارة!! وطبعا اولياء الامور ضربوا "اخماس في اسداس" وبدأت تجريدة في كل البيوت بالقاهرة لاعلان حالة الطواريء من اجل الامتحانات التي تقرر تقديمها "فجأتن" وزادت سوق الدروس الخصوصية طبعا كمرادف مهم لان الطلاب ومن خلفهم اولياء الامور يريدون "بسرعة" التركيز والتحصيل ولم المنهج الذي انتهي بدون انذار مسبق وهكذا اصبحت جداول المدرسين مشغولة تماما واصبح من الصعب الحصول علي موعد فيها من الصف الاول الحضانة وحتي الاول الثانوي، وطبعا المدرسون يحاولون تكثيف عملهم للحصول علي اكبر قدر من الاموال لتعويض النقص الحاد في دخولهم في اشهر الصيف والاجازة والتي من المتوقع ان تصل هذا العام الي مرة ونصف المرة ضعف مدة الترم الثاني. ويضاف الي عجائب ما يحدث انه في نفس الوقت التي كانت تصدر فيه قرارات لتخفيض العام الدراسي الذي يخدم 17 مليون تلميذ بالمدارس، كان هناك قرار في نفس التوقيت يصدر من المجلس الاعلي للجامعات بمد الدراسة حتي 3 يونيو وان تبدأ الامتحانات في 12 يونيو بجميع الجامعات المصرية التي تخدم 6.1 مليون طالب وطالبة فقط لا غير. وهنا يمتد الحديث الي ضرورة ربطه بما يقال دائما علي ضرورة تطبيق اللامركزية في التعليم وعدم فرض الوصاية علي المحافظات لتحقيق اكبر قدر من جودة الأداء، ولكن النتيجة الفعلية في التطبيق ان اللامركزية حينما طبقت كان اول ضحيتها هو المدرسة والعام الدراسي والمناهج الدراسية وقبل كل ذلك الثقة في قرارات المؤسسات الحكومية التي تصدر تعليمات وتصريحات ثم ما تلبث تحت اي مسمي بدءا من الاسباب المناخية الي السياحية والاقتصادية الي السياسية في القضاء علي العملية التعليمية بأكملها، ولا اعرف كيف نرفع شعار الجودة والاعتماد للمدارس في ظل ما يحدث الان.. وكيف سيواجه المسئولون في هذه الهيئة هذا الواقع- هل سيرفضو منح شهادات الاعتماد مثلا.. لاكثر من 99% من مدارس مصر؟ والغريب انه في نفس الوقت الذي انخفض فيه العام الدراسي في الاغلبية الساحقة من مدارس مصر نجد ان علي ارض المحروسة ايضامدارس اخري نهاية العام الدراسي فيها هو اخر يونيو وليس ابريل وان الخريطة التعليمية بها معلنة منذ اول يوم في الدراسة وهو بالمناسبة 1 سبتمبر من كل عام.. ولم يحدث فيها اي تغيير او تعديل او الغاء حتي بسبب انتخابات بريطانيا او حتي بركان ايسلندا وهو احد الاسباب التي دعت عديدا من اثرياء مصر للهروب الي هذه المدارس الاجنبية التي تدرس المناهج الدولية ولا علاقة لها بالمناهج الوطنية بالتأكيد اتحدث عن المدارس الخمس نجوم- المكيفة- وهي المدارس الدولية بمصر. وكم نتمني ان نجد تصريحا واحدا من مسئولي وزارة التربية والتعليم يعترض فيه علي ما يحدث وخطورته وتأثيره في عدم التزام المحافظات بالخريطة الزمنية التي قررتها الوزارة في مقرها بقصر الاميرة فائقة، وان انضباط العملية التعليمية يبدأ اولا من الالتزام بما تصرح به الوزارة وتقرره خاصة ان في ذلك مساسا بجوهر العملية التعليمية الا وهي تدرس المناهج التي تفرضها الوزارة واعتقد انها المهمة الاولي والرئيسية للوزارة سواء كانت هناك مركزية قد يحدث الان في عودة كل السلطات الي الوزارة مرة اخري او في اللامركزية التي وجدنا في تطبيقها مساسا بجوهر العملية التعليمية التي هي الاساس والغرض الرئيسي من وجود المدرسة وليس "فجأتن"، "خلي حمادة يلعب".