لو رجعنا إلي علماء اللغة العربية أو لجأنا إلي أي مُعجم من معاجم لغتنا الجميلة لوجدنا أن تعريف كلمة "المنطق" حرفيا هي:"علم وفن التحليل أو علم الإعتماد علي التحليل والأسباب في فهم الأشياء"... أما إذا رجعنا إلي مدرسة المشاغبين لوجدنا أن الرد علي السؤال الشهير: ما هو المنطق يا مُرسي؟! يتلخص في جملة واحدة أقتنصت ضحكاتنا أعواما طويلة...الجملة تقول: المنطق..لما واحد يضرب واحد علي دماغه يقع ما يحطش منطق!!! كلاهما معني منطقي للمنطق ولكن كل تعريف وله استعماله.. هذا ينقلنا إلي سؤال آخر: هل هناك منطق في تعاملنا اليوم مع وباء أنفلونزا الخنازير؟... حين اقتحمت أنفلونزا الخنازير حياتنا منذ شهور كانت مجرد خبر تناقلته الصحف ووكالات الأنباء ثم تحول الأمر فجأة من خبر إلي واقع مع ظهور أول حالة مُصابة ومن ثَم تحول الواقع إلي شئ من البلبلة مع زيادة عدد الحالات وأخيرا مع دخول المدارس تحولت البلبلة إلي كارثة تتطلب التعامل معها بشئ من المنطقية ولكن هيهات... لقد تعودنا إدارة الأزمات بشئ من الهمجية مما يؤدي دائما إلي خلق مجموعة من الأزمات من خلال الأزمة الواحدة. تعلمنا في الصغر أن نتروي ولا نفزع عند حدوث الزلزال فلا نتزاحم ولا نهرع خائفين حتي لا تزداد الطينة بلة... ولكن ماحدث في حالات الأنفلونزا جعل من الطينة بركة ومن البركة بحيرة!! الوقاية خير من العلاج... هذا هو الشعار الذي تبنته وزارة الصحة وطبعا لما تبقي الإشارة صفرا لازم نستعد، لكن نستعد إزاي؟؟ بالعطس في الكم ومناديل الديتول ومنع القبلات... أم بمحاولة جادة لمنع الزحام أو تقليل الضغط علي المناطق التي يحتمل فيها زيادة الإصابة مثل السينمات والمسارح ومباريات الكرة ومدرجات الجامعات مثل مدرج كلية التجارة الشهير الذي يصطحب فيه الطلبة مقاعدهم المحمولة!! نعلم تماما أن فترة تحول الفيروس الخطرة هي فترة الخريف وهي التوقيت الذي تزداد فيه احتمالية الإصابة بالأنفلونزا بكل أنواعها وبالتالي يزداد خطر تحولها وتحورها... استطاع الكثير من الدول العربية الشقيقة أن تأخذ قرارا قاطعا بتأجيل الدراسة إلي نهاية شهر ديسمبر والبعض الآخر أصدر قرارا بوقف الحج للعام الحالي...كما اجتهدت الدول الأجنبية غير الشقيقة في إيجاد حلول فبعضها من أجري محاولات لتصنيع مصل لمقاومة الوباء وبعضها من قام بإجراءات وقائية سليمة لحماية تلاميذه... أما نحن (كالعادة) رقصنا علي السلم فلا حصلنا الشقيقة ولا!!احترمت بشدة ما تناقلته وسائل الإعلام وما خرج به المسئولون علينا من تصريحات عن الاستعدادات الخارقة التي لجأت إليها وزارة التربية والتعليم من خلال توجيهات وزارة الصحة... قرأت وسمعت وتابعت بكل اهتمام التفاصيل الدقيقة التي وُجهت إلينا للحفاظ علي أبنائنا خلال رحلة التعليم المجهولة التي سوف يمرون بها هذا العام... ثم بدأ الفيلم وحدث ما كنت أخشاه سقط الفيلم من أول عرض وأصبح هناك احتمال رفعه من دور العرض...هنا أصبح علينا أن نري الأخبار من وجهة نظرنا وننقلها إليكم !!! أولا المدرسة الوحيدة تقريبا التي التزمت بالديتول والكمامات ونظافة الحمامات هي المدرسة المجاورة للمحافظة التي استضافت وزير التربية والتعليم في أول يوم دراسي... أما باقي المدارس فأصبحت تفرض علي الطلبة لزاما أن يحضروا معهم ديتول وفينيك وصابونة مُطهرة وأحيانا ترمومتر، وبعض المدارس الحكومية المتواضعة (التي يعاني فيها أولياء الأمور قبل الطلبة من توابع قهر التعليم) فُرض عليهم إحضار مقشات!!... بعض المدارس قررت تطويل اليوم الدراسي للحاق بالمنهج الذي وعدتهم الوزارة بتخفيفه ثم عادت وتنحت عن قرارها فأصبح علي المُعلمين الانتهاء من نفس المنهج العقيم الطويل الذي كان من المفترض تدريسه في ثلاثة أشهر إلي شهرين وعلي المتضرر اللجوء للقضاء.. نأتي لصورة أكثر سخرية... هناك مدارس بها سبعون وثمانون طفلاً لا محالة في الفصل وأُخري الحمامات فيها لا تصلح للاستخدام الأدمي وكأن الحل فقط أصبح في مناديل الديتول...والكثير من المدارس في النجوع والقري وفي بعض مناطق القاهرة أيضا لا يوجد بها أصلا ماء ولا كهرباء!!! إذن الضرب في الميت حرام...والكوميدي هو فرض غرامة مالية علي من يضبط في محاولة لتقبيل زملائه والغرامة طبعا ستذهب لسداد ديون مصر...أما المنظفات السائلة التي تُستعمل في التطهير بالإضافة لمناديل وصابون الديتول فقد شحت تماما في الأسواق ثم اختفت ثم استغل التجار الموقف فتضاعفت أسعار هذه المنتجات ووصلت السوق السوداء (وهي دي مصر يا عبلة). )..القدرة علي خلق أزمات وقت الأزمة!!.أولياء الأمور في حالة هلع وذعر... البعض يعتصم أمام المدارس والبعض منع أبناءه من الذهاب للمدارس والبعض سوف يستعيض بالدروس الخصوصية لتعويض ما فاته (ومصائب قوم عند قوم.....). لقد تسبب سوء التصرف في ذعر كنا في غني عنه... وهنا نعود للسؤال الأول الذي طرحناه: ما هو المنطق يا مُرسي؟؟ المنطق الوحيد كان ومازال في قرار حاسم صائب من قِبل وزارة التربية والتعليم في إلغاء الترم الأول من الدراسة وتحويل العام الدراسي إلي ترم واحد فقط يبدأ من فبراير أي بعد موسم الحج ودخول الخريف وينتهي في ميعاده الطبيعي ونعتبر هذا الحدث رحمة ورأفة بأولياء الأمور الغلابة وحماية لأبنائنا المعذبين في الأرض... وصدقوني بنظرة صادقة ثاقبة علي ما يتم تدريسه في المدارس وما يتم تحصيله من قِبل الطلبة، نجد أن أحمد زي الحاج أحمد!! أي ترم واحد مثل اثنين... فلا الترم الأول له علاقة بالثاني ولا العام الدراسي يترتب عليه العام الذي يليه أي كله محصل بعضه...فهل المنطق هو أن نلغي الترم الأول أم أن المنطق هو أن واحد يضرب واحد علي دماغه يقع ما يحطش منطق!!. هو ده المنطق وإلا لأ يا متعلمين يا بتوع المدارس...