ماذا تعرف عن المنطق؟ سؤال شهير.. سألته الفنانة سهير البابلي لمجموعة من الطلبة الفاشلين في مسرحية مدرسة المشاغبين, وكان ردهم عبارة عن سلسلة من المشاهد والجمل الكوميدية التي عكست جهلهم التام بهذا العلم, هذه المواقف أضحكتنا ورفهت عنا كثيرا, لكن لم يدرك أحد مدي السلبيات التي رسختها في وجدان المصريين فاصبحوا يستخفون دائما بالمنطق والفلسفة, وأصبح من يذكر في كلامه لفظ المنطق أو التفكير المنطقي, وكأنه ألقي بنكتة طريفة تستدعي الضحك. وأصبح التفكير الفلسفي لدي العامة ما هو إلا نوع من أنواع الفذلكة والجدل العقيم, أصبح من يدعو للتفكير في أصل المشكلة وليس في فروعها, يتهم بالتفلسف الذي لاجدوي منه. من المؤسف أن المصريين أخذوا من هذه المسرحية الممتعة هذا المقطع الذي يسخر فيه الطلبة المشاغبون من أساتذتهم, ولم يلتفتوا كثيرا لتأثير العلم علي هؤلاء المشاغبين حيث نجحت الاستاذة في النهاية في إصلاحهم والوصول بهم لبر الأمان. كانت نقطة بداية لحياة صحيحة بعد أن تم تقويم تفكيرهم وسلوكهم ونظرتهم للحياة.. ولا أنسي مارواه ذات يوم الكاتب الفريد وحيد حامد, حين اضطر للكذب علي والده الذي ثار عليه حين علم برغبته في دراسة الفلسفة, فهدده بحرمانه من التعليم أو التبرؤ منه إذا ما أصر علي دراسة الفلسفة, خوفا عليه من الوصول الي الجنون والإلحاد كما حدث مع أحد أبناء القرية ممن حاولوا دراسة الفلسفة من قبل, فاضطر وحيد حامد الي الكذب عليه علي مدي اربع سنوات حيث اقنع والده بأنه يدرس التجارة. لا أدري صراحة, هل الدراما سبب أم نتيجة لنظرة المصريين السطحية والكوميدية أو المعادية أحيانا, لكل من المنطق والفلسفة.. ولكن ما ألمسه هو أن الفلسفة أصبحت تهمة ومرادفا للكفر والإلحاد, والمنطق أصبح رفاهية لا داعي لها في زمن تتكاثر فيه المشاكل وتتناثر حولنا في كل مجالات الحياة.. ومن الغريب أننا نسعي ونجتهد ونقدح زناد عقولنا بحثا عن حلول للمشاكل التي تقف حائلا أمام أهدافنا وأحلامنا, ونسأل الآخرين من علم منهم ومن جهل المساعدة والمشورة, ولكن ما المسئول أعلم بالحل من السائلين. هذا لايعني صعوبة المشكلة واستعصاءها علي الحل, بل يعني الخطأ في طريقة تناولنا للمشكلة فنحن نلجأ دائما إلي طرق مختلفة, ومتخلفة احيانا, ولكننا لانلجأ إلا نادرا إلي الأسلوب الصحيح, وهو التفكير المنطقي. فالمنطق في تعريفه اللغوي هو ماينطقه اللسان من أقوال, أما في تعريفه كمصطلح فقد اختلف العلماء علي تحديد تعريف شامل, لكن اتفقت كافة التعريفات علي أن المنطق هو مجموعة من القواعد والقوانين التي تؤدي إلي تفكير صحيح وحل سليم للقضايا فمنهم من عرفه بأنه علم التفكير السليم أو أنه العلم الذي يبحث عن القواعد العامة للتفكير الصحيح وهو أيضا آلة قانونية تعصم بمراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر.. هذه التعريفات تشرح ببساطة أن المنطق هو الطريق الذي يمكننا باتباعه الوصول إلي حلول جذرية وشاملة للمشكلات التي نعاني منها, لأننا بواسطته نحل المشكلة من جذورها, ولانعطي المسكنات التي تعالج الأعراض لتخفي الأمراض التي تظل تحت الرماد تتفاقم وتشتعل حتي تنفجر في وجوهنا بين الحين والحين. أما الفلسفة فهي علم يبحث في الأمور المجردة لاستنتاج القوانين التي تحكم هذه الأمور سواء كانت ظواهر طبيعية أو انسانية, ومخطئ من يظن أن الفلاسفة يجلسون في أبراج عاجية معتزلين البشر, لأنهم في حقيقة الامر إذا ما انفصلوا عن الناس فهم يفقدون الموضوعات التي يمكن التفكير فيها, وسبب عظمة الفلاسفة والمفكرين علي مدي التاريخ هو معالجتهم المختلفة للمشكلات التي تعترض مجتمعاتهم, ونظرتهم الأكثر عمقا للامور من غيرهم, وقدرتهم علي معرفة الأسباب الحقيقية للمشكلة وتقديم تصور مناسب لحلها, ومع ذلك فإن الفلسفة الحديثة اختلفت مجالات بحثها فاصبحت تهتم بالجزئيات وواقع الإنسان الحالي, والبحث في اسباب عدم شعوره بالسعادة برغم التقدم الذي ينعم به وطريقة الوصول للسعادة وتحقيق الخير.لقد اهتم القدماء بالمنطق والفلسفة, ولم يعرف الإنسان بداية طريق التقدم والاكتشافات العلمية إلا عندما زود عقله بمبادئ المنطق ولاعجب أن تقدم المسلمين وقدرتهم علي بناء دولة قوية, كان سببه اقدامهم علي شرح وتفسير مؤلفات أرسطو وأفلاطون وفلاسفة اليونان والاسكندرية, ودراستهم لما تركوه علوما حفظوها من الضياع والانقراض, ثم أضافوا عليها ما بنوا به دولة عظمي حكمت بالعلم والتقدم أطراف العالم, وحين سعت أوروبا إلي نهضتها التي أنهت عصور الظلام لم تجد أمامها إلا أن تأخذ ما تركه العلماء والمفكرون العرب من تراث فكري وعلمي وإنساني أقاموا عليه حضارتهم والتي لاتزال متوهجة حتي الآن. لقد فتحت الفلسفة أم العلوم أمام اليونانيين أبواب التفكير في الكون وظواهره وفي الإنسان ايضا, فبدأوا البحث عن اصول الظواهر وجدوي الحياة وقوانينها, ثم وجهوا فكرهم لحل ألغازها, وحين اعترضتهم مشكلات مع العقل الذي اكتشفوا قدرته علي الخداع والانخداع, بدأوا في وضع القوانين التي تضمن للعقل عدم الزلل والوقوع في شرك الخديعة الفكرية فتوصلوا إلي علم المنطق. فهل لنا أن نستنتج الآن أهمية المنطق والفلسفة في التقدم؟