في اواخر الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كانت القاهرة تعج بالطلاب الافارقة ومن خلالهم خرجت حركات التحرر في عديد من الدول الافريقية وكانت مصر تدعم ذلك وبقوة والامثلة كثيرة علي ذلك الدور الذي لعبته مصر وكانت في الطليعة من هذا الدور مؤسسات البحث العلمي والجامعي فقد كانت الجامعات المصرية في ذلك الوقت هي القبلة الاولي للطلاب الافارقة، نعم بعضهم ذهب الي اوروبا والولايات المتحدةالامريكية مثلما حدث في حالة والد الرئيس أوباما، ولكن ظلت اعداد هؤلاء الطلاب في تلك الحقبة قليلة وكانت القاهرة هي المظلة التي يحتمي بها الافارقة في ذلك الوقت خاصة ان هذه الدول كانت تستشعر اولي خطواتها نحو الاستقلال السياسي والاقتصادي عن الدول الكبري التي استعمرتها واحتلت عددا كبيرا منها لسنوات طويلة وطوال السنوات الماضية والتي استمرت لعدة عقود منذ هذا التاريخ جرت مياه كثيرة علي الساحة العالمية وعلي الساحة الافريقية ولاسيما بعدما نالت دول القارة السمراء الاستقلال واصبحت العلاقات مع الدول التي سبق واحتلتها مختلفة وبعدت مصر قليلا او نقول انها لم تصبح القبلة الاولي والمكان المفضل للطلاب الافارقة واصبحت الهجرة الي الشمال الاوروبي والامريكي بل وحتي الي دول اسيا والدول العربية عنصر جذب كبيرا لاعداد كبيرة من الطلاب الأفارقة خاصة في ظل تقديم التسهيلات والمنح لجذب هؤلاء الطلاب للدراسة والعمل في هذه البلاد المتقدمة والتي تعاني في نفس الوقت من انخفاض في اعداد المواليد وشريحة الشباب بها القادر علي العمل والتعليم والبحث العلمي. ومؤخرا او منذ عدة سنوات ادركت مصر خطورة الابتعاد عن دول قارة افريقيا ونظرا لظروف مصر الاقتصادية لم يصبح الدعم المالي هو الحل الذي تفكر فيه مصر ولكن فكرت ان بوابة العودة وبقوة الي الساحة الافريقية لن يتم الا من خلال التعليم والبحث العلمي وهي تمثل البوابة الواسعة التي يمكن من خلالها لمصر العودة بقوة الي افريقيا وثانيا جذب الاستثمارات المالية والدعم المالي والمنح لاقامة بحث علمي حقيقي تستفيد منه مصر وكذلك الدول الافريقية. لذلك افتتحت مصر منذ عدة سنوات غير بعيدة جامعة سنجور كجسر للتعاون مع دول افريقيا ومقرها في مدينة الاسكندرية، كذلك بدأت خطوات فعلية لافتتاح فرع لجامعة الاسكندرية في جوبابجنوب السودان وبدأت مصر تقدم العديد من المنح الدراسية لعدد من الطلاب الافارقة حتي وصل عدد الطلاب الافارقة الذين يدرسون بمصر الان ما يقرب من 8 آلاف طالب من مختلف دول القارة السمراء وتصل تكلفة بعثة الطالب الواحد الي متوسط عام 130 ألف جنيه طبقا لاجابة د. هاني هلال وزير التعليم العالي والبحث العلمي حينما سألته عن اعداد وتكلفة الطالب القادم للدراسة من مختلف دول اوروبا ورغم هذا العدد الا انه مازال قليلا ويمكن زيادته الي اضعاف هذاالرقم وهو ما تسعي اليه مصر في الفترة المقبلة. ولذلك استضافت مصر ولاول مرة طوال الاسبوع الماضي اجتماع وزراء التعليم والبحث العلمي من مختلف دول الاتحاد الافريقي ووصل عدد المشاركين الي 45 دولة وحضر 22 وزيرا للتعليم والبحث العلمي لحضور الدورة الرابعة للمؤتمر والتي تسلمت مصر برئاسة د. هاني هلال رئاستها ولمدة ثلاث سنوات قادمة. هذا المؤتمر المهم والذي يتم لأول مرة علي ارض مصر يعني اننا نريد العودة بقوة الي الساحة الافريقية خاصة ان وضع دول القارة السمراء في البحث العلمي مازال لا يسر او ضعيفا للغاية اذا جاز التعبير ومازالت قارة افريقيا في ذيل القائمة علي خريطة البحث العلمي العالمي الذي تتربع علي قمته بالتأكيد دول قارة امريكا الشمالية واوروبا بل واغلب دول جنوب اسيا واليابان والصين وتنافس الان بقوة دول امريكا الجنوبية بل وبعض الدول العربية التي دخلت علي الخط مؤخرا بإقامة منشآت علمية وجامعيةخاصة دول الخليج العربي ورغم ما يحدث في العالم مازالت قارة افريقيا في اخر قائمة دول العالم في البحث العلمي حتي انه طبقا لارقام مؤسسة الملكية الفكرية العالمية فان نسبة حقوق الملكية والابتكار في افريقيا لم تتجاوز حتي الان اقل من واحد % من النسبة العالمية، وحتي هذه النسبة الضئيلة محصورة في عدد محدود من دول القارة الافريقية علي رأسها دولة جنوب افريقيا التي يحتل عدد من جامعاتها مرتبة متقدمة في التصنيف العالمي لافضل 500 جامعة علي مستوي العالم بجانب مصر وبعض المراكز البحثية المحدودة في دول الغرب الافريقي الذي تدعم فرنسا. لذلك يأتي اهمية المؤتمر الذي عقد بالقاهرة لاول مرة بهذا الشكل الكبير ليس فقط بجانب حرص 45 دولة افريقية علي الحضور ولكن ايضا لوجود عدد كبير للغاية ولاول مرة من المنظمات الدولية والدول المتقدمة المانحة مثل منظمة الصحة العالمية والتي تدعم مشروعا لانشاء شبكة افريقية للعقاقير والابتكار.. كذلك منظمة القضاء الاوروبي ويهدف التعاون معها الي دعم وانشاء برامج فضاء متقدمة خاصة في الدول التي تمتلك قاعدة للتعاون في ذلك مثل مصر ونيجيريا وليبيا والجزائر وجنوب افريقيا. كذلك تقدمت مصر بمشروعين حول الابتكار في تكنولوجيا المعلومات والثاني حول الاستفادة من استخدامات الفضاء في الطيران المدني وقد تمت الموافقة علي المشروعين وسيتم رفعهما الي الاتحاد الاوروبي الذي شارك في المؤتمر بحضور قوي للغاية لوضع التمويل اللازم لذلك كذلك شاركت منظمة اليونيسكو والهيئة العلمية اليابانية وسابقا اقامت الصين معرضا تكنولوجيا للتعاون والدخول الي افريقيا وكان ذلك في ديسمبر من العام الماضي بالقاهرة ايضا. الان الجميع يسعي الي الدخول الي القارة السمراء خاصة انها مازالت ارضا بكرا وواعدة في المستقبل وبوابة العبور الي ذلك حتما ستكون من مصر التي تتمتع بجانب الموقع الفريد بين آسيا والدول العربية والاوروبية والافريقية بقاعدة علمية وبشرية هائلة ستكون الاساس لهذه الشراكة الجديدة لدينا العلم والبحث العلمي وتعمل في نفس الوقت علي جذب استثمارات الدول الكبري والمنظمات الدولية وعلي رأسها اليابان والاتحاد الاوروبي والصين الي وضع استثمارات في البحث العلمي والتعليم الذي بالتأكيد سيعود بالفائدة الكبري علي هذه الدول وستكون مصر هي جسر العبور لذلك مما يساهم في زيادة المنح وتوفير التمويل "غير الحكومي" للبحث العلمي او بمقولة اخري سيكون فاتحة خير للبحث العلمي لمصر في السنوات القادمة. واذا كانت مصر قد عرفت افريقيا بكرة القدم والسياسة والدعم الفني والسياسي فقد آن الاوان لتكون مصر هي بوابة عبور البحث العلمي والابتكار الي افريقيا.