انتقلت عدوي وقف الحرب من صعدة إلي دارفور فبعد حوالي أسبوعين من إنهاء الحرب السادسة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين نجحت الوساطة التي قامت بها قطر وتشاد في توقيع اتفاق إطاري بين الخرطوم وحركة العدل والمساواة أكبر فصائل التمرد في إقليم دارفور يقضي بوقف إطلاق النار والإفراج عن عناصر الحركة الذين اعتقلوا خلال الانقلاب الفاشل علي العاصمة السودانية في 19 يونيه 2008 وقد تواكب الاتفاق مع اتفاقية مماثلة مع فرع الحركة في كردفان المجاورة لدارفور. ومما لا شك فيه أن هذا الاتفاق الذي تم توقيعه في العاصمة القطرية الدوحة بعدما سبق توقيعه في نجامينا بحضور الرئيسين السوداني عمر البشير والتشادي إدريس ديبي والشيخ حمد بن خليفة آل ثان أمير قطر يشكل ثمرة لجهود المصالحة التي قامت بها المملكة العربية السعودية وخادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز بين الخرطوم ونجامينا والتي وصلت لأدني مستوي عقب محاولة الهجوم الفاشل علي العاصمة السودانية والتي اتهمت الحكومة السودانية نظام الرئيس ديبي بالضلوع فيها ردا علي هجوم المعارضة التشادية علي نجامينا في فبراير 2008 وكاد الأمر يتحول إلي حرب بين الجارتين الإفريقيتين قبل أن تنجح جهود الرياض في التقريب بينهما واستضافة محادثات بين رئيسي البلدين في الرياض ومكة المكرمة انتهت بطي صفحة الخلافات وبدء صفحة من التعاون كان من أبرز دلائلها زيارة الرئيس ديبي إلي الخرطوم الأسبوع قبل الماضي وخروج تصريحات علي لسانه بحضور الرئيس البشير تؤكد انتقال العلاقة بينهما من العداء والخصام إلي التنسيق والتشاور والتعاون لما يحقق المصلحة للشعبين السوداني والتشادي. صحيح أن الاتفاق الإطاري بين الخرطوم والعدل والمساواة لن يضمن إنهاء كاملا للصراع في دارفور الذي تفجر عام 2003 وقبل نحو عام من إبرام اتفاقية نيفاشا لإحلال السلام في جنوب السودان في يناير 2005 حيث إن هناك حركات دارفورية لاتزال علي موقفها ولم تنضم إلي الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة السودانية مع الفصائل المتمردة. لكن الصحيح أيضا أن الخرطوم لم تغلق الباب في وجه هذه الفصائل حيث قال الدكتور غازي صلاح الدين مستشار الرئيس السوداني والمسئول الأول عن ملف دارفور إن الاتفاق ليس حصريا مشيرا إلي أن الباب مفتوح لانضمام الفصائل الأخري. د. صلاح الدين والذي وقع علي الاتفاق مع زعيم حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم في نجامينا قبل أن يعاود التوقيع عليه في الدوحة الرئيس البشير اعتبر أنه سيمهد لإنهاء أزمة دارفور بحلول منتصف مارس المقبل. كما اعتبر الاتفاق إنجازا سودانيا تشاديا إفريقيا لا تشوبه أي أياد خارجية مشيرا إلي أن أهم بنوده الشروع الفوري في التفاوض في شأن اقتسام السلطة والثروة والترتيبات الأمنية لإبرام اتفاق نهائي لوقف الحرب في دارفور. وأوضح أن الاتفاق يعالج كل القضايا العالقة وفي مقدمتها النازيحون واللاجئون وإعادة الإعمار والترتيبات الأمنية وهو ما يسمح لحركة العدل والمساواة بالمشاركة في الحكومة المركزية أو حكومات الولايات والمؤسسات المختلفة في الدولة. والمتأمل للاتفاق يجد أنه نسخة معدلة من اتفاقية نيفاشا لإنهاء الحرب في الجنوب ويخشي أن يكون مقدمة لانفصال دارفور علي غرار ما هو متوقع في جنوب السودان الذي بات انفصاله مسألة وقت فقط حتي لو أنكرت الخرطوم ذلك. وفيما خطف اتفاق الخرطوم وحركة العدل والمساواة كل الأضواء حدث تطورا آخر لا يقل أهمية بالنسبة للسودانيين هذا الأسبوع تمثل في توقيع الحكومة السودانية اتفاقا مع مجموعة تسمي حركة العدل والمساواة قطاع كردفان يقضي بوقف كل مظاهر العنف والعودة إلي الوطن. وحول ملابسات هذا الاتفاق قال أحمد وادي زعيم حركة العدل والمساواة في كردفان إن حركته لا تحركها أياد أجنبية ولا تسعي للانفصال عن الوطن وأنها تطالب بحق الإقليم في التنمية والمشاركة العادلة ليس إلا مشيرا إلي أن حركته مع نظيرتها في دارفور مع احتفاظ كل منها بخصوصيته في العمل السياسي. وفي تقييمه للاتفاق قال رئيس وفد العدل والمساواة بكردفان حاج ماجد سواء أن الاتفاق تزامن مع اتفاق الإطار بين الخرطوم والعدل والمساواة بدارفور ويجنب البلاد أي مزالق خاصة وأن مسوغات معارضة النظام الحاكم من الخارج انتفت ورغم أن المنطق يؤكد وجود صلة بين التقدم علي طريق إحلال السلام في دارفور وكردفان والانتخابات المقررة في 11 أبريل المقبل بما يمكن اعتبارها أفضل دعاية للرئيس عمر البشير الذي يسعي للاحتفاظ بمنصبه في أول انتخابات تعددية بين أكثر من مرشح منذ مجيئة إلي السلطة عبر انقلاب عسكري في يونيه عام 1989 إلا أن مصادر سياسية استبعدت أن تؤثر هذه التطورات علي موعد إجراء الانتخابات والتي سبق أن طالبت قوي وأحزاب سودانية بتأجيلها لحين تسوية الصراع في دارفور. ورجحت المصادر أن تجري الانتخابات السودانية في موعدها مشيرة إلي عدم تأثرها بالمفاوضات التي ترعاها الدوحة بين الخرطوم والفصائل المتمردة التي تحمل السلاح في وجه الحكومة بدارفور. وأكدت هذه المصادر أن الانتخابات شأن داخلي غير قابل للتأجيل وأن الملفات المطروحة للتفاوض من تقسيم للثروة والسلطة سيتم وضعها في الاعتبار عندما يتكون حزب سياسي يضم مختلف ألوان الطيف في دارفور.