القي الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد بالقفاز في وجه الغرب عندما واصل السير علي حافة الهاوية وأمر هيئة الطاقة في بلاده بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% بدلا من 5.4% وهو الامر الذي من شأنه ان يجن جنون مجموعة 5+1 واسرائيل تحديدا ولاسيما ان التقنية المستخدمة في التخصيب "الليزر" تسمح لاجهزة الطرد المركزي الايرانية بتخصيب اليورانيوم بنسب تمكنها من الحصول علي عملية انشطار نووي لاغراض مدنية او عسكرية. ورغم ان نجاد الذي اتهم مجموعة 5+1 بالخداع ترك الباب مواربا امام التوصل لاتفاق بشأن تخصيب اليورانيوم في الخارج وهو ما اكده رئيس هيئة الطاقة النووية الايرانية علي اكبر صالحي بقوله: ان بلاده ستعلق عمليات التخصيب في حال التوصل الي اتفاق.. كما ان التقارير الواردة من تركيا اوحت بقرب التوصل الي صفقة تنزع فتيل ازمة البرنامج النووي الايراني المتدحرجة والتي تهدد باشعال حريق كبير في الشرق الاوسط. رسالة رفع معدلات تخصيب اليورانيوم انطوت علي تحد غير مسبوق من الجانب الايراني وهو ما عكسه تصريحان وثيقا الدلالة بالتزامن مع ما حدث اولهما تهديد المرشح الاعلي للجمهورية الاسلامية في ايران علي خامنئي بان تدمير اسرائيل وشيك ودعوته الي مواصلة المقاومة ضدها وهو تصريح يذكر بتصريحات مماثلة لنجاد اقامت عليها تل ابيب الدنيا ولم تقعدها.. كما يذكر ايضا بالخطيئة الكبري للرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي هدد في نشوة انتصاره علي ايران في حرب الثماني سنوات بحرق نصف اسرائيل.. فكان ما كان من مسلسل توريطه في غزو الكويت وتصويره في شكل "فزاعة" قبل ان ينتهي الامر بتدمير العراق واحتلاله واعتقاله واذلاله قبل اعدامه ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه في المنطقة تهديد مصالح الولاياتالمتحدة وحلفائها وفي المقدمة اسرائيل.. لكن ها هو خامنئي يقع في نفس الفخ.. فهل ينجو من مصير عدوه الراحل؟ ثانيهما: جاء اعلان طهران انها ستنتج قريبا جدا نظاما مضادا للصواريخ يوازي او يتفوق علي نظام اس 300 الروسي الذي جمدت موسكو تسليمه لطهران.. ومعروف ان واشنطن مارست مع اسرائيل ضغوطا هائلة علي موسكو لمنعها من تسليم هذه المنظومة الصاروخية لطهران لما تمثله من خطورة فائقة علي مخططات توجيه ضربة جوية لمنشآتها النووية علي غرار ما حدث مع المفاعل العراقي.. ووصل الامر ان اعلنت موسكو في 21 اكتوبر الماضي تجميد عقدها مع طهران. والمعني ان البرنامج النووي الايراني يسير بخطي متسارعة او انه قطار بلا كوابح علي حد وصف نجاد وهو ما يضع المعارضين له امام احد خيارين اما المسارعة بعرقلته وتدميره وهو السيناريو المرجح او توطين انفسهم علي التعايش معه. وفي غمرة هذه التطورات خرجت التحذيرات من تداعيات تخصيب ايران لليورانيوم بنسبة عالية وعنونت صحيفة ديلي تليجراف البريطانية صفحتها الاولي بقولها ايران تقترب من المواجهة مع الغرب لافتة الي ان اعطاء نجاد اوامره بالتخصيب جاء بعد اسبوع من تصريحات متناقضة لمسئولين ايرانيين او حتي بقرب التوصل الي صفقة لمعالجة اليورانيوم الايراني في الخارج. وتوقعت الصحيفة ان يرد الغرب باللجوء الي مجلس الامن لفرض عقوبات جديدة علي طهران مشيرة الي ان نجاح الجانب الايراني في تخصيب اليورانيوم بمقدار 20% يعني امكان الارتفاع بالنسبة الي 90% وهي الدرجة المطلوبة لاستخدامه في الاسلحة النووية ومن المؤكد ان طهران قادرة علي ذلك من الناحية التقنية والعلمية. نفس التحذير اطلقته صحيفة اندبندنت البريطانية لكن بعبارات اخري مؤكدة ان الاعلان الايراني اطلق اجراس الانذار في العواصمالغربية لان هذه الدرجة اعلي مما يتطلبه الاستخدام السلمي مؤكدة تعرض الرئيس الامريكي باراك اوباما لضغوط متزايدة لسحب يده الممدودة لايران منذ قرابة العام ورفع قبضته في وجهها مثل سلفه جورج دبليو بوش. اجراس الخطر التي فجرها التطور الايراني استقبلته واشنطنولندن بقلق عميق حيث دعا وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس العالم الي التوحد وتشكيل جبهة موحدة لردع طهران ودعا ايضا الي تشديد العقوبات علي النظام لا الشعب الايراني.. وفيما قالت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون ان التهديد الذي تمثله ايران "حقيقي" لكن تنظيم القاعدة يطرح خطرا اكبر منه.. وهو الامر الذي يكشف اما عن تباين في وجهات النظر بين مساعدي اوباما بشأن معالجة الملف الايراني او علي خطة امريكية لارباك وتضليل ايران عما يدور داخل عقل الادارة الامريكية.. اما لندن فقد اعربت عن قلقها البالغ من اعلان نجاد.. ولا يوجد ادني شك في انها ستؤيد اي خطوات تطلبها امريكا في مجلس الامن.. وفي اسرائيل يراقب صقورها وجنرالاتها تطورات الموقف عن كثب ولا يستبعد ان تكون الاوامر صدرت للتعامل مع التحدي الذي تمثله ايران التي تعتبرها الدولة العبرية خطرا وجوديا عليها. والمتأمل للمشهد الايراني يدرك ان موقف طهران من الملف النووي قد شهد تقلبات عديدة خلال الاشهر الماضية عبر عنها اعلان نجاد تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% مع تركه الباب مفتوحا امام قبول صفقة الحوافز.. وتنقل وكالة الانباء الفرنسية عن محلل غربي قوله ان اعلان نجاد عبر التليفزيون شكل في حد ذاته مفاجأة لانه سبق واعلن ان طهران ستتخذ هذا القرار في حال رفضت القوي الكبري تسليمها الوقود عالي التخصيب التي تطالب به. كما نقلت عن خبير ثان مقيم في طهران ان ايران تواصل ابداء مواقف متناقضة منذ رفضها في اكتوبر الماضي اقتراح ارسال اليورانيوم ضعيف التخصيب الي روسيا ثم فرنسا لتحويله الي يورانيوم عالي التخصيب مؤكدا ان الموقف الايراني يفتقد الي التماسك غير ان قادة طهران يأملون في بث الفرقة بين الكبار وتأخير فرض عقوبات دون التخلي عن طموحاتهم النووية. المهم ان رسائل ايران المقلقة للغرب لم تتوقف خلال الاسبوع الماضي عند رفع معدلات تخصيب اليورانيوم او الكشف عن نظام دفاعي صاروخي متطور لكنها امتدت الي افتتاح محطتين لانتاج الصواريخ المضادة للطائرات وخطي انتاج لتصنيع طائرات بدون طيار وهو الامر الذي قض مضاجع واشنطن وحلفائها حيث سارع وزير دفاعها جيتس باجراء مشاورات في باريس بهذا الشأن مع الرئيس نيكولا ساركوزي ونظيره الفرنسي ايرفيه موران وتأتي زيارة جيتس لباريس متسقة مع تولي فرنسا رئاسة مجلس الامن نهاية فبراير الجاري مما يسهل مهمة تمرير قرار بفرض عقوبات جديدة ضد طهران.. ومعروف ان ساركوزي الذي ينحدر من جذور يهودية ابدي تعاطفا مع اسرائيل في مواجهتها مع طهران.. كما انه يتقمص دور رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير بشأن غزو العراق فيما يتعلق بايران.. وهو ما عبر عن نفسه في تبني فرنسا موقفا متشددا من ايران. اذن ايران يتعين عليها ان تواجه كل اشكال الضغوط الدولية خلال الاسابيع المقبلة بما في ذلك المواجهة العسكرية ويتعين عليها ايضا ان تراجع حساباتها بكل موضوعية قبل ان تتمادي في تخصيب اليورانيوم بطريقة تستفز الغرب وتجعله يلجأ للخيار العسكري وخاصة ان اوباما يواجه ضغوطا شعبية هائلة افقدته جزءا كبيرا من شعبيته مما دفع سارة بالين المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس علي بطاقة المرشح الجمهوري جون ماكين تعلن مبكرا تحديها لاوباما وتتوقع فشله في الفوز بولاية ثانية.. ما لم يقدم علي ضرب ايران واكدت ترشحها لمعركة الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2012. ايضا فان ساركوزي يواجه انحسارا في شعبيته قبل بضعة اسابيع من الانتخابات المحلية حيث سجل مؤشر فيافويس الشهري تراجعا قدره اربع نقاط لساركوزي اذ بلغت نسبة مؤيديه 40% مقابل 58% لمعارضيه في مطلع فبراير الجاري. تري هل تهدي الضربة العسكرية ولاية رئاسية جديدة لكل من اوباما وساركوزي ام تكون وبالا عليهما علي نحو ما حدث مع بوش وبلير وازنار وكل من شارك في جريمة غزو العراق؟ ومع التسليم بان ايران ليست عراق صدام فالامر المؤكد ان ميزان القوي ليس لصالح ملالي إيران ويتعين عليهم ان يعرفوا "النقطة" التي ينبغي عليهم عدم تجاوزها لان المتربصين بالجمهورية الاسلامية كثر.. وقد سبق وفشل رهان صدام علي "الفيتو" الروسي في مجلس الامن وهو الامر الذي يخشي ان يتكرر مع طهران من الحليفين الصيني والروسي علي السواء. انها ساعة الحقيقة التي يتعين علي ايران والغرب ان يختاروا بين التسوية السلمية وتغليب منطق الصفقة والحوار ام لغة السلاح والذهاب في المواجهة لاقصي مدي.