أكبر الظن أن قرار فاروق حسني وزير الثقافة بتعيين د.سيد خطاب في منصب رئيس الإدارة المركزية للرقابة علي المصنفات الفنية، لم يثر دهشة الذين لم يخبروه أو يختبروه في موقع حيوي آخر، قبل أن يشغل المنصب الجديد بل كان القرار المفاجيء مدعاة لدهشة د. خطاب نفسه، وهو ما عبر عنه في حديثه إلي "نهضة مصر"، الذي رفض أن يكشف فيه أفكاره أو خطته المستقبلية في إدارة هذا الجهاز الخطير مفضلا الانتظار، والتروي، إلي حين دراسة الموقف. ومن ثم تحول الحدث إلي ما يشبه بطاقة التعارف التي يقدمها للوسط الفني والساحة الثقافية.. والجمهور. كيف كان وقع قرار اختيارك رئيسا لجهاز الرقابة علي المصنفات الفنية خلفا للأستاذ علي أبوشادي؟ كان الأمر بمثابة مفاجأة كبري بالنسبة لي، فلم أتوقع أبدا أن يصدر قرار كهذا، خصوصا أننا اعتدنا في بلدنا أن يشغل هذه المناصب من اقترب من سن الإحالة إلي المعاش وهو النهج غير المعمول به في وزارة الثقافة، فالحقيقة أن الفنان فاروق حسني يفاجئنا بين الحين والآخر، وطوال عهده كوزير للثقافة، بتجديد نشاط وزارته وأجهزتها، عن طريق ضخ دماء شابة في شرايينها، وهو ما انطبق علي قراراته الأخيرة، التي عين فيها وجوها شابة لشغل المناصب القيادية في الوزارة، ومن بينها جهاز الرقابة علي المصنفات الفنية، ولم أجاف الحقيقة أو أبالغ أبداً عندما قلت لزملائي في الرقابة عندما اجتمعت بهم "إنني لم أكن أتوقع أن أكون بينكم"، فقد عشت دائما في الظل، باختياري، وفجأة أصبحت تحت الأضواء، وانتقلت إلي عالم آخر شديد الاختلاف وأتمني أن أكون علي قدر المسئولية التي أوكلت إلي، وأن أكون عند حسن ظن المسئولين الذين اختاروني. ألم تخش، في لحظة، من السمعة السيئة للمنصب، والتي تدفع الكثيرين للقول إنه يخصم من رصيد المبدع الذي يشغله بعدما يتحول إلي أداة لمصادرة الإبداع، وقهر المبدع؟ لدي قناة بأن الرقابة وجدت لحماية المبدع وإبداعه، وليست لقهره أو مصادرة إبداعه. وأعلم بالطبع أن رؤية الرقيب دائما ما تكون غير واضحة لكنني سأقتدي بالأستاذ علي أبوشادي، الذي كان يكن احتراما كبيرا، طوال فترة عمله بالرقابة، للابداع، ويكفل حرية المبدع، والأهم أن يمرر الفكر الذي يتبناه المبدع، وهو ما نجح فيه بدرجة كبيرة طوال السنوات التي شغل فيها منصبه الحساس. وفي المقابل لا أخفي سرا عندما أقول إنني أري ضرورة في وجود الرقيب ليقيم التوازن المطلوب بين حرية المبدع، ورغبته الدائمة في التغيير، وبين المجتمع بنسيجه وأفكاره، وعاداته وتقاليده. وإن كنت أري أنه من الأفضل أن يحتكم المبدع إلي ضميره وحده، كحل لهذه الإشكالية ثم تصبح الفرصة مواتية لحوار ونقاش علي نطاق واسع يستهدف نشر ثقافة الاختلاف التي بامكانها وحدها أن تؤمن للمجتمع التوازن الذي نريده، وتكفل، في نفس الوقت، للمبدع أن يقدم القطعة الفنية والابداعية التي يسعي إليها. لكن لا أخفي عليك أن اسم د.سيد خطاب مازال جديدا علي الأذن. وأغلب العاملين علي الساحة يجهلون خلفيتك؟ .. وهذا هو السبب الذي جعلني أرحب بالحوار في هذا التوقيت، فمازال أمامي الكثير لدراسة الوضع في الرقابة، قبل أن أبدأ في الاعلان عن خططي ومشاريعي المستقبلية. لكنني أردت من خلال الحوار التعريف بشخصي كإنسان وفنان، وليس كرقيب، فأنا أستاذ في أكاديمية الفنون "قسم تمثيل ودراما"، وأقف علي خشبة المسرح، منذ أن كنت تلميذا أيام المسرح المدرسي، ثم عملت في الثقافة الجماهيرية، التي ساعدتني كثيرا في التعرف إلي مصر، التي جبت كل قطعة فيها، من خلال زياراتي لكل محافظات مصر، وبعدها انتقلت للعمل كأستاذ في أكاديمية الفنون، وهو المنصب الذي أيقنت أن الله أنعم علي به، لأنه أتاح لي فرصة ذهبية للتواصل مع الأجيال الجديدة والمتعاقبة، وعن طريقهم بدأت أتلمس بوادر التغيير الكبير الذي طال المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، وهو التغيير الذي انعكس علي الفن أيضا. حدثنا أكثر عن موضوع رسالة الدكتوراة التي نلت الدرجة عنها؟ كنت في منحة إلي إيطاليا للدراسة في تخصصي، وهو المسرح، وأثناء تواجدي هناك جري افتتاح قسم جديد يعني بالتكنولوجيا الرقمية وتوظيفها في المسرح، ولحظتها رأيت أن الاستفادة ستكون أكبر لو أنني حولت مساري، والتحقت بهذا القسم الجديد، الذي سيفتح آفاقا كبيرة ليس بالنسبة لي فحسب، وإنما للمسرح المصري بوجه عام.. وبالفعل تمكنت من الحصول علي الدكتوراة وعدت بنظريتين، هما مزيج، في حقيقة الأمر، بين التشبث بالشكل التقليدي الذي يري أن المسرح ليس سوي ممثل وخشبة، والسعي لتوظيف التكنولوجيا الرقمية لصنع عالم افتراضي علي خشبة المسرح، وما بين النظريتين نصنع العرض المسرحي الذي يمزج بين العوامل الافتراضية والعوالم الواقعية، بمعني أنك تستطيع، كمخرج، أن تصمم وتنفذ معارك علي خشبة المسرح أو توجد شخصيات افتراضية من خلال توظيف الصورة ثلاثية الأبعاد علي الخشبة. وكيف رأيت امكانية تحقيق هذه النظريات في المسرح المصري؟ عقب عودتي، بعد خمس سنوات من الدراسة في الخارج، آليت علي نفسي أن أعيش مرحلة الاكتشاف والمتابعة والرصد، وهو ما فعلته بالضبط من خلال عملي كناقد ومحكم مسرحي، ولم استغرق وقتا طويلا لأدرك أن الحركة المسرحية تعيش حالة حراك، كالتي يعيشها المجتمع المصري نفسه، وأننا نعيش مرحلة تغيير لا يمكن القول إنه بالسرعة المطلوبة، وهذا يرجع إلي عوامل كثيرة من بينها الزيادة السكانية الهائلة، والتي تعوق خطط التنمية، لكن الأمور، في كل الأحوال، تسير بشكل طيب، وهو ما ينطبق علي الحركة الفنية كلها. كيف لا تتحدث عن خططك المستقبلية لهذا الجهاز؟ لا أنكر أن لدي طموحات كثيرة أحاول من خلالها استكمال ما بدأه استاذي علي أبوشادي، لكنني في الحقيقة مؤمن جدا أن علي أولا دراسة الموقف والوضع قبل أن أفكر في الخطة التي أهدف إليها، والدراسة مهمة هنا حتي لا أبني خطة علي أوهام وخيالات ولا تستند علي واقع من هنا فأجوركم أن تساعدوني، فأنا لا أطالبكم سوي بامهالي شهر واحد فقط أدرس فيه الموقف. كيف تدرس الموقف؟ أول خطوة في هذا الخصوص أن بدأت الاستماع إلي أساتذتي الذين سبقوني إلي هذا المنصب مثل د.مدكور ثابت والأستاذ علي أبوشادي، ووضعت يدي علي الكثير من الأمور القانونية التي ينبغي علي الرقيب أن يكون ملما بها، وعلي دراية كبيرة بها، فمن الممكن أن تخسر الرقابة قضية بسبب ثغرة قانونية بسيطة استثمرها الخصم، وبالتالي استعنت بكل القوانين المصرية من خلال c.d وبدأت في دراستها بتمعن، بالإضافة إلي خطوة مهمة تمثلت في العودة إلي خبرات الزملاء الرقباء أصحاب الخبرات والكفاءات، ممن هم في رأيي أصحاب القدرة علي حل كل المشاكل، ولا ينقصهم سوي الاستعانة بالتقنيات الحديثة التي تسهل عملهم. ما الذي تتمناه مع بدء مسيرتك الصعبة؟ أن تدعو لي، وأن أغادر منصبي، وأنا شريف وصادق كما اللحظة التي دخلت فيها إلي مكتبي في الرقابة، وأن أنجح في تنفيذ كل ما وعدت به.