مقدمة لابد منها: في هذا الشهر وتحديداً في السادس منه حلت الذكري السادسة والثلاثون لحرب أكتوبر المجيدة.. أكتوبر تطهير الأرض وبسط السيادة.. أكتوبر الاختبار الحقيقي لما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة لقد اعتقد الكثير من المحللين والكتاب (خاصة الناصريين والقوميين) أن شعار ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة هو شعار التصق بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر.. ولكن لم يفكر أحد هل استطاع الرئيس الراحل تنفيذه في أي لحظة.. في حقيقة الأمر إن صاحب الشعار الفعلي وليس القولي هو الرئيس الراحل أنور السادات.. ومن يدقق في الأمر يلاحظ أن شعار "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة" لصاحبه ناصر 67 ظل شعاراً فقط.. ومن قام بتنفيذه سادات 73 فرغم كل ما قيل عن ناصر المقاومة وسادات التفريط، لم يكن صحيحاً علي الإطلاق بل العكس هو الصحيح. هذه المقدمة كانت ضرورية لتفكيك منطق التآمر علي الرئيس الراحل أنور السادات.. الرئيس الذي قتلته أيادي الجبناء والخونة وهو يحتفل مع أبناء مؤسسة الشرف والتضحيات بهذا اليوم العظيم.. اليوم الذي لن ينسي علي مدار تاريخ مصر.. مصر.. مينا موحد القطرين (مملكتي الشمال والجنوب) لتكون تحت تاج واحد.. مصر.. أول دولة في التاريخ عرفت الكتابة ودونت تاريخها.. مصر.. التي أفرزت المهندس المعماري العظيم ايمحوتب مصمم أول هرم في التاريخ (هرم الملك زوسر).. مصر الحكيم ايبوور.. مصر التي عرفت لأول مرة في التاريخ ماذا تعني الثورة.. مصر أيضاً التي خرج منها كامس محرر أرض الكنانة من الهكسوس... ويتابع مسيرته أحمس... مصر تحتمس الثالث باني الإمبراطورية المصرية العظيمة التي وصلت بثقافتها ولغتها وآثارها إلي كل المناطق المحيطة.. مصر رمسيس الثاني قاهر الأغراب وموقعة قادش العظيمة.. مصر التي حكمتها حتشبسوت كأول امرأة في التاريخ.. مصر التي أيقنت التوحيد قبل الأديان السماوية.. مصر اخناتون خارق الأعراف والتقاليد... مصر التي مصرت الإسكندر الأكبر الذي كان غازياً.. وإذا به يبني إسكندرية النور والحداثة.. مصر التي جاءها عمرو بن العاص ابن الأرض القاحلة (الجزيرة العربية) الذي احتضنته مصر فاتحاً ومعلماً وأرسل قوافل الغذاء لأبناء جزيرته من مصر الطمي والنيل... مصر محمد علي الذي آمن بمصر وحضارتها وأسس دولته المدنية والعصرية... مصر.. إسماعيل بقناته التاريخية.. مصر التي حاول الأعداء إهانتها والنيل من كرامتها وكبريائها والانقضاض علي تاريخها وحضارتها، من الفرس إلي الروم ومن الليبيين إلي العثمانيين، ومن الفرنسيين إلي البريطانيين إلي الإسرائيليين... ولكنها.. بأبنائها أبت واستنكرت واستنفرت- رغم كل ما ألم بها- وكانت الإهانة الأخيرة في يونيو 1967م، إهانة لشعب ومؤسسة لا تقبل الإهانة... الإهانة باحتلال جزء من أراضي المحروسة... المحروسة برجالها وأبنائها وتاريخها وثقافتها.. الإهانة ببث روح الفرقة والخيانة.. الإهانة بحرب كاذبة خاطفة في غفلة من نظام سياسي... ولكن التاريخ يصحح نفسه برجال أشداء كانوا وسيظلون أوفياء لوطنيتهم ووطنهم وأبنائهم.. فكانت اللحظة.. مصر السادات بطل الحرب والسلام.. في الساعة الثانية ظهراً في السادس من أكتوبر 1973.. لحظة إعادة الهيبة واسترداد الكرامة وإزاحة الخيانة والإهانة.. وانتصرنا.. انتصرنا يوم ما هب الشعب وقواته المسلحة حامية حماه وحصنه الأمين، تنال من الأعداء وتعيد جزءاً من تراب الوطن المحتل... انتصرنا.. انتصرنا بعقليات جبارة وماهرة حطمت أسطورة كاذبة وذائفة.. وعبرنا... عبرنا قناتنا العظيمة "قناة إسماعيل" التنويري والحداثي... ورفضنا.. رفضنا علم الأوطان الذي أُذل من جهلاء وأغبياء ومستعمرين.. ومن هنا... لم تنته الحكاية... تم وقف إطلاق النار.. وكانت المعركة الأخري.. معركة المفاوضات.. مفاوضات الحل النهائي للحصول علي كامل سيادتنا علي أراضينا.. بدأت بزيارة للقدس رغم بلاهة المعترضين.. ليفاجئ الجميع بكلامه البديع أنه علي استعداد لأن يذهب لآخر الدنيا من أجل تحرير تراب مصر... ثم كانت الاتفاقيات- التي اعتبرها البعض تنازلات.. ولكن أثبت التاريخ والواقع وسيثبت المستقبل أنها لم تكن تنازلات ولا تفريطا بل إنها بسط السيادة علي أرض مينا وتحتمس وحتشبسوت واخناتون ومحمد علي... إعادة كبرياء مصر واسترداد كرامتها... وتحرير كامل ترابها.. متي كان ذلك... الخامس والعشرين من إبريل 1982م.. ذكري تحرير كامل التراب الوطني. .. ذكري السيادة الكاملة علي الأراضي المصرية.. ذكري شهداء لرجال أشداء ارتوت الأراضي المصرية بدمائهم الذكية من أجل الهدف القومي الجليل.. الهدف الوطني العظيم.. هدف التحرير... هدف استعادة الكرامة الوطنية.. هدف عودة الكبرياء للمؤسسة العظيمة.. القوات المسلحة... الخامس والعشرين من إبريل 1982، ذلك اليوم الذي طال انتظاره للرئيس العبقري.. الرئيس الذي ستمثل وطنيته نموذجا يحتذي لكل الأجيال- بغض النظر عما نالوا منه بجهل وجهالة وغيبوبة- اليوم الذي كان ينتظره ومؤسسة التحرير العريقة - القوات المسلحة- وكل مصري علي طوال التراب المصري.. بل وكل مصري في كل أنحاء العالم يرفرف علم مصر علي سيناء... فهل لا يكون هذا اليوم هو أعظم أيام مصر وأجملها... بل هو العيد الحقيقي- مع احترامنا لكل الأعياد- عيد تحرير كامل التراب... عيد إعادة مصر لأبنائها.. عيد حدود مصر عبر التاريخ.. عيد سيناء الفيروز والنماء... يا أيها السادات العظيم... في أحد عشر عاماً فعلت ما لم يستطع حاكم فعله.. واجهت الشكوك والتآمرات فصفيت مراكز القوي والدولة البوليسية... حاصروك بمظاهرات واحتجاجات للحسم، فانتصرت وما أحلي الانتصار... وعبرت القناة وحطمت بارليف... وفتحت قناة السويس، وحررت الاقتصاد وطردت الخبراء الكسالي، وأعدت الحياة الحزبية ورسخت دولة المؤسسات وسيادة القانون وأخيراً.. ألا يستحق يوم السادس من أكتوبر أن يكون العيد الوطني لمصر؟