الفوضي هي عنوان الشارع المصري حاليا، كل شيء في مصر يسير بلا قاعدة أو قانون،لا يوجد معيار لأي شيء،وعندما يكون هذا هو الحال، فلا أمن ولا أمان، ولا تقدم ولا تنمية، وإنما سير إلي الخلف،وتخلف وتدهور، وهذا هو حالنا في البلدالذي علم العالم كيف تصنع الحضارات. الفوضي هي القانون الأعلي صوتا،وعندما تتحكم الفوضي، وتغيب هيبة الدولة،نكون اقرب إلي مجتمع الغابة، لكل منا قانونه،وإن كان المواطن يتحمل نصيبه من مسئولية الحال الذي وصلنا إليه، فإن الدولة ممثلة في الحكومة تتحمل النصيب الأكبر من المسئولية، "فالناس علي دين ملوكهم". **عندما يخلو الشارع في معظم مناطق القاهرة من التواجد الأمني، ويصبح البحث عن شرطي تستجير به كالباحث عن إبرة في كومة قش، وعندما تُنتهك الأعراض في الميادين العامة، دون رادع ،وعندما تصطدم السيارات علي الكباري وتنتشر الجثث ،ويصبح من المستحيل أن تصل سيارة إسعاف،فإن الوضع لا يمكن أن نصفه إلا بالعبث، العشوائية تسكن حكومتنا، وتسكن نفوسنا، نتحرك بلا هدف أو خطة. والغريب أنه في الوقت الذي يغيب فيه الأمن في الشارع المصري عندما نحتاج إليه، ليلا أو نهارا، تري حشود الأمن متواجدة ومتراصة إذا ما ظهر مسئول كبير أو صغير، وكأن الأرض انشقت، وظهروا كما يظهر المارد أو الجان. لو كان هناك تواجد أمني حقيقي في الشارع المصري ما كان الأديب "توفيق عبد الرحمن" قد دهس تحت عجلات صبي سائق متهور بإيعاز وتحريض من صاحب" الميكروباص" الذي يسير في الشارع بلا ترخيص لا للسيارة ولا للسائق، وهذه قمة الفوضي، وقد وقع الحادث في واحد من أهم شوارع الجيزة،وهو شارع "أحمد عرابي" المفترض أن يكون به تواجد أمني، ولكن ما حدث يؤكد أننا لا نهتم فقط إلا بأمن المسئولين، أو أصحاب النفوذ،والأمثلة علي الغياب الأمني كثيرة ولا تحتاج إلي التعداد أو الحصر،وهوما أدي إلي شيوع ظاهرة الأمن الخاص، فقد لجأ العديد من الشخصيات ورجال المال والأعمال إلي البودي جاردات، حيث أصبح مألوفا أن تري سيارة سوداء لا تري من بداخلها، تحيطها العديد من السيارات تطل منها وجوه عابثة مكشرة مهددة، تكاد تفتك بأية سيارة تقترب من سيارة الكبير، ونحن هنا لا نعرف هل هو مسئول كبير بالفعل أم أنه رجل أعمال يتباهي بالحراسة من حوله وهو لم يغرم شيئا فقد اخذ القروض من البنوك التي هي من أموال الشعب ليتفنن حراسه في ترويعهم . عشوائة اختيار القيادات ومن مظاهر الفوضي والعشوائية والعبث الساكن في مصر وتحت إشراف حكومي، تلك الفوضي المنتشرة في كافة مؤسساتنا،والتي تبدو أكثر في اختيار القيادات والمناصب الإدارية، ففي كل دول العالم، هناك قواعد ومعايير للترقي أو تولي المناصب القيادية، ويأتي في مقدمتها الكفاءة والمهارة والقدرة علي الابتكار، واجتياز دورات واختبارات، وهناك توصيف دقيق لكل شيء،والسر في ذلك هو إيمان واقتناع الحكومات والمسئولين في تلك الدول بأن ٌحسن اختيار القيادات هو أول درجات سلم التطور والتقدم، وهناك حكاية تروي عن تفكيك ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي قديما،ومفادها أن المخابرات الأمريكية وهي تدرس خطط إضعاف القوة المنافسة لها،حتي تحكم سيطرتها علي العالم، وضعت في حسبانها أن تتدخل في اختيار القيادات ، فوضعت خطة تضمن بها إبعاد كل القيادات ذات الكفاءة والمهارة، وأن يصل إلي المراتب القيادية من هم أقل كفاءة، ومن غير المؤهلين لتولي المناصب الحساسة ، وهكذا تهاوي النظام السوفيتي، وأنا هنا لا أناقش مدي صحة هذه الرواية من عدمه، وإنما أريد أن أركز علي أن تلك بالفعل بداية النهاية، لأي نظام سواء علي مستوي الشركات أو المؤسسات أو الوزارات،وأعتقد أن كل متابع للشأن المصري والعربي يعرف وبوضوح أننا دول تعمل وتسير علي مبدأ أهل الثقة وليس أهل الخبرة. فوضي الخطاب السياسي شيوع هذا المبدأ جعلنا لا نتبع أية قواعد أو معايير في أي مجال أو نشاط من أنشطة حياتنا المصرية، ولذلك انتشرت الفوضي وعمت العشوائية، عشوائية في الخطاب السياسي المصري، مما أفقد مصر دورها القيادي والمحوري ليس علي المستوي العالمي، لكن أيضا علي المستوي العربي، وتلك العشوائية السياسية هي التي تجعلنا الآن نخشي التحركات الإسرائيلية في دول حوض النيل، لأننا للأسف لم تكن عندنا خطة أو استراتيجية واضحة تجاه هذا الملف، وتركنا الأمور تسير "بالبركة" علي غرار كل أمورنا المصرية. تعليم عاجز وما يقال عن فوضي وعشوائية السياسة المصرية في الخارج ليس في دول حوض النيل فقط، ولكن في كثير من الملفات الدولية ،يصدق وبشكل أكثر وضوحا علي الشأن الداخلي ،حيث العشوائية في كل القطاعات، عشوائية في النظام التعليمي،حولت الأبناء والبنات إلي فئران تجارب علي مر الأعوام،مابين أنظمة جديدة وأنظمة قديمة للثانوية العامة، وما بين إلغاء للسنة السادسة والإبقاء عليها، والغريب أننا في كل الحالات، سواء في حالة الإلغاء أو العودة نجد المبررات، وننسي أننا سبق وأن " طلعنا القطط الفطسانة" في النظام الذي نعود ونمجد فيه، ومن أسف أن أعلامنا وأجهزتنا الرقابية والتشريعية ،مغيبة تماما، وتسير مثل" الأطرش في الزفة" إذا ما امتدح المسئول ما يريد تطبيقه فعلت مثله، دون أن تسأل أو أن تنتقد وتبين السلبيات،لم تقم تلك الأجهزة بدورها،لا عندما قررت الحكومة إلغاء السنة السادسة ولا عندما قررت عودتها،و مجلس الشعب المصري الذي وافق الأعضاء فيه علي الإلغاء،هو أيضا الذي وافق علي العودة. وكانت النتيجة ما وصل إليه حال التعليم في بلادنا من تدن وتخلف، إلي درجة أن خرجت الجامعات المصرية من دائرة الجودة ، وجعلت دولة حديثة مثل الكويت تتخذ قرارا بعدم إرسال مبعوثيها إلي الجامعات المصرية ، وكل ذلك بفضل عشوائية النظام. إسكان للأغنياء فقط وما يقال عن التعليم يقال عن عشوائية الإسكان وخططه في مصر،فقد رفعت الدولة يدها عن بناء الوحدات والتجمعات السكنية، وتركت الحبل علي الغارب للشركات التي لا تهدف سوي الربح،فاتجهت إلي بناء الفيلات والقصور والمنتجعات ،والمدن التي لا يسكنها إلا الأثرياء، وتجاهلت مع سبق الإصرار والترصد الإسكان المتوسط ،وإسكان محدودي الدخل، وهذا التصرف هو الذي أدي مع غيره من التصرفات العشوائية في وجود العشوائيات التي انتشرت علي خارطة الدولة المصرية، والتي تعد بحق علامة ومثل صارخ علي عشوائية النظام المصري، والفوضي الضاربة في جسده المتهالك. لا مكان للفقراء وفوضي وعشوائية القطاع الصحي حدث عنها ولا حرج، ففي الوقت الذي لا يجد فيه الفقراء العلاج أو الدواء، ويقف المرضي طوابير طويلة أمام أبواب المستشفيات أملا في انتظار فرصة للكشف أو الدخول، نجد الدولة تعالج الفنانين والمسئولين الكبار بملايين الجنيهات، وتبخل بالملاليم علي الموظفين والعمال، مما ساهم في تدني صحة المواطنين وانتشار الأوبئة والأمراض التي تنهش في أجساد وأكباد المصريين، ولولا البقية الباقية من أهل الخير وتبرعاتهم لما وجد المصريون علاجا، في ظل عشوائية قطاع الصحة المصري واتجاهه الاستثماري في ظل وزارة الدكتور حاتم الجبلي، وغني عن القول ما وصل إليه حال المستشفيات والمراكز والوحدات الصحية ليس في الريف فقط ، ولكن في العديد من المدن المصرية، فقد تحولت تلك المنشآت الطبية والصحية إلي مجرد استراحات ومبان، لا تتوافر فيها الأجهزة ولا الأدوية، وأيضا غاب عنها الأطباء. وتأتي أنفلونزا الخنازير ومن قبلها أنفلونزا الطيور لتجسد استعدادات الدولة وموقفها منها منتهي العشوائية والفوضي ، فحتي الآن هناك فوضي في الأرقام المعلنة للمصابين، والضحايا، وتمتد الفوضي إلي أساليب وطرق الوقاية والعلاج، ووصلت العشوائية إلي حد جعلنا نقضي علي معظم ثروتنا الداجنة، ونتخلص من الاف الخنازير،وتمثلت فوضي ماجهة اتفلونزا الخنازير أيضا في عدم إعداد الأطباء لمواجهة هذا الخطر،فموت الضحية الثانية"عروس الدقهلية" خير دليل علي جهل الأطباء بالمرض ومظاهرة، وعدم تجهيز المستشفيات بشكل جيد للتعامل مع المرض، وندعوا الله أن يجنبنا شر عشوائية الحكومة المصرية مع بداية العام الدراسي،فسيكون هو المحك الرئيسي لاختبار مدي مقدرة أجهزة الصحة والتعليم عندنا لمواجهة انفلونزا الخنازير. فسق وفجور تليفزيوني وتمتد العشوائية والفوضي إلي أخطر الأجهزة المصرية ، وهو جهاز الأعلام، وخير دليل علي ذلك ما حدث من فوضي في الخريطة الرمضانية علي التلفزيون المصري، الذي أقل ما يقال عن حاله أنه اشتري "الترماي" فقد وصل السفه الإعلامي إلي درجة أن التليفزيون دفع 14 مليون جنيه مقابل عرض مسلسل لمرة واحدة خلال رمضان، وضحك علينا التليفزيون المصري بشعار" مفيش حاجه حصري كله علي التليفزيون المصري" فقد عرضت المسلسلات علي معظم القنوات،وليس هذا فقط، بل وصلت العشوائية إلي درجة أن التليفزيون لم يعرض المسلسلات التي أنتجها القطاع الاقتصادي أو غيرها من الجهات الحكومية المنتجة، واشتري بالملايين إنتاج الشركات الخاصة.، ناهيك عن الفوضي الأخلاقية التي تخللت ما عرضه تليفزيون الدولة من مسلسلات وبرامج تحض علي الفسق والفجور وتخرج عن أبسط قواعد الأدب واللياقة، ولهذا حديث آخر. ممارسة حزبية مشوشة وتتجلي العشوائية والفوضي في الممارسة الحزبية المصرية،فقد عادت الأحزاب عندنا عودة عشوائية وبولادة قيصرية،مما جعل وجود الأحزاب وجوداً هشاً، يتحكم في حركتها لجنة الأحزاب،وهي لجنة معظم المهيمنين عليها أعضاء وقياديين في الحزب الوطني الحاكم ، مما يجعلها مطعون في نزاهتها، وهذا ما يؤكده الواقع المعاش للحركة الحزبية، فهي حتي الآن حركة هشة لا تعبر عن ديمقراطية حقيقية، تفتقد إلي العدالة،فالحزب الوطني يسيطر علي كل مقدرات البلد، له الأولوية في كل شيء، الأعلام القومي مسخر لخدمة أهدافه وبرامجه، ويروج لساساته، في الوقت الذي لا تحصل فيه الأحزاب الأخري إلا علي الفتات الإعلامي، هذا أن حصلت علي شيء، وأيضا باقي أجهزة الدولة مسخرة لخدمة الحزب الوطني، فإذا ما سافر قيادات الحزب إلي أي مكان، تري الوزراء والحكومة في أثرهم، تدعمهم وتشد من أزرهم، وهكذا حتي أصبحت مصر وكأنها لا يوجدبها أحزاب غير الحزب الوطني،مما جعل الأحزاب الأخري مجرد ديكور، وكأننا نعيش حياتنا الحزبية علي شاشة عرض سينمائي، ليس فيه غير بطل أو نجم واحد، هو الحزب الوطني، وباقي الأحزاب، ما هي سوي كمبارس، مجرد صور تتحرك لتكمل الصورة علي الشاشة. وآخر صور الفوضي والعشوائية عندنا معركة اليونسكو، التي جاءت كخير دليل علي عدم قدرتنا علي الاختيار الصحيح، فقد راهنا رهانا خاسرا علي فاروق حسني، ولم نقرأ ملف اليونسكو قراءة جيدة ومتأنية، فكان نصيبنا الخسارة المدوية،لنضيف إلي سجل إهدار المال العام وسرقة جيوب المواطنين جريمة أخري ارتكبتها الدولة، ويجب ألا تمر بدون حساب،ولا أعرف متي نستيقظ من غيبوبة العشوائية التي نعيش فيها، والتي تصر حكومتنا علي اتباعها كأسلوب وعلامة مسجلة لها، حتي أصبحنا كلنا كمصريين كائنات عشوائية نعتمد الفوضي طريقة حياة. خير الكلام: فوضي الشارع كابوس رهيب، ومؤشر لخطرقادم، قد يقضي علي الأخضرواليابس.