في عدد الخميس الماضي نشرنا الخطوط العريضة لرؤية الحزب الوطني الديمقراطي لقضية "المواطنة والديمقراطية" علي النحو الذي تم طرحها به في المؤتمر السنوي الخامس للحزب الحاكم. واليوم نقدم الملامح الرئيسية لورقة المواطنة والديمقراطية التي تبنتها المعارضة وكتبها الدكتور عمرو الشوبكي وقدمها للمؤتمر الموازي الذي نظمته قوي وشخصيات معارضة كبديل عن رؤية الحزب الوطني الديمقراطي. وانطلاقا من فكرة أن نوعية ودرجة المواطنة في دولة ما تتوقف وتتأثر بدرجة النضج السياسي اللتين وصل إليها هذا المجتمع، واعتمادا علي الدعامتين الأساسيتين التي يقوم عليهما مفهوم المواطنة حاولت الورقة تقديم تحليل لحالة المواطنة في مصر: 1 المشاركة الإيجابية من جانب الفرد في عملية الحكم: في الواقع هناك قاسم مشترك نراه في كل جوانب الصورة المصرية العامة وهو غياب المشاركة السياسية أساس المواطنة الفعالة بجميع صورها. فلم ترد نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2005 رغم كل مظاهر الحشد التي بذلت عن 25% علي أفضل تقدير ممن يملكون بطاقات الاقتراع والذي لا يصل عددهم سوي نصف عدد السكان. ويرجع هذا الوضع إلي عدة أسباب: 1 حالة من التداخل بين الدولة والحزب الحاكم بحيث تحول كلاهما إلي مرادفين علي الصعيد العلمي، أدي ذلك إلي توظيف مقدرات الجهاز الإداري للدولة رغم أنها مملوكة لجميع المواطنين لتحقيق مصالح سياسية ضيقة للحزب الحاكم والأفراد المرتبطين به وشبكات المصالح المحالفة معهم. 2 انعدام النظام الحزبي نفسه بمعني عدم وجود فرصة لأي حزب ليس فقط للوصول إلي السلطة بل حتي للمشاركة فيها الأمر الذي جعل الحياة السياسية جامدة وغير محفزة علي المشاركة. ويرجع ذلك من جهة إلي القيود الخارجية المفروضة من قبل النظام علي الأحزاب والتي تحد من قدراتها علي التواصل مع الجماهير ومن جهة أخري يرجع ذلك إلي المشكلات الداخلية التي تعاني منها تلك الأحزاب فهي تعاني من: 1 ضعف القواعد الشعبية كي لا نقول انعدامها، 2 غياب الديمقراطية الداخلية وتداول السلطة بداخلها، 3 وجود خطاب قديم وغير جذاب. 3 التساؤلات الكبري تطرح في المجتمع المصري في أضيق نطاق في حين أن التساؤلات الصغري تهيمن علي مفردات الحياة، أدي ذلك إلي أن يصبح المجتمع في قمته ساخنا وفي أعماقه سطحيا فأصبحت السياسة بمعني السعي لإحداث "تغيير سياسي" حكرا علي بضعة آلاف أما الفقراء والذين يبلغ عددهم نصف عدد السكان وتقوم مؤسسات التنشئة الاجتماعية بزرع "القدرية" في نفوس الناس فلا يرون علاقة بين التردي المعيشي وحتمية التغيير. فأصبح هذا الشخص الأمي فريسة مؤسسة دينية تواكلية ومؤسسة سياسية غاية في الركود. ولذلك أصبح السعي والبحث وراء التساؤلات البسيطة الساذجة أحيانا هو الحل طالما أن التساؤلات الكبري ليس له نصيب فيها. وهو ما يجعلنا ننظر بعين متأملة فاحصة مقولة د. علي الدين هلال للمصري اليوم بتاريخ 3 نوفمبر 2008: إن المجتمع المصري يطلب الخرافة ولا يطلب الديمقراطية. فيبقي التساؤل المهم هو الآتي: ما الذي دفع المجتمع إلي تبني هذا الاتجاه؟ وهل هي مشكلة مجتمع بالأساس أم مشكلة نظام سياسي دفع بالمجتمع إلي هذا الاتجاه؟ 4 لم تعد المشروعات السياسية تستهوي الشباب أو تنال قدرا من اهتمامهم رغم أنهم شريحة أساسية مهمة كان لها دور رئيسي في إنضاج التجارب الديمقراطية في العديد من دول العالم. فالسياسات الإعلامية للدولة وهيمنة السلطة والحكم عليها وكذلك الممارسة السياسية غير الرشيدة، أدت إلي تكريس قيم السلبية وتغييب الشباب المصري عن قضايا وطنه وعن السياسة بوجه عام وتوجيه اهتماماته إلي موضوعات أخري، مثل الرياضة والفن والترفيه، إلهاء له عن متابعة قضايا التغيير والإصلاح ومتطلباته. وكانت نتيجة ذلك أن توجه ولاء الشباب للانتماء الأضيق: الأسرة أو القبيلة أو الجماعة الدينية بحيث تقوقع الشباب المسيحي في الكنائس والشباب المسلم تحصن بالجماعة الدينية أو المساجد بحيث صارت المؤسسة الدينية هي كل عالمه بعد أن تلاشي الوطن بمفهومه الواسع في نظرهم. 2 مبدأ المساواة الكاملة بين أبناء المجتمع الواحد كلهم: وهو مبدأ يصعب الجزم علي تواجده في المجتمع المصري وذلك لتمتع النخب السياسية بحصانة فعلية في مواجهة القانون ومؤسسات العدالة فحين أن الفقراء وهم غالبية المجتمع المصري، خاصة إذا أضفنا لهم بقايا الطبقة الوسطي المتآكلة من الموظفين، نجد أنهم الضحايا الحقيقيون لغياب حكم القانون والعدالة في تطبيقه. وهي حالة تقود إلي شيوع ثقافة الخوف لدي المواطن العادي وابتعاده عن المطالبة بأبسط حقوقه الإنسانية ونتيجة لذلك سادت حالة من ازدراء القانون من جانب المواطن العادي بحيث ارتضي المجتمع تنحية دولة القانون وتطبيق قانون آخر بحيث يعد الفساد والرشوة أداة تسيير هذا النظام. بطريقة صنعت عقدا اجتماعيا جديدا شديد الاختلاف عن الذي تحدث عنه روسو بحيث أصبح نظام الزبائنية clien t?lisme هو العقد الاجتماعي الجديد الذي ارتضي المواطنون به، رغم تنافيه مع مفهوم المواطنة الفعالة. وهو الأمر الذي يجعلنا نري جليا العلاقة بين وجود نظام ديمقراطي ناضج سياسيا من جهة ووجود مواطنة فعالة وناضجة من جهة أخري. انتهت ورقة الدكتور عمرو الشوبكي وهي ورقة قيمة ومحترمة لكن المشكلة أنها ورقة نخبوية وأكاديمية، وهذا ليس عيبا في حد ذاته لكن مادمنا بصدد مناظرة حزبية مفتوحة فإنه من الأفضل توخي البساطة والدخول إلي صلب الموضوع بمطالب عملية محددة واقتراح برامج زمنية مقابلة. فما بالك وأن الورقة البديلة لم تتضمن أصلا تقييما لطرح الحزب الحاكم واقتراحاته فيما يتعلق بتعميق المواطنة والديمقراطية ومع ذلك.. فإن كسر حدة البداية مسألة تستحق التحية وتبعث علي الأمل في ارتفاع مستوي السجال الديمقراطي في مصر المحروسة.