لولا أن قناة "المنار" تبث إرسالها علي جمهور محدود ويكاد يكون سريا لكانت الكارثة التي تعرض لها مسلسل الفنار علي أيدي القائمين عليها إلي فضيحة بجلاجل! فالعمل الذي تعرضه المنار التابعة لحزب الله اللبناني، الذي يمكله الأمين العام للحزب الشيخ حسن نصر الله، واختارته من بين عشرات الأعمال الدرامية العربية لإدراجه علي خريطتها الرمضانية تعرض لمذبحة أسوأ من مذبحة صابرا وشاتيلا، حيث قامت القناة بالتمثيل بالعمل وجثث المشاركين فيه من أبطال ومؤلف ومخرج ولأول مرة في تاريخ الإبداع الفني والثقافي بوجه عام اختارت المنار أن تطفئ نور العمل الذي يحث علي المقاومة الشعبية من خلال تذكير الناس بالمقاومة الباسلة لأهالي بورسعيد ضد قوات الاحتلال الأجنبي، عام 1956 وبدلا من أن تحتفي القناة بالمسلسل طبقت عليه توجهاتها الدينية بأسوأ صورة وبشكل لا تجرؤ علي فعله أكثر القنوات المتطرفة بعد أن حذفت أغاني الفنار واستبدلتها بإيقاعات إسلامية! وحجبت بطلات العمل عن طريق وضع أكمام لأذرعهن العارية وحذفت مشهد اغتصاب شقيقة صابرين، الذي تؤديه إيمي لضرورة درامية ورسالة أخلاقية حيث إنه يرمز لاغتصاب الوطن علي أيدي الاحتلال! وحيال هذه المذبحة التي تتجاوز كونها كارثة بدأت الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المنار لمقاضاتها علي جريمتها بينما أبدي المؤلف مجدي صابر حزنه الشديد علي ما حدث وخص نهضة مصر الأسبوعي بهذه التصريحات الغاضبة. مع بداية عرض مسلسل الفنار علي قناة المنار التي يملكها حزب الله اللبناني فوجئنا بأن المسلسل يتعرض لعملية ذبح متعمدة لم يسبق حدوثها من قبل حتي مع الجثث التي يمثل بها الأعداء فالقطع والحذف للمواقف والأحداث كان مبالغا فيه بدرجة كبيرة وإذا كان للحزب توجهاته الدينية التي يفرضها علي "المنار" فلماذا اختار أن يتعاقد علي عرض "الفنار"؟ أنا في ذهول يواصل صابر مما حدث فالمسلسل يناقش بجرأة قضية الصراع العربي الإسرائيلي ويدعم خيار المقاومة الأمر الذي يعني أنه يصب في نفس الخانة التي ينطلق منها حزب الله ولا يتناقض مع أفكاره بالنسبة لشق المقاومة كخيار لا بديل له ضد أي احتلال فكيف نكل به وفعل به كل ما فعل؟ لقد حذفوا أنغام السمسمية ويبدوا أنهم اعتبروها حرام ناسين أنها طقس من طقوس المقاومة وتحفيز الجنود في مدن القتال بل إن أفراد المقاومة الشعبية كانوا يعلمون الأوامر والتعليمات من خلال هذه الأغاني التي استخدمت للتعتيم علي العدو، أما العجيب في الأمر فإن المنار حذفت كلمة إسرائيل من المسلسل لأنهم اعتبروا أنها بذلك تعكس اعترافا بدولة إسرائيل وهم لا يعترفون بها وكان المفروض علينا أن نطلق عليها الكيان الصهيوني! ولم يقف الأمر عند هذا الحد كما يقول مؤلف الفنار فقد حذفوا التترات ربما لأن فيها ممثلات غير محجبات! وضموا حلقات إلي أخري بل أضافوا تكبيرات خاصة بهم وأناشيد دينية كبديل للأغاني التي حذفوها لأنها حرام وحيال كل هذا اتخذت قرارا بألا أشاهد الفنار علي قناة المنار حتي لا أصاب بذبحة قلبية أو انتكاسة صحية وطالبت أنا والمخرج خالد بهجت إيقاف هذه المهزلة من خلال الدعوي القضائية التي ترفعها المدينة المنتجة للمسلسل ضد القناة لإجبارها علي احترام تعاقداتها والنظر بعين التقدير للإبداع وعدم انتهاكه بهذه الصورة المخجلة والمهينة. ومن ناحيتي سأطالب بتعويض مادي وأدبي لأن ما حدث "كارثة" و"مهزلة" بكل المقاييس والسؤال الذي يؤرقني ويطاردني منذ حدثت هذه الفضيحة: "إذا كانت هذه هي وجهة نظر المنار وحزب الله في الفن والإبداع فلماذا تعاقدا علي عرض "الفنار" عبر شاشة "المنار"؟