لن يحرر أحمدي نجاد الشعب الفلسطيني ولا حتي الشعب الإيراني, والسيد حسن نصر الله سيتمكن فقط من حذف لبنان من جدول الحرية وتسكينه في معسكر الفاشية كل الناس تستحق الحرية, هذا بالفعل ما أوافق عليه بشدة, غير أنني أشك كثيرا في أن كل الناس قادرة علي تحمل تبعاتها التي تحتم القدرة علي التخلص من قدر كبير من الإحسا س بالذاتية وذلك من أجل الالتقاء بذوات الآخرين في نقطة تتحقق فيها المصلحة أو أكبر قدر منها لمصلحة الناس جميعا. إنها القدرة علي الوقوف علي خط سبق واحد مع كل المحيطين بك بغير الاستقواء بقوة تأتي من خارجك, ثم التقدم إلي الإمام محققا ذاتك بفعل أنت تجيده وترغب فيه لينضم لأفعال الاخرين مكونا عالما حرا يعيد في كل لحظة ضخ الحرية العامة في كل قلوب الناس. لا توجد حرية بمعزل عن الهدف منها وهو تقدم البشر واستمتاعهم بجمال الدنيا. والحرية الواجب توفرها في مجتمع ما لشاعر هي ذاتها المطلوبة لعالم في مختبر ولمزارع في حقل ولرجل أعمال في تجارته ولرجل سياسة في حزبه, ولعلك قرأت كثيرا إلي حد الملل أن الحرية مسئولية, الطريف أن أحدا لا يعارض ذلك أو ينكره, لا أحد علي وجه الأرض ينكر أن الحرية تقوم علي الإحساس بالمسئولية, وهو ذلك الإحساس الذي أزعم أن البشر جميعا امتلأوا به, هل قابلت في حياتك شخصا لا يشعر بالمسئولية؟ هتلر كان يشعر بالمسئولية بالطبع, المسئولية عن عظمة الشعب الألماني وعن ضرورة أن تصل ألمانيا إلي مكان ومكانة تجعلانها فوق الجميع, والسيد أحمدي نجاد بلا شك يشعر أنه مسئول عن حماية الشعب الإيراني من أمريكا وإسرائيل ويري أن هذه الحماية ستتحقق بإزالة إسرائيل وهو أيضا ما يحتم أن تكون له جماعات مقاتلة في دول المنطقة يحاصر بها إسرائيل من بعيد تمهيدا لإزالتها فيما بعد, كما أن أسامة بن لادن يشعر بالمسئولية عن تطبيق الشريعة الإسلامية كما يراها هو, وبالتأكيد السيد حسن نصر الله يشعر بمسئوليته عن أرض لبنان وحتمية حمايتها من أي غزو إسرائيلي محتمل وهو ما يجعل من مسألة نزع سلاح جماعته أمرا لا يقبل النقاش, والسيد هنية أيضا من المؤكد أنه يشعر بالمسئولية عن حياة الشعب الفلسطيني وأن إحساسه بهذه المسئولية هو ما دفعه للدخول في حرب مع سلطة رئاسته فقتل منهم من قتل واستقل بغزة يصدر منها المتاعب لأهله و للآخرين, فلماذا إذن لا يشعر العالم أو معظمه بأن هؤلاء الناس وغيرهم كثر أحرار يمارسون حريتهم؟ الإجابة لابد أن تكون: لأنهم لا يقيمون وزنا لحياة الآخرين وحقهم في الحياة, وبكلمة الآخرين أقصد أهلهم وأهل غيرهم, هم عاجزون عن الالتقاء عند نقطة تتحقق فيها مصالحهم ومصالح خصومهم أو أعدائهم, هو إحساس بالمسئولية تنقصه المعرفة والاعتراف بقوانين الدنيا وقوانين البشر, هي ليست أكثر من عوار نفسي قادر علي التخفي في ثياب الزعماء المقاومين بهدف الاستمتاع المرضي بالهيمنة علي البشر, هم مغامرون سياسيون يؤمنون بمعادلة صفرية يحصلون فيها علي كل شيء أو يفقدون فيها كل شيء إنها اللذة التي يشعر بها المقامر لذة التوتر التي تستولي عليه أثناء اللعب. إذن الإحساس بالمسئولية بحد ذاته لايصنع الحرية أو يؤدي إليها بل هي قوة عاطفة اعتبار الذات التي تجعل منك نفرا في طابور البشرية معتزا بوجودك كواحد منها يرغب بقوة في التعاون مع كل زملائه البشر أو بالتحديد مع هؤلاء الذين يؤمنون بالحياة بالقدر الذي تؤمن به أنت . غير أن الطريق إلي تحقيق ذلك صعب للغاية ويتطلب قدرا هائلا من المعرفة, وهذا هو ما ينفي الحرية ذاتها عن كل شخص اختار التخلف طريقا والعدم هدفا. بالمعرفة التي حصلناها من قراءة التاريخ نستطيع التعرف علي قوانين العمران وهو ما يجعلنا نتبعها مسلحين باحترامنا لأنفسنا وبقوة عاطفة اعتبار الذات في أفئدتنا. احترامنا لقوانين علم الاجتماع لا يجب أن يقل عن احترامنا للقوانين الرياضية التي اكتشفها الإنسان, لا أحد فينا فيما عدا المنتحرين بالطبع ينكر قانون الجاذبية, وعندما نقول أن الدولة هي وحدها المحتكر الوحيد للعنف, وأنه ليس من حق مخلوق أن يحمل سلاحا إلا من ترخص له الدولة بذلك, فنحن لا نأتي بجديد أو نخترع شيئا لم يعرفه التاريخ ولم يدلنا عليه. نحن هنا لا نتكلم عن حزب الله أو الشيعة أو السنة أو الأقلية والأغلبية, وبالمناسبة الأغلبية والأقلية توجدان في المجالس النيابية فقط أما الدولة فلا تعرف هذه الحكاية, هي تعرف شيئا واحدا فقط هم المواطنون وهم كما تعرف كأسنان المشط. في حدوتة قديمة من حواديت القرون الوسطي, حاصرت قوات معادية مدينة ما فخرج وفد منها ومعه قافلة كبيرة من الخيل والجمال تحمل أثقالا أنزلوها ودخلوا بها خيمة قيادة الجيش المعادي وقالوا: نحن نملك كميات هائلة من الذهب والماس واللؤلؤ والزمرد والياقوت وكل أصناف الجواهر.. فقال رئيس القوات المهاجمة وهو يخرج سيفه من غمده: ونحن معنا الحديد.. الحديد يكسب. نعم.. في غياب الدولة وفي غياب قوات مسلحة تدافع عن البشر, الحديد يكسب, والسيد حسن نصر الله معه الحديد, وكل خصومه معهم أطنان الكلمات التي اصطحبوها معهم إلي الدوحة, غير أنه لم يذهب معهم, فمن معه الحديد لا يتركه ويذهب بغير حديد إلي بلاد الآخرين , هو باق في لبنان يحرس الحديد ويحرسه الحديد, هو يعيش القرون الوسطي ويجيد فهم أساليبها و يعرف ماذا يمكن أن يفعله العباسيون بالأمويين وماذا يمكن أن يفعله الخوارج بالجميع. لن يحرر أحمدي نجاد الشعب الفلسطيني ولا حتي الشعب الإيراني, والسيد حسن نصر الله سيتمكن فقط من حذف لبنان من جدول الحرية وتسكينه في معسكر الفاشية, والسيد هنية وجماعته سيحدث له ما حدث من قبل لكل الفرق الخارجة علي الدولة الإسلامية, هم جميعا سيفلحون في شيء واحد هو تحويل المنطقة إلي بركة من الدماء.. قلبي مع الكتاب اللبنانيين الذين اختارهم القدر ليدفعوا الثمن نيابة عن كل أحرار المنطقة العربية.