أثناء كتابة هذا المقال كان القتيل رقم واحد قد سقط صريعا علي الأرض في المعركة الدائرة في لبنان بين المعارضة والحكومة كما تصفها وسائل الإعلام. وعندما يصلك هذا المقال ربما يكون قد سقط آخرون الله وحده يعرف عددهم. الواقع أن تصوير المعركة علي أنها صراع بين حكومة ومعارضة فيه تبسيط مخل وقدر كبير من التزييف. هي ليست كذلك، إنها إحدي المعارك الدائرة في منطقتنا الان بين رجال الدولة الممثلين في الحكومة اللبنانية الشرعية التي تضم أكثر العناصر تميزا في المنطقة العربية وبين صناع الفوضي من قوي الشارع الثورية التي تدار من بعيد بقوة المال وسطوة التعصب و الجهل. من الصعب الاعتقاد أن هذه القوي تعمل من أجل لبنان والشعب اللبناني. كما أنه من الصعب التنبؤ بنتيجة هذه المعركة وإن كنت علي ثقة من أن انتصار السيد حسن نصر الله فيها ستكون له أوخم العواقب ليس علي المنطقة فحسب بل علي العالم كله. ليس بوصفه لبنانيا يسعي إلي الحكم، بل بوصفه حليفا للسيد أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإيرانية وآخر الحكام الثوريين في الشرق الأوسط. لبنان شمس معرفة إنسانية وبئر حرية تتسم ماؤه بالعذوبة وطاقة حضارة مشعة. كل ما يتسم بالابداع والمعرفة والعقل والحرية ستجد وراءه لبنانيا أو لبنانية. لبنان كتاب وحرف موسيقي وعقل تجاري جبار. أي أن فيها كل ما يؤلم العجزة ويغريهم بضربها لأنها تذكرهم في كل لحظة بضعفهم وعجزهم عن توفير الحياة الطبيعية لشعوبهم. هذا هو ما أعرفه، وما تعرفه كل الدول العربية وما تعرفه دول الغرب جميعا. في اللحظة التي تهزم فيها الحكومة اللبنانية سيفتح فيها التاريخ صفحة جديدة يخط سطورها بالدماء والخراب بعد أن تعطي الإشارة لكل جماعات الدين السياسي للخروج إلي الشارع للاستيلاء علي الحكم بالفوضي. لسنا في معركة مع إيران ولا مع الشعب الإيراني، وأي محاولة لتصوير الصراع علي هذا النحو فيها الكثير من الجهل وانعدام الاحترام لشعب قديم عظيم ساهم بنصيب وافر في تشكيل حضارة البشر. كما أننا لسنا في معركة مع الدين الإسلامي أو أي دين آخر، لسنا في حالة تحرش بالدين، كما أستنكر بشدة استخدام كلمة تحرش في هذا السياق وصفا لنشاط المثقفين بكل ألوان الطيف في دفاعهم عن العقل والحرية. لست أتكلم بوصفي ليبراليا بل بوصفي شخصا عاديا من آحاد البشر لا يحلم بأكثر من الستر والأمان وفرصة عمل يتحقق بها وجوده وتغنيه عن مد يده للآخرين طلبا للمعونة. الحرية بالنسبة لي ليست كلمة في قصيدة أو عنوانا لمبحث في الفلسفة، بل هي الحق في العمل المثمر لنفسي ولمجتمعي وهو ما يتطلب وجودي في مجتمع آمن ومستقر لا تهدده الفوضي، هذه هي الحرية كما أراها، إنها الحق الأول في الحياة ولست أريد الحصول عليها عبر المذابح، بل في حماية الدستور والقوانين وفوق جسر متين من مراعاة حقوق الإنسان. وهذا كله لن يتحقق بغير كفاءة الدولة وتشكيلاتها التي تتسم بالانضباط والعدل والنزاهة العقلية والخلقية. هذا هو بالضبط ما عجزت حكومات الدين السياسي عن توفيره لشعوبها بعد أن وصلت إلي الحكم بالصدفة أو بالانقلابات أو حتي عبر صناديق الاقتراع كما حدث في فلسطين بعد أن أثبتت لنا بكل وضوح أن الجماعة وفية لأعضاء الجماعة فقط حتي بعد أن أوصلتها أصوات الناس إلي الحكم. الفلوس تأتي للجماعة فقط وعلي بقية أفراد الشعب البحث عن رزقه من مصادر أخري لا شأن لهم بها. أعود إلي مصر، مصر هي الجائزة الكبري، وبضرب لبنان يصبح الطريق مفتوحا أمام جحافل جيوش الظلام لتزحف عليها، وبعدها لن تقوم لهذه المنطقة قائمة للألف عام القادمة. السيد أحمدي نجاد عبر توكيلاته لا يصدر الثورة إلي بقية بلاد المنطقة بل هو يصدر العدوان والفوضي. وهو لا يفعل ذلك دفاعا عن بلاده في مواجهة تهديد محتمل بل تحقيقا لرغباته هو في السيطرة علي الآخرين. ولو أنه اهتم قليلا بحاضر شعبه ومستقبله لكان أكثر حرصا علي ثروته التي يبددها من أجل الحصول علي المزيد من اللذة الناتجة عن إزعاج الآخرين. أقول لكل من اتخذ من السيد حسن نصر الله زعيما، قد ترون بلدنا رديئا ولكنه بلدنا. قد ترون مؤسساتنا خائبة ولكنها هي ما نملك وعلينا أن نصلحها بكل ما نملك من قوة. الدولة حتي بمؤسساتها الخائبة هو ما يحمينا في هذه المرحلة الصعبة. البحث عن زعيم هو انفعال يستولي علي الأطفال في الأيام الأولي لخروجهم إلي الشارع، كما ينتاب الأنظمة في طفولتها، من منا لم يكن له زعيم في الحارة؟ أقول ذلك لمن تربوا مثلي في الحواري. تخلصوا من انفعالات الطفولة التي أعترف أنها في أحيان كثيرة تشعرنا باللذة. لا قداسة لمخلوق علي الأرض، المقدس الوحيد علي الأرض هو الحياة نفسها بكل ما فيها من البشر العاديين. المقدس الوحيد هو الإجابة علي السؤال: كيف تتحقق مصالح الناس؟