تستغل الشركات الكبري الفراغ الذي سيخلفه اختفاء الصحف اليومية من خلال استخدام "أدوات إلكترونية رخيصة الكلفة لكي تصبح هي نفسها إلي ما هو أساساً مؤسسات نشر كبري." قال عدد من الخبراء في أمور الصحافة لموقع "يو إس إنفو" إن غالبية الصحف اليومية في كبريات المدن الأمريكية ستختفي في غضون السنوات العشرين القادمة، وأنه سيعاد ابتكارها علي شبكة الإنترنت وغيرها من "وسائل الإعلام الجديدة." فقد قال الكاتب والمستشار الإعلامي بول جيلين، المتخصص بمواضيع تكنولوجيا المعلومات، إنه لا يتوقع استمرار أكثر من أربع أو خمس صحف كبري لا غير، من ضمنها واشنطن بوست، ونيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، ويو إس إيه توداي. وأضاف حيلين، الذي يقيم في ولاية مساشوستس، أن تلك الصحف ستتمكن من الاستمرار لأنها اتخذت قرارات تجارية حكيمة باستثمار أموال لغرض توزيع منشوراتها علي صعيد قومي كي تستقطب مزيداً من القراء. وأشار جيلين، الذي يقوم بكتابة مدوّنة إلكترونية تدعي "رصد وفاة الصحف" أو بالإنكليزية Newspaper Death Watch إلي أن الصحف الأمريكية الرئيسية ما زالت تقدم أخبارا ذات قيمة. لكنه استطرد قائلا: "بيد أن النموذج التجاري المعتمد فيها سوف يختفي...فالعوامل الاقتصادية تعمل ضده." وما كان جيلين يعنيه بذلك هو أن الصحف تواجه خسائر مالية فادحة بسبب ارتفاع النفقات المترتبة عن وجود مجموعة كبيرة من الصحفيين ومن مصممي ومنتجي وموزعي السلعة (أي الصحيفة). وأوضح أن ما يفاقم الخسائر المالية هو ما تظهره الدراسات الديموجرافية من أن الأشخاص ما دون سن ال 30 لا يطالعون الصحف اليومية التقليدية المطبوعة، وإنما يقرأون الأنباء في معظم الأحيان علي الإنترنت. مستقبل واعد للصحف الصغيرة وقال جيلين إنه يتوقع "زيادة هائلة" فيما وصفه بالصحافة الصغيرة، المؤلفة من صحف مجتمع محلية يمكن للقارئ أن يطالعها (في السيارة أو الأوتوبيس أو قطار الأنفاق) أثناء انتقاله للعمل علي مدي 25 إلي 30 دقيقة. وقال إن النموذج الذي يمثل هذا الاتجاه هو شركة تدعي "مترو إنترناشيونال" تصدر صحفا مجانية، في كل من بوسطن وفيلادلفيا ونيويورك ومدن أخري حول العالم، ترمي إلي عرض الأخبار التي يقبل علي قراءتها الشبان المهنيون الناجحون في أعمالهم الطامحون إلي تحسين وضعهم الاقتصادي والاجتماعي. ويتوقع جيلين أيضا أن تستغل الشركات الكبري الفراغ الذي سيخلفه اختفاء الصحف اليومية من خلال استخدام "أدوات إلكترونية رخيصة الكلفة لكي تصبح هي نفسها إلي ما هو أساساً مؤسسات نشر كبري." وقال جيلين: "إننا نشاهد الآن فعلاً صحفيين محترفين يتحولون إلي ممتلكين لقدرات ناشرين كبار،" مما يعني أن "الحاجة إلي مقدمين محترفين للأخبار والآراء ستظل مرتفعة." كما سيكون من الضروري تدريب الصحفيين ليصبحوا مراسلين "لوسائل إعلام مختلفة"، بحيث يتعلمون كيف يصورون شريط فيديو "ميدانياً" يكون متمماً لتقريرهم. ومضي إلي القول إنه علاوة علي ذلك، سيتعين علي الصحفيين أن يصبحوا ما دعاه "تجميعيين،" أي أن التقرير الصحفي سيواصل توسّعه بعد نشره من خلال استخدام وسائل إعلامية جديدة مثل الفيديو والإذاعات الإلكترونية. وأردف:"سيكون لزاما علينا أن نتخلّص من فكرة أنه حالما ينشر التقرير الصحفي سيشكل ذلك نهاية العملية." فالصحفيون سيعملون بمثابة "قمع" تضاف بواسطته التحديثات والمستجدات باستمرار، وهو الأسلوب الذي تستعمله حاليا خدمة معلومات "ويكيبيديا" الإلكترونية. وكان جيلين قد ذكر في مدوّنة بتاريخ 14 فبراير، أنه لو كان الرئيس الأمريكي الأسبق توماس جيفرسون (حكم من 1801 إلي 1809) حيا يرزق اليوم "لكان صاحب مدونة نشيطا،" مشيرا إلي أن أساليب الإعلام الجديدة في عصرنا هذا تمثل "العملية الأكثر ديمقراطية التي طالت صناعة النشر خلال 500 عام." الموضوعية التامة في نقل الأنباء تعتبر أمراً عفا عليه الزمن يري ستيف بوريس، المدير المشارك لمركز تطبيق تكنولوجيا المعلومات التابع لجامعة واشنطن بمدينة سانت لويس لولاية ميسوري، أن الأخبار أخذت في التحول إلي جزء من "صناعة تسلية موحدة ضخمة، تتراوح ما بين الجدية جداً وغير المألوفة." وأشار بوريس، الذي يحرّر مدونة تدعي "مستقبل الأخبار"، إلي أن المراسلين الصحفيين سيكونون مجمّعين للقصص الإخبارية يضيفون أرائهم وتحليلهم الخاص إلي التقرير. وقال إن هناك "خرافة" تطورت علي مدي القرن الماضي تقول إنه يتعين نقل الأخبار بموضوعية أو تجرّد تام دون أن يزّج الصحفي رأيه الشخصي فيها. إلا أن اختيار المراسل للحقائق والوقائع التي يعتبرها ذات صلة بالقصة ويذكرها في تقريره تمثل بحد ذاتها رأياً هي أيضاً، إذ أوضح بوريس "أنها تمثل رأي (الصحفي) من حيث ما يعتبره مهما." وقال بوريس إنه كان من المفترض عند تأسيس الولاياتالمتحدة أن تضم أناساً يعبرون عن أنفسهم بحرية، ويناقشون القضايا. وكان التعبير عن الرأي يعتبر أمراً "مقدسا." وأشار بوريس إلي أنه قبل حوالي 100 عام "بذلت مساع لتحويل الصحافة إلي علم والصحفيين إلي ناقلين للحقيقة. وكان ذلك نموذجا دام أكثر مما ينبغي،" مشيرا إلي أن هذا "النموذج (القديم) بدأ يتهاوي". وأوضح بوريس أن الصحف الكبري من أمثال نيويورك تايمز وواشنطن بوست كانت تقليدياً هي التي تحدد مواضيع "المحادثة القومية" ثم تسير شبكات التليفزيون علي خطاها. وأضاف: "أما الآن فتسمح شبكة الإنترنت بالعديد جداً من المحادثات ولم يعد من الضروري غربلة الأخبار عن طريق سلسلة توزيع (صغيرة)." وكتب في مدونته أنه بعد "كفاح دارويني، (حيث يكون البقاء من نصيب الأقوي)، ستكون أخبار شبكة الإنترنت وسيلة الإعلام الوحيدة التي ستبقي في الوجود." الشعور بالأسف إن اختفت الصحف لكن هذه التغيرات المتوقعة في ميدان الصحافة لا تسر الجميع. فقد قال مراسل صحيفة النيويورك تايمز السابق تشارلز كايزر، مثلا، أن مطالعة الصحيفة الورقية تشكل، بالنسبة له، "عملية أفضل بكثير" من مطالعتها علي الإنترنت. وأضاف: "لا يوجد سبيل يمكنك من الاطلاع علي عدد من القصص خلال ساعة علي شبكة الإنترنت يعادل عددها حينما تتصفّح جريدة مطبوعة." وكايزر كاتب معروف ومراسل سابق لأسبوعية نيوزويك ويومية وول ستريت جورنال. وأشار كايزر الذي يضع مدوّنة تدعي Full Court Press إلي أنّ ما يؤرقه هو أن انقراض الصحف الورقية التقليدية ستكون له تداعيات سلبية غير مقصودة. وقال إن الاحتفاظ بعدد أقل من المراسلين لاسيما أولئك الذين يتقصون الأحداث سيعني "انخفاضاً في عدد الأمور التي ستخضع للتدقيق والتمحيص اللذين يشكلان الدور الأساسي الذي تقوم به الصحافة في مجال إبقاء الديمقراطية نابضة بالحياة.