ما خطة العمل التي وقعت عليها مصر مع الاتحاد الأوروبي أمس الأول المعروفة ب "سياسة الجوار"؟ وهل تصبح بديلا لاتفاقات المشاركة الأورومتوسطية المعروفة باسم مبادرة برشلونة، وما الذي يحققه التعاون بين الاتحاد الأوروبي والدول المتوسطية العربية؟، وما معني وتأثير انضمام إسرائيل إلي سياسات الجوار الجديدة؟ وهل يساعد وجود إسرائيل علي قيام الاتحاد الأوروبي بدور أكثر فاعلية في حل النزاع العربي الإسرائيلي والتوصل إلي سلام في الشرق الأوسط؟ الأجواء الاحتفالية التي شهدتها بروكسل، حيث مقر الاتحاد الأوروبي ومؤسساته الرئيسية لم تخف وجود كثير من التحفظات علي آفاق التعاون الأورومتوسطي خاصة في المجال السياسي، فأوروبا تحولت إلي محفظة مالية تدفع نفقات عملية التسوية السياسية، وأصبحت أكبر ممول للإصلاحات الاقتصادية والبرامج الاجتماعية للشعب الفلسطيني علي سبيل المثال، لكنها لا تملك تأثيرا سياسيا تجاه إسرائيل يمنعها من الإقدام علي تدمير المنشآت ومشروعات البنية الأساسية التي تمت إقامتها في المناطق الفلسطينية بأموال ومساعدات أوروبية. وعلي الرغم من أن الاتحاد الأوروبي عنصر رئيسي في اللجنة الرباعية الدولية المختصة ببحث عملية السلام، فإن الانفراد الأمريكي بالمفاوضات جعل هذه اللجنة بعيدة عن ممارسة دور رئيسي بصلاحيات فاعلة، وبالتالي جري تهميش دور الاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية والأمم المتحدة. وأبرز مثال يقدمه الناقدون للدور الأوروبي هو اعتماد الإدارة الأمريكية لمحور (6+2+1) الذي يضم دول مجلس تعاون الخليج الستة، ومصر والأردن إضافة إلي الولاياتالمتحدة كمنبر رئيسي للتفاوض وللحوار حول القضايا الرئيسية في الشرق الأوسط مثل الموقف في العراق وكيفية معالجته، والأزمة النووية الإيرانية فيما يتراجع الملف الفلسطيني إلي المرتبة الثالثة في الاهتمام الدولي، حيث تفرض الولاياتالمتحدة أجندتها السياسية. وفي إطار رغبة الاتحاد الأوروبي في لعب دور نشط تم الاتفاق علي أن تعقد اللجنة الرباعية الدولية المعنية بالشرق الأوسط اجتماعها القادم في القاهرة في شهر أبريل، بعد أن عقدت اجتماعين في شهر فبراير الماضي في برلين وواشنطن. ويجئ هذا التحرك في أعقاب جولات متتابعة قام بها مسئولون أوروبيون كبار للمنطقة، آخرها زيارة المفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية "بنيتا فيريرو فالدز"، حيث قامت بجولة شملت الدول التي ستشارك مع الاتحاد الأوروبي في صيغة سياسة الجوار الجديدة إلي جانب مصر، وهي الأردن وإسرائيل بالإضافة إلي الأراضي الفلسطينية. وتبرز مساحة من الخلاف بين الاتحاد الأوروبي والسياسة الأمريكية تجاه كيفية حل القضية الفلسطينية علي وجه الخصوص، ففرنسا مثلا أعلنت علي لسان رئيسها جاك شيراك أن اتفاق تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية يستحق الاهتمام، وتقديم المساعدات للسلطة الفلسطينية، وهو تطور يختلف عن موقف الإدارة الأمريكية التي تري وجود حماس في حكومة وحدة وطنية فلسطينية خطوة مرفوضة، وبالتالي لم تغير مواقفها بمقاطعة الحكومة الفلسطينية، وتكتفي بالتعامل مع رئيس السلطة الرئيس محمود عباس. كما أن المنسق الأعلي للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا أعلن خلال زيارته الأخيرة لرام الله علي أهمية المضي نحو نهاية خريطة الطريق، في إشارة إلي المفاوضات المعطلة حاليا حول إقامة دولة فلسطينية، وإلي ضرورة استئنافها للوصول إلي الاتفاق النهائي، والتوقف عن مناقشة اتفاقيات مرحلية. أكبر شريك تجاري لمصر هذا عن الدور السياسي الذي يمكن أن تقوم به أوروبا في الشرق الأوسط وهو دور مختلف عن الدور الأمريكي ويقترب إلي حد كبير من المطالب العربية ومبادرة السلام التي اعتمدتها القمة العربية كمشروع استراتيجي لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، فماذا عن العلاقات الثنائية بين مصر والاتحاد الأوروبي، وما إذا كانت اتفاقيات الجوار الجديدة تلك ستصب في مصلحة مصر؟ سفير الاتحاد الأوروبي في القاهرة وكلاوس إيبرمان يشرح ملامح تلك السياسة خلال لقاء في مقر المفوضية بحضور عدد من الصحفيين منذ أيام قليلة قائلا: "علاقاتنا مع مصر ناجحة جدا، وتنمو بشكل ملحوظ، ذلك أن 40% من حجم الأعمال والتجارة المصرية هي مع دول الاتحاد الأوروبي الذي أصبح بالتالي أكبر شريك تجاري لمصر بحجم 3.5 بليون يورو وبمعدل نمو للتجارة بمعدل 20% سنويا". أما عن سياسة الجوار فإنها كما يقول د. ايبرمان ستؤدي إلي مزيد من التشاور بين مصر والاتحاد الأوروبي بتأسيس هيئات للتشاور والتفاوض في جميع المجالات السياسية والاقتصادية، خاصة أن مصر تلعب دورا رئيسيا في عملية السلام في المنطقة وفي التعامل مع جميع قضايا الشرق الأوسط الملتهبة باعتبارها أكبر دولة عربية، ولذلك فالتشاور المستمر معها ضروري ومستمر سواء بشكل ثنائي أو من خلال الصيغ الأوسع في المؤتمرات الأورومتوسطية. اقتصاديا يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر داعم لمصر وتم تخصيص 203 بلايين يورو كمساعدات تنفق من خلال عدة برامج مختلفة، خاصة برامج التعليم والعلوم والتدريب، فتمت إعادة تأهيل 160 مدرسة في مدارس التعليم الأساسي، علاوة علي برامج التعليم المهني ومساعدة الأطفال المعوزين. وفي مجالات القطاع الصحي تمت إعادة تأهيل 112 عيادة ريفية تقدم الخدمات للأسر الريفية، علاوة علي دعم برنامج للتأمين الصحي. وهناك مجال التحديث في قطاع تكنولوجيا المعلومات وسوف تستفيد من برنامج مجتمع المعرفة بتكلفة 400 بليون جنيه للتعاون بين دول الاتحاد الأوروبي في مجال العلوم والتكنولوجيا، والمجال مفتوح لمصر للتعاون والاستفادة في هذا البرنامج. أولويات مصر أما عن سياسة الجوار الجديدة فهي في تعريف د. كلاوس ايبرمان تقوم علي استخدام مجموعة إضافية في الأدوات لتعزيز العلاقات مع أوروبا سواء في الشرق أو الجنوب، وقد شهدت المفاوضات مع مصر تحديدا للأولويات التي ترغب مصر في البدء بها حيث طلبت المعونات والمساعدات في مجالات العلوم والتعليم والتكنولوجيا، وبالفعل تم الاتفاق علي حافظة مالية لتطوير التعاون في تلك المجالات بقيمة 560 مليون يورو، ونصيب الأسد في هذا العام لتطوير التعليم. وهناك أدوات أخري لتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة، علاوة علي تقديم المساعدات لمصر في مجال الطاقة وتنمية استراتيجية هذا القطاع بدءا من التجديد والتطوير وتقديم القروض كما يحدث مع مشروعات إسالة الغاز في "ادكو" و"الإسكندرية" لتصدير الغاز المسال إلي دول أوروبية، كما أبدي الاتحاد استعداده لتقديم المساعدات لمصر في مجال الأمان النووي إذا ما طلبت مصر ذلك في إطار خطتها لإقامة معامل نووية للأغراض السلمية. ما الذي تريده أوروبا؟ وهنا يطرح سؤال، هل تقدم أوروبا كل تلك المساعدات لمصر والدول المتوسطية دون انتظار مقابل، الواقع يشير إلي أن هناك قضايا ومشاكل تؤثر علي الدول الأوروبية كما تؤثر علي الدول العربية، فالصراع العربي الإسرائيلي يؤثر علي استقرار أوروبا بأكثر مما يؤثر علي الأمن القومي الأمريكي بحكم الجوار والاقتراب، ولأن أوروبا عانت من وصول آثار هذا الصراع إلي أراضيها كما كان يحدث أيام عمليات اختطاف الطائرات الإسرائيلية، وعملية استهداف الفريق الرياضي الإسرائيلي في ميونيخ، علاوة علي تأثير الاستثمارات الأوروبية في الشرق الأوسط بأجواء الصراع في المنطقة. ولم يكن غريبا أن تكون معظم مشروعات السلام العربي الإسرائيلي متفرقة بعواصم أوروبية مثل مؤتمر مدريد للسلام، واتفاق أوسلو الإسرائيلي الفلسطيني الذي أثمر عن بناء السلطة الوطنية الفلسطينية والاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، أما الاتفاقات الأحادية الجانب فقد عقدت في أمريكا مثل مؤتمرات كامب ديفيد الذي أثمرت الاتفاقيات المصرية الإسرائيلية، والأردنية الإسرائيلية. وتهتم أوروبا الآن وبشكل متزايد بقضايا الهجرة العربية إليها، بعد أن أصبح الإسلام هو الدين الثاني في أوروبا، وفي بلد مثل فرنسا فإن هناك 5 ملايين مسلم، وبالتالي فإن مشكلات المجتمعات الإسلامية مثل الحجاب والتطرف والتعاطف والانتماء إلي مجموعات إسلامية أصولية أصبحت موضوعات تهتم أوروبا بها اهتماما كبيرا. وقيام الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات ضخمة للدول العربية المتوسطية، وضم الأردن إلي تلك البلدان لمساعدة هذه البلدان علي تحديث وتطوير اقتصادياتها وإيجاد فرص عمل جديدة، تحد من عمليات الهجرة نحو أوروبا التي تعاني أصلا من بطالة مواطنيها، واندفاع مواطني دول أوروبا الشرقية مثل بلغاريا وبولندا وتشكيا ولتوانيا ولاتفيا واستوانيا والمجر وغيرها التي انضمت إلي الاتحاد الأوروبي للبحث عن فرص عمل بأجور أفضل في دول أوروبا الغربية.