خبير منظمات المجتمع المدني ومستشار جمعية رجال أعمال أسيوط لا جدال أن المواد الأربع والثلاثين من الدستور التي طرحها الرئيس مبارك للتعديل شغلت الرأي العام وجمهرة المهتمين والمنشغلين بالعمل العام وانسحبت أيضا إلي قطاع عريض من المواطنين البسطاء وما بين مؤيد ومتحفظ ومعارض وساخط تراوحت الآراء وتباينت المواقف واشتد الجدل والنقاش. ومن بين هذه المواد المطروحة تظل المادة المتعلقة بالمواطنة هي الأكثر استحواذا للاهتمام وقدرة علي شحذ الخيال لرؤية مصر القادمة يعيش فيها الناس سواء وان يفعل حقيقة العقد الاجتماعي بين المواطن المصري ووطنه والآخرين من أبناء هذا الوطن بالعدل والتوازن في الحقوق والواجبات. لقد أحس الناس بفطرتهم أن هذه المادة بالذات هي ضالتهم وهي ان تعدلت في الدستور المكتوب وتفعلت في الواقع المنظور ستحل كل المشاكل أو اغلبها وستختفي من بلادنا اشياء كثيرة قبيحة ومذرية ومشينة وستنفجر طاقات الإبداع الكامنة وستنطلق امكانات المصريين الحقيقية. والمواطنة التي نعنيها ليس فقط هي تلك التي نعني بها استيعاب عنصري الأمة من مسلمين ومسيحيين في بوتقة العمل الوطني القائم علي المساواة والعدالة وانما المواطنة التي نعنيها هي أعمق وأشمل من هذا فنحن نريد وطناً للجميع لايرتدي علي عينيه سوي نظارة العدالة والانصاف وطناً يتخلص من حصيلته التاريخية المليئة بالاستثناءات والتجاوزات والمجاملات. فكلنا نعلم ان المواطنة مسحوقة ومهزومة ضعيفة وذليلة أمام كلمة (أنت متعرفش بتكلم مين) المواطنة كلمة هشة أمام مقولة (الناس مقامات) نحن ياسادة نحتاج إلي اكثر من تعديل دستوري يتحدث عن المواطنة فالدستور الحالي والذي قبله وكل الدساتير لم تبتعد عن المثاليات ولكن افيدونا كيف نصنع هذه المواطنة وكيف نقيمها وكيف نحميها علي ارض الواقع؟ كيف نحقق المواطنة كما حققها عمر بن الخطاب حين أمر بأن يقتص ابن القبطي المصري من ابن عمرو بن العاص حاكم مصر ويقول قولته الشهيرة (متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً). مازلت اتذكر مقولة احد المصريين العائدين من باريس حين قال لي بيأس لن نتقدم إلا اذا فعلنا كما فعلوا في فرنسا فسألته ماذا فعلوا في فرنسا قال لقد رأيت ميشيل جوبير اشهر وزراء خارجية فرنسا يجلس علي محطة المترو ممسكاً بجريدة اللوموند ومنتظرا المترو كغيره من المواطنين أما نحن فأي مسئول ليس مسئولا سوي عن إرباك الشارع بموكبه وحراسته في الرايحة والجاية وليذهب الناس إلي الجحيم. لقد رأيت بعيني رأسي ولم يقل لي أحد وفي شارع رمسيس أهم شوارع مصر علي الاطلاق رئيس تحرير صحيفة مصرية سابقا وكان مهما يوما ما يوقف له المرور في هذا الشارع حتي يمر بسيارته وحراسة موكبة من الاتجاه المعاكس وسلملي علي المواطنة!! هل يستطيع مواطن مصري يمتلك الفكر والخبرة والمهارة ان يحلم بأن يكون محافظا أو سفيرا أو وزيرا إلا إذا كان ينتمي لاحدي القبائل الاربع أو الخمس التي باتت تحكم مصر منذ حمسين عاما (الجيش الشرطة القضاء الجامعة الخارجية) لترث نفس الكوتة القديمة التي كانت سائدة ومازالت في الريف المصري لتتوزع مناصب العمدة وشيخ البلد والمأذون والدلال والصراف علي بعض الاسر بعينها دون غيرها. وهل نستطيع ان نفرز رئيسا للوزراء كجون ميجور الذي كان علي رأس وزراء بريطانيا تلك الدولة التي تحمل ميراثا عريقا من التقاليد وكانت إلي يوم قريب امبراطورية لاتغيب الشمس عن املاكها. ومع ذلك نصبت ميجور رئيسا لوزرائها ولم يكن سوي حامل لشهادة دون المتوسط وكان يعمل كصبي بقال. ولكن وفي ظل الحرية الحقيقية والديمقراطية السليمة انطلق إلي سدة الحكم دون قيود أو عراقيل أو ألاعيب. لقد اهترأ الثوب المصري الملئ بالاستثناءات وبات في خطر عظيم ولم يعد يجدي معه الرفي أو الترقيع وانما نحن في اشد الحاجة إلي ثوب جديد ونحتاج إلي بنيان يحقق المواطنة بمفهومها الديني والاخلاقي والحضاري. نريد مواطنة حقيقية تضمن لهذا الوطن ولاء قائماً علي المصلحة والحب والاقتناع وانتماء يدفع للتضخية بالمال والنفس دون تردد أو تخاذل عند أي خطر. وهذا لن يتحقق إلا بالمساواة والعدالة والحرية والعدالة التي نعنيها تتعدي العدالة القانونية وتتجاوزها إلي منح الفرصة للجميع من أبناء هذا الوطن دون فرز إلا علي اساس الكفاءة. أما الحرية التي ننشدها فهي الحرية المسئولة والتي عبر عنها بعبقرية جان جاك روسو حين قال (لا حياة للأمة بلا حرية ولا حياة للحرية إلا بالفضيلة). ان الاهتمام غير المسبوق بهذه المادة هو تعبير عن احتياج حقيقي للمجتمع المصري لهذا التغيير ورغبته في اقتلاع كل جذور الامتيازات والاستثناءات تلك الآفة التي عرقلت نمو هذا الوطن ونماءه وحداثته وتدهورت بحاله واحواله وابعدت عن منظومته الخلصاء والاكفاء واتت بمن يمتلكون الكروت والتوصيات.