باتت قضية المواطنة واحدة من أبرز القضايا القومية، إن لم تكن أم القضايا، التي تشغل بال الكثيرين من المثقفين والمفكرين المصريين، وذلك من سنوات عدة بسبب أهميتها وتعلقها في المقام الأول بحياة المواطن المصري علي أرض مصر وارتباطه بوطنه. ومن ثم لم يكن غريبا أن تشغل هذه القضية صفحات الصحف المصرية طيلة السنوات الماضية، كما جاءت كلمات السيد الرئيس محمد حسني مبارك في حوار التعديلات الدستورية الأخيرة (يوم 26 ديسمبر 2006) استجابة حقيقية لهذا الموضوع. حيث أتذكر هنا كلمات الرئيس مبارك وهو يقول أمام أعضاء مجلس الشعب والشوري: "كلنا مصريون.. كلنا أبناء لهذا الوطن.. وكلنا متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات.. لا تفرق بيننا عقيدة أو دين.. ولم نعرف عبر تاريخنا انقساما دينيا أو طائفيا.. وعندما نمضي في بناء مستقبل الوطن فإننا نحقق ذلك بفكر وسواعد أبناء مصر.. المسلمين والأقباط". فقد طلب الرئيس مبارك تأكيد مبدأ المواطنة بديلا عن تحالف قوي الشعب العاملة في المادة الأولي من الدستور. والواقع أن المواطنة، وكما يشير كل المفكرين ومنهم الراحل المستشار الدكتور وليم سليمان قلادة إنما تقوم علي عدة أركان رئيسية منها الانتماء للأرض والمشاركة والمساواة في الحقوق والواجبات، فيكون لكل مواطن نفس الحقوق كما تكون عليه نفس الواجبات، حيث تتحول الأرض إلي "وطن" والإنسان الذي يعيش عليها ويشارك في صياغة مقدراتها إلي "مواطن".. ونقصد بالطبع مواطن فاعل يقوم بالفعل والعمل ولا يكتفي بأن يجلس في مقعد المتفرجين. وحقيقة الأمر أن المواطنة وبالدرجة الأولي إنما هي ممارسة حياتية بين المواطنين وبعضهم البعض، وليست فقط علاقة قانونية بين المواطن والسلطة، وهنا يبرز دور المؤسسات الثقافية والتعليمية والإعلامية في دعم وتفعيل ونشر ثقافة المواطنة بين المصريين، من حيث التأكيد علي أن الجميع مصريون قبل كل شيء.. لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، مع تأكيد خطورة خلط السياسة بالدين والعكس. ومن ثم فإنه ينبغي زرع تلك المعاني الجميلة في نفوس الأطفال والنشء الصغير وتربيتهم منذ الصغر علي قيم الحب والتعاون والتسامح وعمل الخير.. إلخ، وذلك مثلا من خلال الأنشطة المشتركة والمناهج التعليمية والبرامج التليفزيونية.. إلخ. لذا فإنه من الضروري تفهم جميع مشكلات وهموم المواطن المصري.. مسلما كان أم قبطيا، مع السير بخطي سريعة ومن خلال إدارة جيدة نحو علاج تلك المشكلات علي مختلف تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بما يرضي الجميع ويحقق أمن وسلام واستقرار الوطن ومجتمعنا المصري، وهنا ينبغي التأكيد علي أهمية إدارة عملية تفعيل المواطنة وعلاج الأزمات الطائفية التي قد تصاحب بعض الخطوات الجادة، ذلك أن الإدارة الجادة والحكيمة إنما تؤدي إلي نتائج سليمة والعكس. إن لنا في ثورة المصريين سنة 1919م والتي قاموا بها من أجل مناهضة الاستعمار الأجنبي، وطلب الاستقلال التام خير مثال، وهو أيضا المثال الذي ساقه الرئيس مبارك في حديثه المشار إليه أعلي المقال، فقد ساد بينهم في ذلك الزمن شعار عظيم تقول كلماته: "الدين لله والوطن للجميع"، كما انتشرت عبارة الأستاذ سينوت حنا: "الوطنية ديننا والاستقلال حياتنا"، حيث عاد الدين إلي القلب باعتباره مكانه الآمن والطبيعي الذي يحفظ له قداسته، بينما وفي الوقت نفسه تقدمت علي السطح معاني المواطنة والمصير الواحد والعيش المشترك. أعزائي.. إن المواطنة في الواقع هي التي تضمن للمجتمع المصري ليس فقط استقراره وأمنه، ولكن أيضا نموه وتطوره، ومن ثم فهي حصن أمان لكل المواطنين المصريين.