خيبتنا في نخبتنا.. معني مر كالعلقم كتبت عنه غير مرة أحاول أن أفسر معطيات سالبة تعطل حركة الجماهير في بلادنا العربية وتجعل المشهد العام راكدا رغم انتعاشه من حولنا في أماكن مختلفة من المعمورة شرقا وغربا فقد وجدنا شعوبا لا تحظي بخبرات حضارتنا الإسلامية والعربية عبر التاريخ انتفضت وفرضت كلمتها فيما يجري باسمها في دهاليز الحكم والسلطة، وأيضا في كهنوت الثروة وتقسيمها والسيطرة عليها. كثيرون يفترضون في الشعب المصري الخوف من القمع واستكانته، وآخرون يعلون من معيار «لقمة العيش» والفقر وانخفاض متوسط الدخل لمراحل لا تخضع لمقاييس علمية أو اجتماعية صحيحة معتبرة، وأكيد هناك قلة تفسر صمت الشعب وإحجامه برضاه عن «الحزب الوطني الحاكم» وبرأيي المتواضع أن هؤلاء جميعا لم ينصفوا قد تكون هناك نسب مئوية لتلك المعايير لكنها لا تتداخل في الموقف العام للشعب. الشعب المصري لا يثق في الحكومة المصرية هذا مؤكد لا مرية فيه ولا شك عاني الشعب استبداد السلطة علي مر العقود المتتالية عاني القهر والظلم والتعذيب والكبت والحرمان والفقر، خمسون عاما علي الأقل وهو يعاني لكنه في الوقت نفسه لا يثق في المعارضة ولا يجد في دوائرها من لديه القدرة علي تحمل كلفة المواقف النضالية وسبق أن أشرت لتلك المعاني في مقالي الذي نشرته من أسابيع قليلة حول ابلرادعي والمحيطين به بما يغنيني عن إعادتها. كانت الوثيقة التي فجر أسرارها الكاتب المصري «عمار علي حسن» عن صفقة وقعت بالأحرف الأولي بين الحزب الوطني الحاكم وبعض الأحزاب المعارضة علي إحلالها محل «الإخوان» في البرلمان المصري في الانتخابات التشريعية القادمة، وهذا يعني بمفهوم المسايرة رضاها عن التزوير الذي يعتزم ممارسته والاعتداء علي إرادة الشعب وتلفيق ممثلين مزورين له في البرلمان!! زلزالا لم يزل يترك آثاره في الحياة السياسية المصرية ورغم أن أقدم تلك الأحزاب وهو «الوفد» نفي هذه المعلومات وحرك بلاغات عديدة ضد الصحيفة التي نشرت هذا الخبر وتفاصيل الصفقة فإن الجريدة لم تعتذر حتي تاريخه وصديقنا المفكر المصري لم يزل متمسكًا بما كتب، ولا أتزيد لو قلت حتي لو نفت الصحيفة التي نشرت تفاصيل الصفقة عما نشرته ولو اضطر الكاتب للاعتذار. فإن تقدير تحرك الأحزاب المشار إليها في عيون الشعب بما يحجب ثقته عنها أكبر من الوثائق والمستندات الكاشفة والتي لم تكن منشئة لهذه الحقيقة فالشعب بات ينظر إلي هذه الأحزاب علي أنها شيء مكمل للحزب الحاكم لا تتحرك إلا بضوء أخضر من دوائر السلطة يسهرون معا ويلتقون معا ويجتمعون معا في الغرف المغلقة يتفقون علي توزيع الأدوار ويتفقون علي مستوي المعارضة في نبرات صوتها وفي حسم سطورها وفي حجم النقد الذي يقدمونه!! والسؤال الذي يحتاج لشفافية في البحث والرصد قبل الاجابة: ما السبب في عدم حصول هذه الأحزاب علي مقاعد مناسبة في الانتخابات البرلمانية السابقة؟ ما سبب عدم إقبال الجماهير علي مؤتمراتها الآمنة داخل مقاراتها؟ وعدم إقباله علي فعالياتها؟ الشعب لم يعد يثق فيها، القوة الوحيدة التي لديها القدرة علي شحن وحشد طاقات الجماهير هي التيار الإسلامي وأبرز فصائله «الإخوان المسلمون» والانتخابات الأخيرة في مصر أسفرت عن قوتين أساسيتين هما: الحزب الوطني والإخوان المسلمون!! لكن الإخوان يتعرضون لمضايقات أمنية كثيرة لتعطيل حركتها وإضعاف اقتصادها وبالتالي إرهاق كوادرها وتحجيم تواصلها مع الشارع اكتفي قادة الأحزاب المصرية «بالبرستيج» الذي منحته إياهم دوائر السلطة سواء باستقبال الرئاسة لهم ودعوتهم للصفوف الأولي في المناسبات الكبري المختلفة وتعيين بعضهم في مجلس الشوري ومنحهم مخصصات مالية سنوية للصرف منها والسكوت عن تجاوزات بعضهم في مجالات مختلفة في أحزابهم أو أعمالهم الخاصة وتوفير سبل «البزنسة». لا يتوقف الأمر برأيي علي الأحزاب السياسية التي كانت توصف بالمعارضة أو بعض النخب التي اعتادت تصدر المشهد محسوبة علي المعارضة الشعبية لكن والأخطر أن دوائر أخري داخلنا باتت تضيق بالرأي الآخر ولي في هذا تجربة مؤلمة عند تعرضي لبعض القضايا التي أرسل لي فيها بعض المواطنين شكاوي عرضتها وعندما وردت الردود من الشركة المشكو في حقها ونشرتها ضاقت صدور الشاكين بمجرد نشري للرد رغم أنه حق أصيل لست أدري هل استقر الاستبداد داخلنا كشعب من كثرة ما استوعبناه وألفناه؟! أيضا الأخطر علي المؤسسات الإعلامية التي توصف بالخاصة أو المستقلة أو المعارضة والتي اكتسبت أهميتها وزادت مبيعاتها نتيجة إقبال الشعب علي قراءتها هربا من المؤسسات القومية أو الحكومية وأصبحت برامج التوك شو تنفذ بإتقان لتؤدي مهمة محددة هي تنفيس مصادر الكبت لدي الشعب وهي مهمة يؤديها البعض بمهارة وتخطيط، خاصة في التليفزيون المصري الرسمي فبرنامج «البيت بيتك» الذي تحول ليصبح «مصر النهاردة» أكبر دليل علي هذه السياسة الانتهازية فالذي يختار ضيوف البرنامج أحد المسئولين البارزين في الإعلام المصري يشاع أنه وزير الإعلام شخصيا ولا يسمح طبعا بإثارة قضايا حقيقية ولا باستضافة معارضين حقيقيين، وإنما تثار قضايا وهمية تشغل الناس أو يشغلون بها الناس، وبالطبع الضيوف في حدود تلك القضايا، والقنوات الخاصة المصرية لا تختلف كثيرا عن الشاشة الرسمية الحكومية إلا من بعض برامج المحدودة جدا فحاول أصحابها أو محاوروها أداء دور جاد قدر استطاعتهم في صدارتهم الإعلامي معتز الدمرداش فبرنامجه الوحيد الذي تعامل مع قضية غرق العبارة السلام 98 بحياد شديد وموضوعية وشفافية ومهنية وغيرها من القضايا بينما إعلامي شهير علي قناة سعودية لبرنامج مصري يدغدغ عواطف المشاهدين في قضايا، محددة لا يستطيع تجاوزها وعند القضايا الجادة المرتبطة بمستقبل الديمقراطية في البلاد ينحاز فورا إلي دوائر السلطة والحكم!! ساذج من يتصور أن الصحف الخاصة في مصر لديها هامش حرية حقيقي ذلك وهم لا أساس له من الصحة قد يكون لها هامش أكثر اتساعا طبعا من الصحف القومية الحكومية لكن البون شاسع جدا بينها وبين مضمار الحريات العامة والنزاهة ومعايير المهنة. كتبت في صحف خاصة جدا عن قضايا فساد وتربح واتجار لكنها ضاقت بما أنشر وتوقفت مقالاتي لأسباب غامضة رغم أن ما كتبته موثق بالمستندات.. ونتكلم عن التغيير والإصلاح.. عجبي!!