إنها الحلقة المفرغة ذاتها التي تدور فيها جدالات السياسة المصرية منذ صحوة الإخوان في السنوات الأخيرة، وزادت حدة المخاوف والاتهامات والتصريحات المقلقة المتوترة بعد نجاح الإخوان في حصد 88 معقدا من أصل 444 مقعدا في انتخابات مجلس الشعب أواخر عام 2005 وبصرف النظر عن نظرية المؤامرة التي تحدثت عن صفقة سرية وغامضة الأهداف نجح الإخوان بموجبها في اجتياح مجلس الشعب فإن الهاجس الأكبر لدي جميع اللاعبين السياسيين كان شبح دولة الإخوان. إنهم يريدون السلطة كوادر الجماعة نفسها لا تخفي هذه الحقيقة لكن الخوف الأساسي كان من شكل هذه الدولة ومخاطرها المتوقعة فيما يتعلق بملفات الحريات الديمقراطية والمواطنة والمواطنين المسيحيين والزكاة والجزية والشريعة الإسلامية وسلطات الرئيس وسلطات المرشد. من هنا تأتي أهمية هذه المباراة الاستراتيجية الأولي من نوعها بين أنصار الدولة الإخوانية الدينية من جانب ويمثلها الدكتور محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام وأحمد سيف الإسلام عن التيار المتشدد وأبوالعلا ماضي عن حزب الوسط وضياء رشوان الكاتب الصحفي المقرب من الجماعة ومكارم الديري ممثلة عن صورة المرأة في تلك الدولة الدينية. في المقابل كان ممثلو الدولة المدنية الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب والدكتور علي الدين هلال عن الحزب الحاكم والدكتور رفعت السعيد عن حزب التجمع ود. سلوي شعراوي ممثلة المرأة المدنية ومنير فخري عبدالنور عن حزب الوفد. وراقب هذا الصراع الاستراتيجي الدكتور عبدالمنعم سعيد كمراقب عام والمفكر جمال البنا كمراقب للاتجاه الديني عبدالقادر كمراقب للاتجاه المدني، أضاف إلي كل من الدكتور رفعت سيد أحمد مدير مركز يافا للدراسات والدكتور عبدالله عبدالحي عميد كلية أصول الدين الأسبق كضيفي شرف أثناء المواجهة. الدكتور محمد حبيب يقول إن الساحة المصرية المعارضة فيها سوي الإخوان الذين ينافسون النظام وليس الحزب الوطني، ويضيف أن الجماعة لديها نموذج ديمقراطي في انتخاباتها الداخلية ويؤكد أن دولة الإخنوان ستفرق بين منصب رئيس الجمهورية ومنصب المرشد العام فكلاهما سيكون موجودا وكلاهما ستكون له صلاحياته. أما فيما يتعلق بالمسيحيين فقد أكد حبيب أنهم سيدفعون ضرائب مضاعفة بديلا عن الزكاة التي سيدفعها المسلمون وأن بنك فيصل يعمل في مجال الزكاة لذلك لا يقبل التعامل مع مسيحيين مشيرا إلي أن الجزية ليست واردة... وقال أيضا إن الجماعة لم تحدد مصير المسيحيين في دولتها لأن الجهاز المركزي للإحصاء يرفض إعطاء معلومات عن أعداد المسيحيين في مصر وختم كلامه في هذا الشأن بأنه لا يريد الحديث حول هذا الموضوع حاليا بل سيتأتي في حينه. لكنه اقترح وضع ملحق خاص في الدستور حول وضع المسيحيين في دولته. واعترف حبيب صراحة أنه يريد لمصر أن تكون شبيهة بإيران كما ألمح في كلام يقترب لحد الصرامة إلي أن حماس تعمل كفرع للإخوان في فلسطين. أحمد سيف الإسلام يشدد علي أن الإسلام لايعترف إلا بالدولة التي تطبق الشريعة الإسلامية كاملة واعتبر هذه الشريعة بمثابة دستور فوق الدستور مشيرا إلي الإسلام نشأ قبل الدولة وأن الدولة ما جاءت إلا لتحمي الإسلام. أبوالعلا ماضي يقول إن القرآن والسنة لم يرد فيهما تحديد صريح لشكل الدولة وأن منطق الخلافة لم يعد ممكنا علي اعتبار أنه كان وليد زمانه أما الآن فإن المطلوب بحثه ليس إنشاء دولة إسلامية لأنها قائمة بالفعل بل المطلوب هو تفعيل المبادئ الإسلامية في تلك الدولة. ضياء رشوان يقول إن الأمر يجب أن يترك لاختيار الجماهير التي سيكون بمقدورها مراقبة أداء الإخوان إذ وصلوا للحكم مشيرا إلي أن الجماعة ستتحول إلي انتهاج الديمقراطية الحقيقية علي أمل البقاء في الحكم. مكارم الديري تقول إن الجماعة تمنع السيدات من مجلس شوراها لأن لديها قناعة بأن المرأة لها دور تربوي لذلك فإن مكارم لا تجد غضاضة في إعلان رفضها لتخصيص نسبة من مقاعد البرلمان للمرأة. الدكتور فتحي سرور يفند مزاعم الإخوان حول إمكانية أن تتصف دولتهم بالمدنية فهم حسب كلامه يرفضون التعددية بل أكد أن أصحاب الفكر الديني بوجه عام لا يصلحون للحكم فالحكم يتأسس علي المواطنة وليس علي الدين، واتهم الإخوان بأنهم يخلطون بين الإسلام كدين وبين الشريعة كقانون. الدكتور علي الدين هلال ينتقد توجهات العزلة التي ستعيشها دولة الإخوان ويقول إن المصلحة الوطنية العليا تحتم التفاعل مع العالم كله وعدم الاكتفاء بالدول الإسلامية حسبما يخطط الإخوان. الدكتور رفعت السعيد يقول إن الإخوان بعقليتهم الجامدة لن يستطيعوا التعامل مع الواقع واستشهد بمقولة عمر التلمساني الشهيرة كن بين يدي مرشدك كالميت بين يدي مغسلك مشيرا إلي أن هذا هو اختصار ديمقراطية الإخوان. منير فخري عبدالنور يقول إن الإخوان مازالوا في عام 2007 يتحدثون في أمور عفا عليها الزمن وأنه لا مكان للدولة الدينية في العالم المتحضر كما اتهم الإخوان بالتفريق بين المواطنين علي أساس العقيدة مبديا دهشته من الحديث عن الزكاة والجزية في حين أن هناك شيئا يسمي الضرائب يدفعها المسيحيون مثل المسلمين دون تفريق. والدكتورة سلوي شعراوي هي أيضا تتهم الإخوان بالتلاعب بالمرأة التي بذلت جهدا كبيرا في حملة الإخوان الانتخابية وبعد نجاحهم انتهي دورها تماما. وقالت أيضا إن موقف الجماعة من المرأة واضح فرغم أنهم احتلوا المركز الثاني في قائمة أعداد المرشحين فإنهم لم يرشحوا سوي امرأة واحدة.