الدكتور رشدي سعيد واحد من ابرز رجال العلم في مصر واستاذ الجيولوجيا الذي بزغ نجمه عندما اتيحت له الفرصة لتولي ادارة مؤسسة التعدين والابحاث الجيولوجية في الفترة من 1968 حتي 1977 الي جانب دوره في الاكتشافات التعدينية التي مكنت مصر من التغلب علي ما فقدته بعد احتلال سيناء، كما اتيحت له فرصة العمل السياسي في فترة الستينيات والسبعينيات كعضو في مجلس الشعب وفي الاتحاد البرلماني الدولي. لكن مفاجآت الدكتور رشدي سعيد كانت برفضه لفكرة ممر التنمية في الصحراء الغربية والذي اقترح عمله الدكتور اسامة الباز والذي قال انه سينقل مصر نقلة كبري نحو المستقبل رشدي سعيد قال إن صخور المنطقة وتكوينها الجيولوجي لا يعطي كميات المياه اللازمة لزراعة هذه المساحات او اقامة مجتمعات عمرانية جديدة وقد سبق ان رفض سعيد مشروع توشكي، مؤكدا ان كميات المياه المتاحة لمصر لا تمكنها من زراعة هذه المساحات وانها في حاجة بشرية لهذه المياه. ولقد قدم الدكتور رشدي سعيد تصورا غير تقليدي لموضوع تعمير الصحراء، فهو ينظر اليها علي انها مكان للامتداد الحضري ولبناء الصناعة عليها ولا يربطها بالزراعة؛ لانه يعتبرها بيئة غير مناسبة لها مهما كان هذا الامر صادما للبعض. ويعتمد مشروع رشدي سعيد علي تعمير جزء من الصحراء يرتبط بوادي النيل بشبكة محكمة من المواصلات والاتصالات ويقترح اقامته في المنطقة الواقعة شمال الصحراء الغربية والتي يحدها البحر المتوسط من الشمال ومنخفض القطارة وواحة سيوة من الجنوب بسبب اعتدال مناخها وانبساط تضاريسها وقربها من مناطق الطاقة ومراكز العمران والبحر. وللاسف فلقد تجاهلت الحكومة مشروع سعيد الذي قدمه في اخر ما كتب حتي الان وهو كتابه الذي نشرته دار الهلال في مارس 2004 عن مستقبل مصر حيث يتصور فيه ما ينبغي ان تكون عليه مصر خلال ال 30 او ال 40 سنة المقبلة لتصبح دولة قادرة علي مجابهة تحديات المستقبل ومستفيدة من ثرواتها الطبيعية، ولقد وضع د. سعيد تصوره من واقع الامكانيات المادية في مصر التي يبحث في استخدامها الاستخدام الامثل دون تبديد. ويعرض الكتاب مشروعا طموحا يغير شكل مصر من الحاضر الي المستقبل من خلال اعادة توزيع مراكز العمران ونشرها في الصحراء التي تشكل معظم ارض مصر. ويضم الكتاب عدة ملفات مهمة فالملف الاول يتحدث عن صحاري مصر وعن الاستخدام الامثل للاراضي والمياه والطاقة ومن افكاره اعلان الدلتا ووادي النيل محمية طبيعية ثم يتناول امكانيات مصر، اما الملف الثاني فيتناول قضية المياه في مصر حيث كان للدكتور رشدي وجهة نظر في مشروع توشكي كصيحة تحذير من الاقدام علي المشروع وان مصر ليس فيها ماء يمكن الاستغناء عنه للبدء في مشروع توشكي وله رأي مخالف للسياسة المائية في مصر، اما الملف الثالث فيتناول قضية الطاقة وامكانيات استخدام الغاز الطبيعي في مصر. فهذا الكتاب نتيجة عمر كامل قضاه المؤلف في دراسة موضوع تعمير الصحاري من الوجهتين النظرية والعلمية.