أثار تقرير "مجموعة دراسة العراق" الذي تم إعلانه مؤخراً، الكثير من المناقشات في الولاياتالمتحدةالأمريكية، رغم أن معظم ما جاء فيه كان متوقعاً سلفاً. ومن المعروف أن هذا التقرير قد تم إعداده بواسطة لجنة مكونة من الحزبين الرئيسيين في الولاياتالمتحدة، يشترك في رئاستها كل من "جيمس بيكر" و"لي هاميلتون"، وأن ظهوره قد جاء في وقت كانت الغالبية العظمي من الجمهور الأمريكي تبحث فيه عن نهج جديد للتعامل مع موضوع العراق. يذكر أن الرئيس جورج بوش كان يتعرض لضغط شديد كي يغير سياسته في العراق، خصوصاً وأن استطلاعات الرأي تظهر أن نسبة الأمريكيين الذين يؤيدون هذه السياسة لا تزيد حالياً علي 17 في المائة. وقد جاءت انتخابات الكونجرس الأخيرة، لتضيف مزيداً من الضغوط علي الرئيس بوش، لأن الموضوع العراقي هو الذي لعب الدور الأكبر في الخسارة الكبيرة التي تعرض لها الحزب "الجمهوري" في مجلسي الكونجرس، والتي أفقدته السيطرة التي تمتع بها طويلاً في ذينك المجلسين. والدعوة لإجراء تغيير في السياسة الأمريكية في العراق لا تقتصر علي الأعضاء "الديمقراطيين" في المجلسين، ولكنها تشمل أيضاً البعض من "الجمهوريين" البارزين. وقد جاء "تقرير بيكر- هاملتون" كي يوفر دافعاً قوياً لتغيير المسار في العراق، وخصوصاً أنه قد تم الاتفاق علي ما جاء فيه بإجماع أعضاء المجموعة، وعلي رأسهم جيمس بيكر الذي شغل من قبل منصب وزير الخارجية الأمريكي في إدارة بوش الأب. وقد وعد بوش الذي يقوم حالياً بدراسة التقرير وغيره من المقترحات، بإعلان قراره خلال الأسابيع القليلة القادمة، ولا أحد حتي الآن يعرف ما الذي سيقرره. فالتقرير يحثه علي التخلي عن سياساته الراهنة في مجالين رئيسيين، وفي عدد من المجالات الأخري الأقل أهمية. فما هي هذه المجالات؟ التوصية الرئيسية التي احتوي عليها التقرير، والتي تحظي بأكبر قدر من الاهتمام، هي تلك التي تدعو حكومة الولاياتالمتحدة إلي سحب قواتها المقاتلة من العراق خلال فترة لا تتجاوز عام 2008 بشرط تحقيق "علامات تقدم فاصلة" أولاً في طائفة من الموضوعات التي تشمل المصالحة والأمن والحكومة الرشيدة، في العراق. فتحقيق تقدم في هذه المجالات هو الذي سيسمح للأمريكيين بالانسحاب. يذكر أيضاً أن بوش كان يرفض سلفاً، وعلي نحو مستمر، الالتزام بأية جداول زمنية أو أية علامات فاصلة. أما الآن فقد أعاد المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، التأكيد علي أن الانسحاب الأمريكي قبل تحقيق "النصر" سيكون أمراً كارثياً، سواء بالنسبة لأمريكا أو بالنسبة للمنطقة ككل. وقد جاء ذلك التأكيد من قبل المتحدث باسم البيت الأبيض، رغم أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي نفسه تنبأ بأن العراق لن يكون في مستهل السنة القادمة بحاجة إلي دعم مباشر من قبل الولاياتالمتحدة. أما التوصية الثانية الرئيسية، والتي تتناقض تناقضاً مباشراً مع نهج بوش، فهي تلك التي تطالبه بشن "هجمة دبلوماسية جديدة"، وذلك من خلال تأسيس مجموعة تعرف ب "المجموعة الدولية لدعم العراق"، والتي ستضطلع بالدعوة لعقد اجتماع للجامعة العربية أو للمؤتمر الإسلامي، وبالتعامل المباشر مع كل من سوريا وإيران. وعقد اجتماع لمجموعة دعم العراق التي ستضم كل جيران العراق ودول مجلس التعاون الخليجي، وغيرها من الدول، لن يكون أمراً جديداً بالنسبة للرئيس بوش. خلال أسابيع قليلة سنعرف ما إذا كان بوش سيستمع إلي نصيحة خارجية تأتيه عن طريق آخر غير طريق مستشاريه أم لا... ولكن يجب علينا ونحن في انتظار ذلك أن نعرف أنه هو في النهاية من يصنع السياسة بحكم صلاحياته كرئيس، وأن بيكر ومجموعته والكونجرس الذي يسيطر عليه المعارضون... جميعاً لا يستطيعون أن يجبروه علي تغيير مساره!