كل نحو سنتين، تنتظر المؤسسة السياسية في واشنطن بترقب وحذر آخر كتب نجم صحيفة "واشنطن بوست" الصحفي "بوب وودورد". ذلك أنه بفضل قدرته علي الوصول إلي مصادر مؤكدة وموثوقة، يقدم "وودورد" لجمهوره معلومات وتحاليل مثيرة حول إدارة البلاد. كما يركز علي المعارك الطاحنة التي تدور داخل المؤسسة السياسية في واشنطن حول عدد من قضايا الساعة الكبري؛ وبطبيعة الحال، فإن حرب العراق هي الطاغية علي كتابه الأخير الذي يحمل عنوان "حالة الإنكار". إنه الكتاب الثالث الذي يؤلفه: "وودورد" حول سنوات حكم الرئيس بوش. أما الأول، فهو "بوش في حرب"، الذي صدر في 2002 وتناول تداعيات هجمات الحادي عشر من سبتمبر والحرب في أفغانستان. والكتاب الثاني هو "مخطط الهجوم" الذي صدر عام 2004 وسلط فيه الكاتب الضوء علي القرارات التي أفضت إلي حرب العراق والأشهر الأولي من العمليات العسكرية. وقد كانت ل"وودورد" أثناء تأليف هذين الكتابين إمكانية الوصول إلي الرئيس بوش شخصياً، ويظهر فيهما بوش عموماً كزعيم قوي ومصمم وعاقد العزم. أما هذه المرة، فلم يتمكن "وودورد" من الوصول إلي بوش، غير أنه نجح بالمقابل في التحدث مع نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، إضافة إلي رئيس هيئة موظفي البيت الأبيض "أندرو كارد". فكانت نتيجة ذلك دراسة نقدية أكثر لزعامة بوش، كما يشير إلي ذلك عنوان الكتاب. وإذا كان الكتاب يكاد لا يقدم جديداً علي صعيد الصورة العامة للفشل الذي منيت به سياسة إدارة الرئيس بوش تجاه العراق، فإنه يقدم تفاصيل أوفي حول عمق وقوة المعارضة التي تثيرها سياساتُ الرئيس داخل إدارته نفسها. وكما يمكن توقع ذلك، فإن المشجب الذي عُلق عليه القسطُ الأكبر من الانتقادات هو وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، والجهود المهمة التي بذلها "أندرو كارد" في سبيل استبداله. ويقول "وودورد" إن "لورا بوش" كانت هي الأخري قلقة من الانتقادات التي كانت تسمعها حول إدارة رامسفيلد للحرب. وكما كان متوقعاً، فقد رد البيتُ الأبيض علي جميع اتهامات "وودورد"، وخصوصاً التهمة الرئيسية التي تتمثل في أن الرئيس والبيت الأبيض كانا يضللان الشعب الأمريكي بخصوص الوضع الحقيقي علي الميدان في العراق. غير أن معظم الأمريكيين لطالما أصغوا لكتابات "ووردورد". كما أن التوافق المتزايد في واشنطن اليوم يجمع علي أنه لا يمكن للولايات المتحدة الفوز في العراق، وعليها أن تكون أكثر واقعية بخصوص استراتيجيات الخروج. الواقع أن الإدارة الحالية لن تقوم بتغييرات مهمة قبل أن تعرف حجم الدعم الذي تحظي به في الكونجرس بعد انتخابات النصف المقررة شهر نوفمبر المقبل. غير أنه من الواضح أن إعادة تقييم للعراق هي قيد الإعداد. ذلك أن "مجموعة البحث حول العراق" التي شُكلت بتفويض من الكونجرس ويترأسها وزير الخارجية السابق جيمس بيكر والنائب السابق في الكونجرس "لي هاميلتون" تعرف تمثيل الحزبين الرئيسيين وتعقد اجتماعاتها منذ أكثر من ستة أشهر. ومن المنتظر أن يرفع "بيكر" و"هاميلتون" تقريراً إلي البيت الأبيض والكونجرس بعد الانتخابات. ويستند التقرير إلي مساهمات وتوصيات العشرات من الخبراء حول سياسة الولاياتالمتحدة تجاه العراق. والواقع أنه إذا كانت تتمتع الإدارة بقدر من الحكمة والتبصر، فإنها ستستفيد من التقرير المقبل وتستند إليه في وضع استراتجيتها المعدلة. الحقيقة أن العراق ليس الوحيد الذي هو في خطر، إذ تجيء أيضاً إعادة تقييم أمن شبه الجزيرة العربية والتهديد الذي تطرحه الراديكالية. ذلك أنه إذا كان من غير المرجح أن يبحث بوش أو خلفه استراتيجية الخروج من الشرق الأوسط، فإنه يتعين عليهما أن يخفضا القوات في العراق بأعداد كبيرة. كما أنه من الأهمية بمكان أن يتم شمل اللاعبين الإقليميين، الذين تم إقصاؤهم من قرار الولاياتالمتحدة القاضي بالذهاب للحرب، في أي محادثات حول استراتيجية الولاياتالمتحدة المقبلة، علي أن يضم ذلك البلدان التي لها علاقات ضعيفة مع الولاياتالمتحدة أو لا تربطها أي علاقات علي الإطلاق مثل سوريا وإيران. ولأنه لن يستفيد أي بلد من خروج أمريكي متسرع، فإن التفكير بشأن مقاربة إقليمية جديدة ليس أمراً غير واقعي كما قد يبدو في الوقت الراهن. عن نيويورك تايمز