يتساءل الكثير من الامريكيين لماذا يفضل عدد متنامٍ من العراقيين القتال في صفوف الميليشيات المسلحة، او الجماعات الارهابية بدلا من مساندة الحكومة المدعومة من قبل الولاياتالمتحدة؟ وقبل الاجابة عن هذا التساؤل دعونا نعيد صياغته علي النحو التالي: هل انت مستعد للمجازفة بحياتك لنصرة نظام يعتمد علي الدعم الامريكي المستمر؟ وبالنظر الي سجلنا الطويل والمشين الحافل بحوادث التخلي عن اصدقائنا وحلفائنا لا اعتقد أن أي شخص عاقل سيراهن علي امريكا. فقد دأبنا علي التنكر لاصدقائنا منذ نزاعاتنا البحرية الاولي ضد القراصنة الذين كانوا يجوبون مياه البحر الابيض المتوسط ويزرعون الرعب في السفن الامريكية. وهكذا قررت حكومة الولاياتالمتحدة لدحر "باشا" طرابلس التحالف مع اخيه حميد القرمانلي الطامع في الحكم. وفي عام 1804 قاد المبعوث الامريكي ويليام ايتون قوة من المرتزقة والبحرية الامريكية متوجها الي شمال افريقيا بهدف تنصيب قرمانلي علي العرش. لكن سرعان ما تم الغاء المهمة بعدما عقد الرئيس جيفرسون اتفاقا مع باشا طرابلس يطلق بموجبه سراح الرهائن الامريكيين مقابل مبلغ 60 الف دولار امريكي. وقتها كتب ايتون، وهو يتميز من الغضب: "لقد ضحينا بحليفنا من اجل سياسة تنقض الشرف وتترك الانسانية تنزف". وهو وصف ينطبق ايضا علي السلوك الامريكي عقب الحرب العالمية الاولي عندما كان الرئيس ويلسون المدافع الاول عن حق تقرير المصير. لكن مع ذلك لم تحرك الولاياتالمتحدة ساكنا للدفاع عن تشيكوسلوفاكيا، وبولندا اللتين احتلتها المانيا النازية. وتكرر المشهد ذاته خلال الحرب العالمية الثانية عندما وقفنا مكتوفي الايدي ازاء الغزو السوفيتي لأوروبا الشرقية. وقد فاقمت الادارات الامريكية المتعاقبة هذه الازدواجية عندما كانت تحث شعوب اوروبا الشرقية علي الانعتاق من الهيمنة السوفيتية، لكنها لم تقم بشيء لمساعدة المانياالشرقية في انتفاضة مواطنيها سنة 1953، ولا الهنجاريين سنة 1956، او التشيك في 1968. ولا اقصد هنا انه كان علي امريكا التسبب في حرب عالمية ثالثة، الا انه علي الاقل كان بامكاننا ممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية علي الاتحاد السوفيتي للتخفيف من قبضته علي تلك الشعوب. وحتي مناوئو النظام الكوبي الشيوعي لم يكونوا بافضل حال وهم تحت الرعاية الامريكية، ففي 17 ابريل 1961 نزل 1500 من الكوبيين المنفيين في امريكا بمساعدة وكالة الاستخبارات المركزية علي سواحل كوبا، لكن معظمهم تعرض للقتل، او الاعتقال بسبب تدخل الجيش الكوبي ورفض ادارة الرئيس كنيدي استخدام قوة جوية لحماية المتسللين فانتهي بهم الامر الي الفشل. اما في السنوات التالية فقد شنت الولاياتالمتحدة حربا شاملة لمنع زحف القوات الشيوعية علي جنوب فيتنام، لكن بحلول 1973 ومع تعبنا من الحرب تركنا الجنوبيين يتدبرون امرهم، حيث تعرض العديد منهم للقتل والتنكيل. ثم جاءت حالة ايران التي ساعدنا فيها الي جانب الاستخبارات البريطانية علي تنصيب الشاه في الحكم سنة 1953، ثم تخلينا عنه في 1979 دون ان نمنحه حتي حق اللجوء الي الولاياتالمتحدة. ويبقي الاسوأ هو ما تعرض له الاكراد والشيعة في العراق عام 1991 من طعن في الظهر عندما ناشدهم الرئيس جورج بوش الاب بان يأخذوا زمام المبادرة بايديهم للاطاحة بصدام حسين، لكنه ظل يتفرج عندما اقدم رجال الديكتاتور علي قتل المنتفضين. وبالطبع كانت لسلسلة الخيانات الطويلة تلك اثار مدمرة علي سياساتنا الخارجية، حيث قوت الاعداء واضعفت الاصدقاء. لذا فان القيادات العراقية التي تعرف التاريخ الامريكي تدرك جيدا انها لا تستطيع التعويل علي الدعم الامريكي طويلا، وهو ما دفعها الي عقد اتفاق مع الدول المجاورة، والتضامن مع الميليشيات المسلحة. واذا ما استعجلنا الخروج من العراق فان الافغان وغيرهم من الشعوب - التي نحتاج تأييدها - ستتلقف الرسالة نفسها لتردد "لا تثقوا في العم سام".