ما الذي سيحدث في العراق بعد الحكم القضائي باعدام الرئيس السابق صدام حسين؟! هل ستهدأ الاوضاع ام تزداد اشتعالا؟ وكيف يؤثر هذا الحكم علي شعبية الرئيس الامريكي جورج بوش وعلي النتائج النهائية للاحتلال الامريكي للعراق؟ واخيرا هل يصدق الرئيس العراقي الحالي جلال طالباني علي هذا الحكم، ام يتركه بلا تصديق ويظل صدام وزملاؤه المحكوم عليهم بالاعدام في السجن منتظرين مصيرهم؟ عشرات الاسئلة تطرح نفسها بعد صدور حكم الاعدام، في ظل تباين ردود الفعل والمواقف المختلفة ما بين فرح ومظاهرات الترحيب التي طغت علي المناطق الشيعية والكردية خاصة ان الحكم بالاعدام الذي ناله صدام وشقيقه برزان التكريتي و حمد البندر رئيس محكمة الثورة جاء بمثابة انتقام لاعدام 148 مزارعا من قرية الدجيل الشيعية، بتهمة محاولة اغتيال صدام لدي زيارته تلك القرية عام 1982. وجاء رد فعل رئيس الحكومة نوري المالكي علي هذا الحكم معبرا عن حالة انتقامية بتأكيده ان الحكم يمثل حالة انتصار لضحايا شهداء مجزرة الدجيل، وان الحكم علي الديكتاتور يعد انصافا لعوائل ضحايا الدجيل، وان اعدامه لا يساوي قطرة من دم المرجع الشيعي محمد باقر الصدر او الشهداء في آل الحكيم وشهداء الدعوة الاسلامية. وفيما كان المالكي يعبر عن ترحيبه بالحكم ومشيدا بالنظام القضائي العادل وفقا لتعبيراته، فان الانظار اتجهت الي الرئيس العراقي الحالي جلال طالباني الذي اكد في مناسبات سابقة، انه لا يريد التوقيع علي حكم باعدام صدام او غيره؛ لانه ملتزم بتوقيعه السابق علي دعوة دولية مناهضة لعقوبة الاعدام. وقد يكون المخرج هو ان يوكل التصديق علي الحكم لاحد مساعديه، او تعليق عملية التصديق لاطول فترة ممكنة، خاصة ان هناك قضايا اخري سيحاكم صدام واركان نظامه فيها ابرزها قضية "الانفال" حيث يتهم صدام وزملاؤه بارتكاب مجازر بشرية وضرب مناطق كردية بالناابالم ومواد كيماوية حارقة. وإذ يحتفل الشيعة بحكم اعدام صدام، فان الاكراد ينتظرون حكما مماثلا في قضية الانفال، وهو ما عبروا عنه لدي صدور الحكم باعدامه ، مما يشير الي استمرار الدوافع الانتقامية علي الرغم من سقوط نظام صدام حسين ومقتل واعتقال اهم رموز هذا النظام. غضب سني وفي المقابل فإن ردود الفعل في المناطق السنية خاصة معقل صدام في تكريت اتسم بالغضب، والتهديد بالقيام بعمليات انتقامية جديدة ومواصلة عمليات المقاومة، ضد الحكومة العراقية التي اعتبروها عميلة لقوات الاحتلال الامريكية. وبالتالي فان حكم اعدام صدام لا يلقي اجماعا داخل العراق، حيث تباينت ردود الفعل، وهو ما يشير الي حالة الانقسام الشديدة التي يعيشها، والتي تهدد عمليا بتطور عمليات العنف والقتل والتدمير الحالية الي حرب اهلية. فاذا كانت العمليات ضد القوات الامريكية والقوات الاجنبية مبررة تحت دعوي انها مقاومة ضد الاحتلال، فان العمليات التي تستهدف مدنيين في الاسواق والمساجد والشوارع والتي تحصد يوميا العشرات ما بين قتلي وجرحي، علاوة علي عمليات الخطف والاغتيال من شأنها فتح الابواب لمزيد من التدهور وصولا الي حرب اهلية طائفية. وتبدو الحكومة والجيش وقوات الامن العراقية عاجزة عن السيطرة علي الاوضاع الامنية، وفشلت كل الخطط الامنية التي تم اقرارها وتنفيذها واخرها خطة تأمين بغداد. وتمتعت الحكومة بوزاراتها وكبار مسئوليها بالحماية داخل المنطقة الخضراء في عزلة عن الشعب العراقي الذي يعيش تدهورا خطيرا علي الصعيد الامني، واصبحت عمليات القتل علي الهوية شائعة، وامتدت بعد ذلك لتصبح عشوائية لا تفرق بين سني او شيعي او بعثي، في عمليات تهدف الي تدمير كل المحاولات التي تبذل للسيطرة الامنية ومحاولة استعادة الاوضاع الطبيعية، او حتي تلك التي كانت سائدة ايام حكم صدام. ويبدو ان ذلك هو الهدف الرئيسي من تلك العمليات المتصلة جعل العراقيين يترحمون علي ايام صدام. ولعل ذلك هو ما يخيف البعض في الحكومة من ان اعدام صدام سيؤدي الي اشعال مزيد من اعمال العنف، وضرب خطط المصالحة الوطنية واتفاقيات حقن الدماء، ويدعون بالتالي الي ضرورة اغلاق كل ملفات العهد السابق والاكتفاء باعتقال قادته، اما الاعضاء العاديون في حزب البعث فيدعو هؤلاء الي استيعابهم في الهيئات المختلفة ضمانا لتحقيق المصالحة. محاكمة في ظل الاحتلال ومما يزيد من صعوبة الموقف ان محاكمة صدام قد تمت في ظل الاحتلال، وعلي الرغم من تأكيدات الحكومة والمحكمة انها مستقلة، واتباع اجراءات قانونية والاحتكام الي نفس القوانين التي صدرت وتم تطبيقها ايام كان صدام في الحكم، الا ان ذلك كله لا يدعم الاحكام الاخيرة، خاصة مع ردود الفعل التي ابدتها كثير من الهيئات القانونية الدولية ومؤسسات حقوق الانسان ومنظمة العفو الدولية وغيرها، وقد اجمعت علي عدم رضاها عن اجراءات المحاكمة. وعلي الرغم من ان القانون يعطي الحق لصدام ومعاونيه في الاستئناف قضائيا، الا ان الحكم قد يتم تثبيته مرة اخري، علاوة علي امكانية قوية بصدور احكام اخري بالاعدام في القضايا الاخري التي يحاكم فيها صدام ومعاونوه. وبالتالي فان المخرج قد يكون بعدم التصديق علي الحكم، والاكتفاء بوجود احكام بالاعدام يتم تجميدها لعدم صب مزيد من الزيت علي النيران المشتعلة اصلا. حسابات الخارج واذا كانت حسابات الداخل معقدة ومتباينة فان ردود فعل الخارج جاءت متباينة ايضا وإن كانت غير معقدة. ففي العالم العربي اختلفت ردود الفعل ما بين مرحب وخاصة في دول الخليج وفي المقدمة الكويت التي ذاقت مرارة الغزو الذي قام به صدام ضدها عام 1990، الي التحفظ الرسمي الذي شاب معظم الدول العربية، فيما اتسمت مواقف اقلية عربية بالرفض العلني استنادا الي ان الحكم صدر في ظل احتلال العراق، وان هذا الحكم يشكل رسالة مباشرة لاي رئيس او حاكم عربي يجرؤ علي الوقوف في مواجهة السياسة الامريكية ويهدد مصالحها بشكل خطير مثلما فعل صدام الذي حاول امتلاك اسلحة دمار شامل، وهدد امدادات الغرب من النفط، بغزو الكويت وتهديد المملكة العربية السعودية ودول الخليج النفطية، ومحاولا تغيير انظمة الحكم في تلك البلدان. ولم يشفع لصدام انه حارب ايران عدة سنوات وساهم في اضعاف قدراتها، فيما تعود الولاياتالمتحدة الان الي مواجهة ايران بقوة بعد ان دخلت النادي النووي، واصبحت تتحدي الاستراتيجيات الامريكية المختلفة سياسيا وعسكريا واقتصاديا وامنيا. رسائل عربية ولابد ان في الحكم باعدام رئيس عربي سابق يتضمن رسائل موجهة للزعماء والقادة العرب، حيث لم يحدث من قبل ان حوكم رئيس عربي وصدر حكم بحقه بالاعدام، فاما كانت الانقلابات العسكرية وصدام صاحب نسبة محترمة منها كقبله بتصفية الرؤساء، او سجنهم وتدبير مؤامرات اغتيال هو الوسيلة الرئيسية التي شهدها العالم العربي لاجراء عمليات تغيير قسرية في السلطة. ... وانتصار لبوش وفي نفس الوقت فان الرئيس بوش وجد في الحكم باعدام صدام انتصارا جديدا لحربه في العراق، في وقت تواجه فيه هذه الحرب انتكاسات متتالية علي كل الاصعدة، واصبحت نقطة ضعف في سياسته الخارجية وانعكست بالتالي علي شعبيته التي تراجعت بشدة الي ابعد حد. ويحاول بوش وحلفاؤه خاصة رئيس الحكومة البريطانية توني بلير استثمار حكم محكمة عراقية باعدام صدام علي انه دليل اضافي علي الجرائم التي ارتكبها صدام حسين بحق شعبه، اضافة الي سجل ضخم من الجرائم الاخري ضد جيرانه والانسانية! وبالتالي فان مناسبة الحكم باعدام صدام ملائمة لصرف الانظار عن مأساة العراقيين وانهيار الامن واقتراب العراق من حرب اهلية مدمرة في اي وقت، وتفتت هذا البلد. وبالتالي فقد وجد بوش مناسبة للاحتفال، ومحاولة الظهور بمظهر المنتصر والرئيس الذي كان علي حق حين قام بغزو العراق في وقت يدعو فيه الكثيرون حتي داخل الولاياتالمتحدة نفسها الي محاكمة بوش نفسه عن الجرائم والمآسي التي ترتكب في العراق الان كل يوم، والتي لن ينجح الحكم باعدام صدام والذي صدر في ظل الاحتلال في اخفائها لحظة واحدة. وبالتالي قد يكون مقبولا لو صدر الحكم باعدام صدام والعراق يعيش حالة استقرار وسلام وامن ورفاهية، اما واحوال العراق الان في هذا الوضع المأساوي الذي لم يعشه في تاريخه الحديث، فان التوقعات تشير بان احوال العراق ستزداد سوءًا بحكم اعدام صدام الذي سيصب المزيد من الزيت علي النيران التي تحرق العراق بالفعل كل يوم الان.