يمكن القول بشيء من السخرية علي الذات، إنه إذا أردنا أن نعرف ماذا يجري في لبنان علينا أن نعرف ماذا يجري في كوريا الشمالية. ذلك أن الكيفية التي سيتقرر فيها وعليها الاعتراف بالأمر الواقع النووي لكوريا، سوف تنعكس بصورة مباشرة وغير مباشرة علي إيران التي تتمسك بحقها في تخصيب اليورانيوم. وتالياً فإن موقف الولاياتالمتحدة من الملف النووي الإيراني لا بد أن يترك ذيوله علي إسرائيل المتخوفة من إمكانية امتلاك إيران سلاحاً نووياً، وعلي حزب الله الذي تعتبره الولاياتالمتحدة ذراعاً إيرانية علي حدود إسرائيل الشمالية. ويمكن القول وبشيء من السخرية علي الذات أيضاً، إننا لا نستطيع أن نعرف ماذا يجري في لبنان ما لم نعرف نتائج الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي. فإذا فشل الحزب الجمهوري، كما تشير استطلاعات الرأي العام، وإذا وجد الرئيس بوش نفسه مضطراً للتعامل مع أكثرية ديموقراطية في الكونجرس معارضة له ولاستمرار القوات الأمريكية في العراق، فلا بد أن يؤدي ذلك إلي ردة في السياسة الخارجية الأمريكية الحالية في الشرق الأوسط. ولا بد أن يكون للبنان نصيب من هذه الردة!.. ويمكن القول بشيء إضافي من السخرية علي الذات كذلك إنه بقي أمام الرئيس الأمريكي جورج بوش في البيت الأبيض نحو السنتين فقط من الدورة الرئاسية الثانية، فالدستور الأمريكي لا يسمح بالتمديد له لفترة ثالثة. ثم إنه لا كندا (وطبعاً ولا المكسيك) قادرة علي أو راغبة في التدخل للتمديد له ولو لنصف ولاية!!.. وهذا يعني أنه سيبقي سنة واحدة بعد انتهاء فترة التمديد التي يتمتع بها الرئيس إميل لحود والتي جرّت علي لبنان المآسي الإنسانية المروّعة والخراب والدمار في طول البلاد وعرضها. إن رئيساً أمريكياً تؤكد استطلاعات الرأي أن نسبة 65 في المئة من الشعب الأمريكي سحبت ثقته منه، وأن الكونجرس الأمريكي قد يصبح في أكثريته أيضاً معارضاً له ورافضاً "لحواراته العسكرية والسياسية مع الله".. وأن أكثر من 75 في المئة من شعوب العالم تعتبر حربه المبررة من حيث المبدأ علي الإرهاب، حرباً فاشلة بامتياز، وتحمّله مسئولية تضخم الحركات الإرهابية كردّ فعل علي عشوائية هذه الحرب، إن رئيساً في هذا الوضع، لم يعد يستطيع أن يشنّ حرباً جديدة، ولا حتي أن يفرض حصاراً علي دولة، أو أن يفرض عليها العزلة، ولا حتي أن يفي بتعهداته بالمحافظة علي براعم وازدهار الواحة الديموقراطية في الشرق الأوسط والتي اسمها لبنان. كذلك يمكن القول، ولكن هذه المرّة من دون سخرية علي الذات، إن الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي عرف عنه حبه للبنان إلي حدّ العشق، يعيش الأيام الأخيرة لحكمه. وإن أي رئيس فرنسي يأتي من بعده لن يكون اهتمامه بلبنان في مستوي ما أبداه هذا الرئيس طوال العقد الماضي. ثم إنه لا بد من أن ينعكس غياب الشيراكية الفرنسية علي الموقف الأوروبي العام، الأمر الذي لا بد أن يقلل من حجم ومن فعالية الدور الأوروبي في المنطقة عموماً وفي لبنان علي الأخص. من هنا فإن الذين يلعبون الآن في هذا الوقت الضائع يراهنون علي هذه المتغيرات بانتظار ما ستبلوره الأيام القادمة من معادلات جديدة.