اندهشت واستغربت مثل كثيرين في كل أرجاء المعمورة للتصريحات الغريبة التي أدلي بها الجالس علي كرسي القديس بطرس في روما في سياق محاضرة له بإحدي المدن الألمانية. البابا بنديكت السادس عشر المفترض فيه أنه يجسد ويترجم علي أرض الواقع كل تعاليم المسيح الداعية للمحبة والاخاء، ينتقد علنا وإن كان بلغة غير صريحة أو مباشرة الإسلام والمسلمين معتبرا أن كل عمليات العنف والإرهاب في العالم تعتمد في انطلاقها علي ركائز دينية يدعو لها الإسلام ويحض عليها!! وإني لأتساءل حقا كيف للرجل الذي يقود روحيا مئات الملايين من الكاثوليك في العالم يتفوه بمثل هذا الكلام الخطير المجافي تماما للحقيقة؟! ألا يعلم بابا الفاتيكان وهو الذي يملك في حاضرته واحدة من أعظم المكتبات الدينية والثقافية والتاريخية في العالم أن العنف والقتل وسفك الدماء موجود علي الأرض منذ بدء الخليقة قبل أن يعرف البشر إسلاما أو مسيحية أو يهودية! وهل كان الإسلام هو الداعي لأن يقتل قابيل أخاه هابيل!! وهل كان الإسلام هو الداعي لاعتداءات القبائل والعشائر علي بعضها البعض في الكلأ والعشب والمرعي منذ أيام إبراهيم!! إنني أتعجب حقا كيف لبابا الفاتيكان المفترض فيه وفي دولته الصغيرة أن يكون راعيا للحوار والسلام يحض بتصريحاته الغريبة هذه علي الكراهية والعنف، وكأن العالم الذي يموج بالحروب والمجاعات والأوبئة في حاجة لمزيد من الحرائق تشتعل بسبب الدين!! في القرون الوسطي.. يعلم البابا بنديكت السادس عشر تمام العلم أن ملوك أوروبا وأباطرتها غزوا الشرق رافعين راية الصليب متمسحين في الدين المسيحي معتمدين في طغيانهم وظلمهم علي دعم ومؤازرة أحباء الكنيسة التي هيجت أوروبا كلها ضد الشرق العربي المسلم مع أن المسيحية بريئة تماما مما أحيق بها في زمن الحملات الصليبية، فهل خرج أحد أئمة الإسلام في الشرق أو في الجنوب ليوصم العقيدة المسيحية بأنها عقيدة إرهاب وغزو وقتل!! وألا يعلم بابا الفاتيكان أن هتلر وهو من بني جلدته حطم أوروبا وخلف فيها خرابا وهلاكا وترك وراءه ملايين من القتلي والمصابين، بالإضافة إلي تدمير المدن والمنشآت ولم يخرج أحد لا من الشرق ولا من الغرب ليتهم المسيحية التي يدين بها هتلر بأنها عقيدة تحض علي العنف والقتل والخراب! وألا يعلم بابا الفاتيكان أيضا أن معظم دول العالم الثالث في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية تحولت في فترة من الفترات إلي مستعمرات إنجليزية وفرنسية وإسبانية وبرتغالية وإيطالية.. فهل اتهم أحد من رعايا هذه المستعمرات عقيدة المستعمرين بأنها عقيدة فاشية غازية!! إنني أتعجب حقا من أن تخرج مثل هذه التصريحات الغريبة من رجل مفترض فيه أنه قارئ ومطلع ومتعمق في أمور الأديان والنفوس البشرية، ويحمل علي كاهله مع أحبائه من أحبار المسلمين واليهود مسئولية توسيع دائرة الحوار لتعميق السلام والتعايش بين كل البشر. ألم يقرأ بابا الفاتيكان شيئا عن الفوضي والدمار في لندن وضواحيها، وبلفاست وضواحيها من جراء عمليات التفجير الرهيبة التي كان يديرها ويشرف عليها الجيش الجمهوري الأيرلندي وكل أعضائه كاثوليك، فهل خرج أحدنا في الشرق أو أحدهم في الغرب ليتهم المسيحية عموما والكاثوليكية تحديدا بأنها محرض علي العنف والإرهاب!! وهل يمكن تكرار تلك الاتهامات بشأن منظمة إيتا الانفصالية وكل أعضائها كاثوليك أو بشأن منظمة الألوية الحمراء!! أو الدرب المضيء!! لماذا إذن يريد بابا الفاتيكان وضع الإسلام والمسلمين في دائرة الاتهام إزاء كل ما يحدث في العالم لمجرد أن بن لادن والظواهري والزرقاوي والملا عمر، مسلمون وهل كل مسلم قاتل في حوادث فردية أو جماعية يعني أن عقيدة الإسلام السمحة تحض علي ذلك!! وهل كل مسيحي قاتل وسفاك للدماء يعني أن المسيحية كعقيدة تؤيد أفعاله!! وماذا يمكن القول عن اليهودية وهي دين سماوي يدعو للسلام أيضا بينما أبناؤها يكيلون للعرب عامة ولأبناء فلسطين خاصة كل البغض والكراهية والعداء ويعيثون فيهم قتلا وذبحا وهلاكا أمام أعين العالم ولم نسمع أحدا يقول إن اليهودية عقيدة بغضاء تحض علي قتل الأبرياء!! فلماذا إذن الإسلام والمسلمون، ومن هم الذين تصب في صالح أجندتهم تصريحات بابا الفاتيكان!! إنني أدعو البابا بنديكت السادس عشر لأن يتأمل النصوص القرآنية والأحاديث النبوية لكي يتأكد له بما لا يدعو للشك أن الإسلام مع المسيحية واليهودية عقيدة سماوية سامية تدعو للسلم والسلام والتنمية والحوار والتعايش المشترك. يقول الإسلام بوضوح وشفافية وبما لا يدعو للشك أو المواربة: "وادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة". و"ليس لعربي فضل علي عجمي إلا بالتقوي والعمل الصالح". و"من يتق الله يجعل له مخرجا". و"إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". و"لو شاء ربكم لجعل الناس أمة واحدة". و"تعاونوا علي البر والتقوي ولا تعانوا علي الإثم والعدوان". هكذا الإسلام يؤمن بالتنوع في الجنس والدين واللغة والعرق.. ويؤمن بالتعايش المشترك والتعاون من أجل مستقبل أفضل للبشرية. هكذا الإسلام ينبذ العنف والكراهية والبغضاء. ولو أن الإسلام جاء بغير ذلك ما كان نصراني واحد يعيش حتي اليوم في بلاد العرب والمسلمين، وما كان اليهود أنفسهم حققوا المكانة العليا لذواتهم وعائلاتهم وطائفتهم في المجتمعات الإسلامية التي عاشوا فيها. أتمني أن يتراجع بابا الفاتيكان عما ذكره بل وينكره تماما، وأن يفتح الباب علي مصراعيه للحوار بين أصحاب الرسالات السماوية وأن يكون معضدا للتسامح والمحبة في عالم بات يخلو من كل القيم الجميلة التي جاءت بها الأديان