يبدو ان لعنة العراق قد أوشكت علي الاطاحة بتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا، وآخر حلفاء الرئيس الامريكي جورج بوش، واكثرهم حماساً لحروبه وسياساته الخارجية، فقد اعلن مضطراً، وبسبب ضغوط نواب حزبه الحاكم، عزمه الاستقالة من منصبه في غضون عام من الآن، وان مؤتمر حزب العمال الذي سيعقد بعد اسبوعين سيكون آخر مؤتمر يشارك فيه كزعيم للحزب. وقد حاول بلير ان يتجنب كل المطالبات التي تطالبه بالاستقالة فوراً، ومغادرة المسرح السياسي بطريقة كريمة، بما يفسح المجال لخليفته المحتمل غوردون براون وزير المالية، لكي يقود الحزب، ويغير السياسات التي اضعفته، ومزقت صفوفه، بما يعدل حظوظه في استطلاعات الرأي، ولكن اوساط حزبه رفضت هذه المماطلات، لما يمكن ان تلحقه من اضرار علي الحزب الحاكم ووحدته الداخلية. محنة بلير لن تتوقف بتحديد موعد مغادرته، اي بعد عام من الآن، لأن هناك من يري من دهاقنة الحزب، ان وجوده بات عبئا ثقيلا، وان رحيله المبكر يمكن ان يقلص الخسائر، ويضع حداً للانقسامات الخطيرة وعمليات الفساد التي يعاني منها الحزب الحاكم. لم تساعد الاوضاع المتدهورة في افغانستان والعراق، حيث توجد اعداد كبيرة من القوات البريطانية، رئيس الوزراء البريطاني في انهاء حياته السياسية بشكل مريح، فلا يمر يوم دون مقتل او اصابة عدد من الجنود البريطانيين، الأمر الذي اثار غضب اسر هؤلاء الجنود، وجعلهم يكثفون اتهاماتهم لرئيس وزرائهم وسياساته بالفشل، وتحميله مسؤولية ازهاق ارواح هؤلاء طمعا في دخول بوابة التاريخ كشخصية عالمية كبري. توني بلير ارتكب خطأ قاتلا بالتصاقه بالرئيس بوش، وتأييده لحروبه في الشرق الاوسط من موقع التابع وليس الشريك، فعرّض حياته السياسية، ومصالح بلاده في الوقت نفسه الي خطر كبير، وخسائر كبري علي الصعيدين البشري والمادي. فالعراق لم يعد افضل حالا مثلما كان يكرر بلير في خطاباته، والحرب علي الارهاب في افغانستان باتت تنتقل من فشل الي آخر، ومعارضته لوقف فوري للعدوان الاسرائيلي علي لبنان كانت القشة الاخيرة التي قصمت ظهر بعيره، وكشفت ان كل احاديثه السابقة عن تأييد الادارة الامريكية في حربيها في العراق وافغانستان من أجل دفعها لحل عادل علي اساس الدولتين في الشرق الاوسط كانت مجرد امنيات ليس لها اساس صلب علي ارض الواقع. وحال افغانستان ليست افضل من حال العراق، فبعد خمس سنوات علي احداث الحادي عشر من (سبتمبر) التي اطلقت الحرب علي الارهاب، وتحول فيها بلير الي سفير للادارة الامريكية لحشد الحلفاء للمشاركة فيها، تعود الطالبان بقوة، وتنجح في اعادة تجميع قواها، والشيء نفسه يقال عن القاعدة ، بينما تفشل حكومة كرزاي المنتخبة في السيطرة علي البلاد وحفظ الأمن، وفرض هيبة الدولة، والقضاء علي المافيات ولوردات الحرب التي عاثت في البلاد فسادا وارهابا. انها لعنة العراق التي تطارد بوش وحلفاءه، وتدفع بهم من فشل الي آخر، وتنسف جميع انجازاتهم، وتحولهم من ابطال انتخبتهم شعوبهم كمصلحين ومثاليين ورجال حكم متميزين، الي قياديين فاشلين، الحقوا الخسائر والفضائح ببلادهم وسمعتها الدولية، بسبب تهورهم وخوضهم حروبا فاشلة ومكلفة ماديا وبشريا، ادت الي اتساع دائرة الارهاب بدلا من القضاء عليه.