رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير هو الرجل الذي يلاحق الأضواء، حتي حين تتركه الأضواء، ستجد بلير: اليساري زعيم العمال الجديد، الصديق الوفي للرئيس الأمريكي اليميني جورج دبليو بوش، مبعوث الرباعية الدولية، ومستشاراً لأكبر بيوت المال العالمية، وهو أيضا المسيحي المتدين الذي كان يضع الإنجيل تحت وسادته وترك كنيسة إنجلترا وتحول إلي الكاثوليكية، وهو صاحب مؤسسة خيرية. باختصار ستجده في كل اتجاه حتي عندما يمني العمال بهزيمة مدوية، لن يشاركهم بلير مهمة مداواة الجراح، وإنما سيفتح نيرانه في كل اتجاه.. وبالتحديد علي جوردون براون زميله ونائبه لسنوات طويلة. في مذكراته التي طرحت بالمكتبات أمس الأربعاء بعنوان «رحلة» يكيل بلير اتهامات مفزعة لصديقه براون، رغم أنه امتدحه علناً قبل حوالي شهر وشارك في حملته الانتخابية. فيصف براون الذي كان وزيراً للخزانة لأكثر من عشر سنوات بأنه كان « انتهازياً يفتقد الذكاء العاطفي ومسئولا عن كارثة خسارة انتخابات كانت في حكم المضمونة». ويقول إنه أدمن علي شرب الكحول في وقت متأخر من رئاسة الحكومة بسبب الضغوط التي كان يمارسها عليه معسكر براون لدفعه للاستقالة، وإن تلك الضغوط كانت تدفعه للتفكير في الإطاحة ببراون لكنه خشي ان يقود وزير الخزانة حرباً عليه من خارج الحكومة تهدد بشق الحزب وتهدد زعامته. وقد وصل بلير وبراون إلي الحكم علي زعامة حزب العمال الجديد بعد انتخابات عام 1997 وطوال أكثر من عشر سنوات ظل بلير رئيساً للحكومة فيما كان براون في المنصب الثاني وزيراً للمالية. لكن نشر المذكرات يأتي في توقيت قاتل بالنسبة للحزب الجريح الذي سيلتئم في مؤتمره السنوي لاختيار قيادة جديدة الأسبوع المقبل، وسط انشقاقات بين اليسار التقليدي والبليريين. فقد حذر بلير أعضاء الحزب من الاستدارة إلي اليسار واتباع التيار الذي يقوده إدوارد ميليباند الداعي لإعادة بناء القواعد والأفكار التقليدية للحزب، لأن ذلك سيعاظم هزيمة العمال في الانتخابات المقبلة. وبالفعل أثارت كلمات بلير عاصفة وسط نواب الحزب في مجلس العموم، وقالت احداهن إن كتابه « لا يستحق القراءة» لكن ذلك لا يمنع أن عائدات الكتاب تزيد علي 4 ملايين جنيه استرليني (أكثر من 6 ملايين دولار ) قرر بلير التبرع بها لقدامي الجنود العائدين من الحرب. ورغم لكمات بلير لكثيرين من رفاق دربه، كال المديح للرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، شريكه الرئيسي في حرب العراق، وقال «إنه زعيم ذكي جدا». واعترف في المذكرات بأنه فشل في التنبؤ ب«كابوس» الأوضاع في العراق بعد الإطاحة بصدام، وما استتبعه من فراغ في السلطة مهد الطريق لتمركز القاعدة في العراق وتفشي النفوذ الإيراني.