أعرف أن هناك لا دينيين في معظم أنحاء العالم، لا يؤمنون والعياذ بالله بالخالق ولا الأديان، ولكن لم أكن أعرف أنهم موجودون بمصر أيضا، وأن لهم مواقع علي الإنترنت فيها يلتقون، ويتحادثون ولكن بأسماء غير حقيقية خوفا من ملاحقة الأمن والجماعات الإسلامية. الغريب أن أعدادهم كبيرة، ويطالبون مثل غيرهم أن يحترمهم المجتمع ويعطيهم كامل حرياتهم في التعامل مع الدين، وأن يفسح لهم في خانة الديانة في البطاقة مساحة واضحة يكتبون فيها بالخط العريض "لا ديني"! علي طريقة د. مصطفي محمود "حوار مع صديقي الملحد" رحت أجرب حوارا "مع صديقي اللاديني".. وهو بالضبط ليس صديقي وإنما صديق لصديق لي.. اسمه ووظيفته ورقم بطاقته، تلك تفاصيل لا يود أن يفصح عنها، وقد اشترط صديقي الذي قام بالاتصال به وأعطاني التليفون لمحاورته ألا أسأله في شيء من هذا القبيل. وأنا غير متفق مع هذه الآراء جملة وتفصيلا، ولكن أعرضها حتي يعرف الجميع هذه الآراء المتبادلة بين أناس يعيشون بيننا ولا ندري عنهم شيئا. سألته: من هم اللادينيون؟ وما تعريفهم؟ أجاب: هناك مستويان لهم.. المستوي الأول: ينكر الأديان جميعها وينكر وجود الله من الأساس. والمستوي الثاني: هو الذي يتكلم عن "اللاأدرية"، بمعني أنهم لا يدرون، أو لا يعرفون أن هناك أديانا، أو أن الله موجود أو غير موجود.. فالمسألة عندهم مازالت محل نظر ودراسة.. بمعني أنهم مازالوا يفكرون ويأخذون وقتهم للاقتناع، أو قد لا يقتنعون علي الإطلاق.. أو ربما يظلون علي هذا الوضع دائما. سألته: ماذا عن اللادينيين في مصر؟ وهل لكم رابطة تتقابلون فيها، وهل لكم طقوس؟ أجاب: اللادينيون في مصر أعدادهم كبيرة، ولكنهم لا يتقابلون إلا علي الإنترنت خوفا من ملاحقة الأمن والجماعات الإسلامية. أما بالنسبة للطقوس فإنه ليس من المعقول، أن نرتب حفلة نمارس فيها عبادات ونحن غير مؤمنين بأية أديان. قلت له: كيف أصبحت لادينيا؟ قال: أنا كنت أصلي وأصوم، وأزيدك من الشعر بيتا، كنت من الجماعات الإسلامية ولكن الإنسان يتغير.. شاب 16 عاما يكبر، يدخل الجامعة، يقرأ، يطلع، ويفكر، لابد أن تحدث له تغييرات. وما حدث لي هو لأسباب لها علاقة بالقراءة والاطلاع علي الأفكار الفلسفية والآراء الخاصة بربنا. وصلت بها إلي أن مسألة الدين مسألة خاصة بين الإنسان وربنا ولا يحق لأحد أو الدولة أو أية مؤسسة التدخل بين الفرد وعبادته وعلاقته مع ربنا، لأن العلاقة مع الله هي علاقة خاصة جدا، وقد اقتنعت أو بمعني أدق توصلت إلي أن المعركة ليست من أجل السماء، وإنما المعركة علي الأرض من أجل الحصول علي الحقوق المنتهكة. سألته: وأنت كقدوة في البيت.. هل أمام أولادك تصلي وتصوم وتتعبد؟ أجاب: لا أصوم ولا أصلي ولا أتعبد وأولادي يعرفون ذلك، وأنا أترك لهم كامل الحرية في أن يفعلوا ذلك أو لا.. عندي ولدان يصليان ويتعبدان. أما أهلي وأسرتي الكبيرة فيدعون لي بالهداية والتوبة.. تلك وجهة نظرهم! أسأله: وهل لا تجد نفسك أحيانا بحاجة إلي أن ترفع يديك إلي السماء وتدعو الخالق؟ أجاب: أفعل هذا أحيانا بشكل لا إرادي، حيث أدعو الله أن يكرمها ويسهلها علينا، فأنت في النهاية إنسان وقد تكون محتاجا إلي دعم. أسأله: ما هو مفهومك للقيامة والآخرة ويوم الحساب؟ أجاب: تلك مسائل محل نظر.. وممكن ربنا يبقي موجود وممكن مايبقاش موجود.. ننتظر ثم نري!! إلي هنا وينتهي حواري مع صديق صديقي اللاديني، وبالمناسبة مثل هذه الحوارات ولكن بشكل أكثر سخونة تدور رحاها علي الإنترنت طوال الوقت.. ونختار بعضا منها فيما يلي، وهي بين شخص مسلم متدين، وشخص آخر لاديني، حيث دارت علي المنتدي تلك الحوارات: بدأ الديني كلامه بقوله: الرابح في الأول والأخير هم الدينيون لأنهم إن كان اعتقادهم حقا فهم للجنة، وإن كانوا غير ذلك فقد تعادلوا معكم ولن أزيد في ذلك. وهنا أوضح لك نقطة ثانية وهي: لماذا أدعوك للإسلام؟ لنبدأ بالإسلام كتعريف كما هو يعرفه القاصي والداني في قوله صلي الله عليه وسلم: بني الإسلام علي خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا. فانظر إلي بساطة هذا الدين وبساطة الدخول وهي أن تقول أشهد ألا إله إلا الله مع يقينك التام بأنه هو الواحد الأحد فبذلك تكون قد تحولت من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد أما اللادينيون فهم يعبدون الأهواء يعني "مشي حياتك علي هواك" وهذا دليل علي ضعف نظرياتهم فكل شيء أمام ناظريك يمشي بنظام معين ولن أضرب الأمثلة فقد تكون اعلم مني بها ولو اضطرب هذا النظام حدث الاختلال، وانظر بعد ذلك تشهد أن محمدًا رسول الله.. بشر كباقي البشر فضل عنهم بتقواه وطاعته وبما جبل الله الناس عليه. لنكمل حديث النبي صلي الله عليه وسلم: إقام الصلاة.. خمس صلوات. فاليوم والليلة موقتة بنظام معين لا تأخذ من وقتك الثمين أكثر من خمس دقائق مع العلم يمكن تقضي وقتًا فالإنترنت أكثر من ذلك بكثير. وإذا سألتني ما القصد منها سأجيبك لو مررت أمام سيارة مسرعة وجئت أنا وأنقذتك ماذا يكون شعورك نحوي.. فكر إذا ما هو شعورك حيال من أطعمك وأسقاك ونعمك وقبل هذا كله أوجدك من العدم يا من تظن بأنك إلي العدم كيف تجازيه والله لو كنت تعلم لوددت أن حياتك كلها صلاة. وهنا أوضحها لك أعتقد بأني علي حق وأنك علي خطأ أو العكس فمن الرابح في الحالتين؟ وهنا لك حديث: أنا كمسلم لا أعلم مصيري هل إلي جنة أو إلي نار ولكن ما أعلم به وأوقن بوجود إله واحد لا شريك له وأني حتي أدخل جنته بأمره ورحمته يجب علي أن أقوم بهذه الأركان الخمسة. ولك هذا المثال. افرض أنك أردت أن تطهو طبقًا ووضعت القدر فوق النار وبعد خمس دقائق تجد القدر امتلأ بالطعام.. هذه نظرية الصدفة. ولكن أنا أقول لك ضع كذا وكذا وكذا واطهه لمدة كذا وكذا وبعد ذلك تجد القدر ملآن بالطعام وقد تنجح وقد تفشل فهكذا المسلم فهو يوقن ويتوكل علي الله ويأخذ بالأسباب وبعد ذلك قدر الله وما شاء فعل. إما إلي جنة عرضها السماوات والأرض وإما إلي النار أعاذنا الله منها. فانظر من سيربح في النهاية أنت أم الدينيون؟.. ومن من الدينيين بالتحديد ولماذا؟ كلامي موجه لمن أراد العقل والمنطق وللباحثين عن الحقيقة غيرهم فمن أراد السخرية والاستهزاء فقولي له: صه فإني لا أرد علي السفهاء. ويرد عليه أحدهم بهذا الرد الغريب: تركت الإسلام.ولكن بقي الأمر سرا بالنسبة للوسط الاجتماعي السلفي الذي أعيش فيه علما بأنني كنت شابًا مقبلاً علي الدين من دراسة للفقه الشافعي وحفظ للقرآن ومخافة من الله. إلا أن الشجاعة والفضول لا تفارقني أبدا.. فبدأت أقرأ ما كتب في المنتدي وانصرفت بعدها. للبحث بين ثنايا سطور الكتب التي تحمل طابع الليبرالية والمادية والعلمية التي كنت افتقر لها الآن.. إلخ. ومن خلال متابعتي لهذا المنتدي قد تعرفت علي زملاء لادينيين كثرين. من خلال الكواليس (الرسائل الخاصة).. تعرفت عليهم أكثر وتبادلنا الآراء والأفكار. الله حسب المفهوم الديني عالم بكل شيء وقادر علي كل شيء، فإذا سلمنا معهم حقيقة بأن الله موجود وأنه استطاع خلق كل شيء وأنه إذا قال كن فيكون.. حسنا أنا أقول ومتأكد 100% بأن هذا ليس صحيحا وأنه لا يستطيع فعل الكثير فمثلا: انكسر كأس زجاج هذا "حدث" حدث فعلا في ساعة معينة وتاريخ معين، مثال أكبر حادثة تدمير البرجين في 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، أحداث حدثت ومضت مهما نساها أو تذكرها أحد، فالله نفسه لا يستطيع أن يجعلها لم تحدث، يستطيع الله الكلي القدرة (حسب المفهوم الديني) بأن يعيد الكأس المكسورة كما كانت ويستطيع بأن يعيد البرجين كما كانا ولا أحد حتي الله يستطيع أن يجعل شيئا حدث فعلا بأنه لم يحدث أبدا؟! أرجو أن تكون قد وصلت الفكرة، فما رأيكم دام عزكم؟! وهؤلاء موجودون بيننا ويفكرون بهذه الطريقة لايقلون تطرفان عن المتطرفين الإسلاميين .. نختلف معهم بالطبع ولكن هذا لا يكفي.. ما يكفي هو أن نعرف كيف ندخل إلي رؤوسهم وقلوبهم وننزع هذا السواد.. ليس بالعنف ولا بالملاحقة وإنما وكما علمنا دينيا الحنيف بالحكمة والموعظة الحسنة.. فهل فعلنا ذلك بسرعة قبل أن يتمكن الفيروس من كثيرين؟!