تخوض كل من إسرائيل من جهة وحركة "حماس" و"حزب الله" من جهة أخري، حرباً جوية هي الأولي من نوعها بين الجانبين. وتستخدم في هذه الحرب الصواريخ والمدفعيات الثقيلة والضربات الجوية علي نحو من شأنه أن يقلب الموازين كلها، ويجدد طبيعة النزاع في الشرق الأوسط لعدة سنوات مقبلة، علي حد رأي المسئولين العسكريين والمحللين والمراقبين. وتعكف ميليشيات "حزب الله" وحركة "حماس" علي تطوير الصواريخ بعيدة المدي، القادرة علي إصابة العمق الإسرائيلي. وحتي هذه اللحظة فإنه يصعب عملياً تتبع وتحديد المواقع التي تنطلق منها الصواريخ بعيدة المدي علي إسرائيل. أما الصواريخ قصيرة المدي، فهي تصيب أهدافها في ثوان معدودات، ما يجعل اعتراضها متعذراً ومستحيلاً من الناحية العملية العسكرية. إسرائيل كانت تسيطر وحدها فيما مضي علي الأجواء والسلاح الجوي منذ بداية احتلالها لفلسطين وحتي وقت قريب. إلا أنها اليوم باتت في مواجهة تحد جديد في هذا المجال العسكري الحيوي، يتمثل في ترسانة الصواريخ البدائية التي تتعرض لها المدن الإسرائيلية في عمليات قصف تشنها ميليشيات حركة "حماس" و"حزب الله". كما تهدد حرب الصواريخ الجوية هذه، فاعلية العمليات البرية التي طالما عولت عليها إسرائيل كثيراً في ماضي حروبها مع جيرانها. والملاحظ أن انسحابها الأخير من قطاع غزة، وقبله انسحابها من الجنوب اللبناني في عام 2000، قد حرما حركة "حماس" و"حزب الله" من أهداف عسكرية حيوية طالما استهدفاها ووجها إليها صواريخهما علي نحو متكرر ومنتظم. ونعني بهذه الأهداف المواقع العسكرية والجنود والمستوطنين الإسرائيليين. تعليقاً علي هذا التحول الجديد في مسار الحرب مع إسرائيل، قال "مايكل أورين"، وهو زميل أول بمركز "شالم" للأبحاث الأكاديمية العلمية: إن إسرائيل كانت تتسيد الأجواء العسكرية وحدها حتي إلي أمد قريب. ولكن الذي يحدث الآن هو توصل أعدائها إلي حقيقة عجزهم عن إسقاط الطائرات والمقاتلات الإسرائيلية، ومن ثم تحولهم باتجاه بسط نفوذهم علي الأجواء العسكرية بواسطة إطلاق الصواريخ، مع العلم بمحدودية قدرة إسرائيل علي وقف هذه الصواريخ أو إبطال مفعولها. يذكر أن "أورين" هو مؤلف كتاب"حرب الأيام الستة: يونيو 1967 وتشكيل الشرق الأوسط الحديث"، وهو عبارة عن تناول تاريخي لحرب عام 1967. في خطاب الحرب الذي قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي في الأسبوع الجاري، حذر إيهود أولمرت من أنه "ليس في وسع إسرائيل أن تعيش في ظل تهديد مستمر بإطلاق الصواريخ عليها وعلي مواطنيها. وعليه فإن من شأن الخطة الرامية للانسحاب من المزيد من المستوطنات وأراضي الضفة الغربية_أي ما يسميه البعض بعمقها الاستراتيجي- أن تعرض المزيد من الأراضي والمدن الإسرائيلية لخطر هذه الصواريخ، وهو ما حدث جراء الانسحاب من قطاع غزة والجنوب اللبناني. ومضي "أولمرت" إلي توضيح أن جدار الفصل الأمني المقرر بناؤه علي امتداد "حدود إسرائيل الشرقية"، إثر الانسحاب الجزئي من أراضي الضفة الغربية، إنما كان القصد منه في الأساس حماية بلاده ضد المتسللين والانتحاريين الفلسطينيين وليس الصواريخ. إلي ذلك حذر مسئولون عسكريون إسرائيليون من أن تكون الانتفاضة الفلسطينية القادمة "انتفاضة بالستية" وليست انتفاضة حجارة مثل تلك التي كانت في بدايات العقد الحالي. علي أن بين هؤلاء من يري أنه في وسع انسحاب متفق ومتفاوض عليه بين الطرفين المتنازعين أن يسفر عن تخفيف حدة التوترات مع الفلسطينيين، بل ربما يسفر عن الإعلان عن الدولة الفلسطينية المستقلة نفسها. علي أن الملاحظ أن حملة القصف الجوي للبنان، التي يقودها الفريق دان هولتز وهو أول ضابط حربي جوي يتولي قيادة الجيش الإسرائيلي تمخضت عن تدمير عدد مقدر من مرافق البنية التحتية اللبنانية، خاصة طرق المرور السريع بين سوريا ولبنان، إلي جانب هدم الجسور وإغلاق مطار بيروت الدولي. وفي معناها العام تفهم هذه الحملة علي أنها مسعي عسكري إسرائيلي لعزل لبنان إقليمياً ودولياً، بقصد تجفيف مصادر السلاح والمؤن العسكرية التي تصل إلي "حزب الله" عبر الحدود. وفي اعتقاد المسئولين والقادة العسكريين الإسرائيليين أن المصدر الرئيسي لتلك الأسلحة والمؤن، هو إيران وسوريا. لكن وعلي رغم كل تلك الجهود، فقد أخفقت إسرائيل عملياً في وقف "حزب الله" من قصف منطقة الجليل الواقعة في حدودها الشمالية بنحو 720 من صواريخ "الكاتيوشا" خلال الأسبوع الماضي وحده! يذكر أن هذا النزاع كان قد اندلع الأسبوع الماضي علي خلفية أسر مقاتلي "حزب الله" لجنديين إسرائيليين إلي جانب قتلهم لثمانية آخرين في غارة حدودية علي قواتها. وفي الوقت ذاته تمكن مقاتلون متطرفون فلسطينيون من شن إطلاق مجموعة من الصواريخ علي الحدود الجنوبية الإسرائيلية، منذ أسر الجندي جلعاد شاليت يوم الخامس والعشرين من يونيو الماضي في قطاع غزة. ولكن المشكلة التي تواجهها إسرائيل الآن هي كيفية وقف الهجمات الصاروخية عليها. فهل تفلح نظم "ناتوليس" الدفاعية التي تعمل علي تطويرها بدعم أمريكي في وقف هذا الخطر، أم تأخذ برأي بعض مسئوليها ومتطرفيها، القائل إن السبيل الوحيد لوقف تلك الصواريخ، هو احتلال الأرض التي تنطلق منها؟