علي جانب آخر ركزت إسرائيل هدفها الثالث في اتجاه لبنان لضرب استقراره بدت ملامحه في تقارب رؤي القوي اللبنانية المختلفة فأرادت وأده وإعادة الخلاف المحموم حول سلاح حزب الله من جديد. أما رابع الأهداف الإسرائيلية فاتجه لمرمي العلاقات السورية الروسية ليجهض مشروعا حول إقامة قاعدة عسكرية روسية في سوريا. مشروع قديم تجدد الحديث عنه خلال زيارة الطراد الصاروخي الروسي الشهير بطرس الأكبر لميناء طرطوس السوري. تلك الزيارة التي اعتبرها السفير الروسي بدمشق مقدمة لأحداث جديدة للعلاقة بين البلدين. وفي أكتوبر 2009 نشرت مجلة (جان ديفنس) البريطانية تقريرا حول قيام سوريا بتزويد حزب الله بصواريخ M 600 بعده بشهور قليلة وبالتحديد في يناير 2010 أعلنت إسرائيل عن قيام سوريا بتدريب عناصر من حزب الله علي صواريخ سكود، في مارس 2010 تجدد الحديث مرة أخري حول حصول حزب الله علي صواريخ »إيجلا« الروسية المضادة للطائرات والقادرة علي التعامل مع جميع الطائرات بما فيها F 16 ويصل مداها إلي 5.1/2 كيلو متر. وفي نفس الشهر أيضا أعلن أحد نواب الكونجرس عن قيام واشنطن بوقف شحنة عسكرية سورية لحزب الله تضم 12 شاحنة كانت علي مسافة 3 أميال من الحدود اللبنانية، ومنعت الولاياتالمتحدة إسرائيل من قيامها بتوجيه ضربة لهذه القافلة. اتهامات كثيرة لكنها لم تحظ بمثل حالة الجدل والإثارة التي تم التعامل بها مع الاتهامات الأخيرة لسورية ليتضح معها نية الدولة العبرية الواضحة لتوظيف الاتهامات لتحقيق مجموعة من الأهداف التي تصب في صالح أجندتها الاستراتيجية الخاصة. فالتصعيد الأخير يهدف أولا لعرقلة التقارب الأمريكي/ السوري بعد أن أوشكت الولاياتالمتحدة علي تعيين السفير الأمريكي روبرت فورد لها في دمشق بعد خمس سنوات من سحب السفير السابق، وجاءت الضربة الإسرائيلية لتعيد الجدل حول العلاقة الأمريكية السورية، وتدفع بعض أعضاء مجلس النواب إلي التساؤل حول جدوي السياسة التي تتبعها الإدارة الأمريكية تجاه سوريا وهل تصب في صالح الولاياتالمتحدة، وتدفع آخرين لمطالبة الإدارة باتخاذ موقف أكثر صرامة من الرئيس السوري بشار الأسد، لينتهي الأمر بتشدد واضح ترجمته كلمات جيفري فيلثمان مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية أمام مجلس النواب بتأكيده علي أن جميع الخيارات مطروحة علي الطاولة للضغط علي دمشق لترجع عن سلوكها الداعم لحزب الله. علي جانب آخر استدعت الولاياتالمتحدة أكبر دبلوماسي سوري بواشنطن لإبلاغه استياءها من السلوك المستفز الذي انتهجته سوريا فيما يتعلق بالنقل المحتمل لصواريخ سكود لحزب الله. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل امتد الجدل أيضا حول إرسال السفير الأمريكي لدمشق والذي اعتبره أحد النواب الأمريكيين بمثابة رسالة خاطئة تجعل الأسد أكثر تجرؤا. واعتبره آخرون بمثابة مكافأة لسوريا في غير محلها« بينما رأي آخرون أن إرسال السفير يهدف إلي تجنب أزمات مستقبلية ومن شأنه تخفيف حدة التوتر والصراع وأنه بمثابة وسيلة لنزع فتيل الأزمات. ويبدو أن الولاياتالمتحدة لم تحسم أمرها بعد في التعامل مع الاتهامات الإسرائيلية لسورية وإن كان موقفها يميل للتشدد وهو مايعني نجاح الدولة العبرية في تحقيق هدفها الأول. ويبدو أنها أيضا نجحت في تحقيق هدفها الثاني بعدما خلقت حالة من الصخب والتوتر والجدل حول سوريا لتصرف الأنظار عن جرائمها التي دأبت علي ارتكابها بكثافة في الفترة الأخيرة. أما فيما يتعلق بالهدف الثالث والخاص بلبنان فتشير ردود الفعل الأولية إلي إخفاق تل أبيب في النيل من العلاقات اللبنانية/ اللبنانية وكذلك اللبنانية السورية وهو ما اتضح من كلمات رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري عندما أكد علي أن بلاده تفتح صفحة جديدة مع سوريا وتعمل علي رفع مستوي العلاقات الثنائية بين البلدين. والأهم أنه نفي أن يكون حزب الله قد حصل علي صواريخ سكود طويلة المدي من سوريا واصفا الاتهامات الإسرائيلية بأنها »تعيد الأذهان إلي المزاعم التي وجهت إلي العراق بامتلاكه أسلحة دمار شامل لم يعثر عليها قط ولم يكن لها وجود أبدا، متهما إسرائيل بأنها تحاول تكرار السيناريو نفسه مع لبنان لتصبح الاتهامات التي تطلقها مجرد »ذريعة« لتهديد لبنان. يبقي الهدف الرابع والمتعلق بالعلاقات السورية / الروسية والتي يبدو أنها شكلت هاجسا مؤرقا لإسرائيل بعد تكرار الحديث عن نية روسيا إقامة قاعدة عسكرية لها في سوريا، هذه النية التي كشفتها صحيفة كومرست الروسية في يونيو 2007 عندما صرحت عن اعتزام روسيا إقامة قاعدة بحرية دائمة لها في سوريا لتعوض بها القاعدة التي تستأجرها حاليا في أوكرانيا حتي عام 2017، وقد تضطر لمغادرتها لذا فهي تبحث عن البديل، ووجدت في ميناء طرطوس السوري مايحقق لها هذا الغرض.. ومايسهل لها تحقيق ذلك وجود نقطة تمركز بحري روسي في الميناء منذ السبعينات. الحديث عن القاعدة الروسية تجدد مع الزيارة التي قام بها الطراد الروسي بطرس الأكبر والذي يعد أكبر سفينة حربية حاملة للصواريخ في العالم، والذي توقف في ميناء طرطوس ليثير التخوف الإسرائيلي حول مدي التقارب السوري / الروسي في هذا المجال، والمعروف أن الطراد يعد أضخم وأحدث السفن الحربية في القوات البحرية الروسية ويبلغ طوله 251.1 متر وعرضه 28.5 متر. وارتفاعه 28.5 ، وغاطس قدره 10.3 متر وحمولة تصل إلي 25860 طنا وسرعة 31 عقدة بحرية، ويضم مجمعا صاروخيا مضادا للسفن ومجمع صاروخيا مدفعيا من طراز كاشتان يؤمن الحماية من الأسلحة الذكية المضادة للسفن، إضافة إلي مجمعين طوربيديين صاروخيين من طراز فودوباد اللذين بوسعهما تدمير الغواصات المعادية علي مدي 60 كيلو مترا. توقف الطراد الروسي الشهير في ميناء طرطوس السوري سمح بزيارة وفد عسكري رفيع ضم وزير الدفاع وكبار المسئولين العسكريين السوريين، صرح خلالها السفير الروسي بدمشق أن زيارة الطراد إلي ميناء سوري يعد مقدمة لأحداث جديدة ستحفل بها العلاقات الثنائية بين البلدين تشهد أمورا كبيرة جديدة وهامة. تصريحات أثارت بالطبع هاجس الدولة العبرية لتسعي بكل ما أوتيت من قوة للحيلولة دون إقامة قاعدة بحرية روسية في ميناء طرطوس، خاصة بعدما تردد حول تزويدها بنظام دفاعي روسي مضاد للطائرات من طراز اس 300 بي ومورج فافوريت الأمر الذي من شأنه أن يوفر قسطا كبيرا من الحماية للأراضي السورية ويساعد دمشق علي جمع معلومات استخباراتية هامة عما يحدث في الأراضي الإسرائيلية. هكذا تعددت الأهداف الإسرائيلية والتي يراها الخبير الاستراتيجي اللواء صبري العشري وراء التصعيد المكثف الذي تعمدته الدولة العبرية في هذا التوقيت بالذات، مؤكدا علي أن قضية تهريب الأسلحة لحزب الله ليست بجديدة والدولة العبرية والعالم معها يدرك ذلك جيدا وإلا فمن أين حصل حزب الله علي 42 ألف صاروخ!! أما التعمد في توظيف الاتهامات الأخيرة التي أطلقتها إسرائيل ضد سوريا فيصب في اتجاه تحقيق العديد من الأهداف أهمها عرقلة وهدم العلاقات الأمريكية/السورية من جانب، وخلق ضغوط علي حزب الله وإعادة الجدل علي المسار اللبناني فيما يتعلق بقضية سلاح الحزب والاستراتيجية الدفاعية اللبنانية، علي جانب ثالث يعد التصعيد الأخير خطوة أخري في اتجاه تطبيق السياسة الإسرائيلية التي دأبت علي ممارستها خلال الفترة الأخيرة وهو ما يطلق عليها »نظرية الفوضي الخلاقة« وتعني خلق أزمة جديدة للتغطية علي مجموعة من أزمات بهدف فرض واقع جديد يخدم أجندتها الخاصة، يتضح ذلك بقيام إسرائيل بضم المقدسات الإسلامية إلي التراث اليهودي للتغطية علي جريمتها باغتيال أحد قادة حماس محمود المبحوح، ثم قيامها ببناء كنيس الخراب وتهديد الأقصي للتغطية علي جريمتها بالتوسع في الاستيطان، لتقوم بعد ذلك بالتغطية علي تلك الجريمة بقرارها العنصري بترحيل عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية، والآن تفجر قضية صواريخ سكود للتغطية علي كل هذه الأزمات. ومن الملاحظ أن إثارة قضية تهريب سوريا لصواريخ سكود لحزب الله تزامن مع صدور تقرير للأمم المتحدة في بيان المراجعة الخاص بقرار 1559 والذي أكد علي قيام سوريا بتهريب للصواريخ إلي لبنان ليصب في النهاية لصالح الهدف الإسرائيلي الرامي لإحداث ضغط علي سوريا بهدف تحييدها ودفعها لإعادة تقييم علاقتها بحزب الله وكذلك بإيران، خاصة أمام ما يثار بين الحين والآخر عن نية إسرائيل في توجيه ضربة محتملة إلي لبنان أو إيران وهي تطبق بذلك نظرية »قطع الأذرع« قبل أن تخوض حربها المتوقعة، وتعد سوريا بالطبع أحد أهم هذه الأذرع خاصة إذا كان الهدف هو إيران. وبالرغم من أن احتمال التصعيد الإسرائيلي ضد حزب الله مازال واردا إلا أن الخبير الاستراتيجي يراه صعب التنفيذ لعدة أسباب أهمها صعوبة تحديد إسرائيل لجبهة المواجهة العسكرية، فهي لم تقرر بعدما إذا كان مسرح العملية هي الأراضي اللبنانية أم السورية أم الفلسطينية، لذلك فهي تفضل فصل هذه الجهات كل علي حدة حتي تصل بقرارها علي الهدف الذي تحدده لإدارة صراعها المسلح ضده. علي جانب آخر يعد قيام إسرائيل بعمل عسكري الآن بمثابة سير في عكس اتجاه المصالح الأمريكية بل ومعارضا لها، خاصة وأن الإدارة الأمريكية تميل إلي الحوار وترغب في إحداث تقارب أمريكي/عربي وتتحرك في جميع الاتجاهات لتعديل وتهدئة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، ومن ثم يصبح إقدام إسرائيل علي شن هجوم عسكري علي أي دولة عربية بمثابة خطوة أخري تصب في اتجاه اتساع هوة الخلاف البادي الآن علي العلاقات الأمريكية/ الإسرائيلية.. ومن شأنه أيضا أن يؤثر بالسلب علي العلاقات الإسرائيلية/ التركية وكذلك علاقتها بالدول الأوربية والمجتمع الدولي بشكل عام. خاصة أن الملف الإسرائيلي حافل بالانتهاكات والجرائم التي لا شك أنها أثرت بالسلب علي تعاطي المجتمع الدولي معها وتزايدت معها الانتقادات علي الأداء الإسرائيلي في الحرب المخالف للقوانين والأعراف الدولية. وهو ما يفقد إسرائيل قدرتها علي ممارسة لعبتها الممجوجة التي أتقنت بها الظهور في ثوب الضحية لتكشف الحقائق بعد ذلك زيف الادعاءات ويتضح للجميع أنها كانت الجلاد وأنها المسئولة والمدانة عن كل الجرائم التي ارتكبتها. ويبدو أن اتهاماتها الأخيرة لسوريا لن تخرج عن هذا السياق خاصة بعد الجدل الذي أثير حول مدي أهمية صواريخ سكود لحزب الله بعدما وصفها البعض بأنها صواريخ قديمة وعديمة الأهمية ولا يمكن أن تؤثر علي إسرائيل، خاصة وأن كثيرا من التقارير العسكرية أشارت إلي أن سوريا نجحت في مد حزب الله بصاروخ 600 M والذي يصل مداه إلي 250 كيلومترا ويحمل شحنة تزن 500 كيلوجرام، كما وفرت له نظام الدفاع الجوي إيجلا إس الذي يمكن حمله علي الكتف وله قدرة علي النيل من الطائرات الصغيرة بدون طيار فضلا عن تزويده بالطائرات التي تحلق علي ارتفاع منخفض والتي تساعده علي جمع المعلومات الاستخباراتية بشكل جيد. إضافة إلي ذلك كما يشير العشري إلي أن هناك احتمالا بحصول حزب الله علي صواريخ سكود C أو D والتي يصل مداها إلي 700 كيلومتر وهي تمكنه بذلك من استهداف الأراضي الإسرائيلية كلها. ويمتلك حزب الله العديد من أنواع الصواريخ الميدانية والقصيرة المدي منها رعد وفجر وشاهين وخيبر وزلزال 1، 2 وفتح 110 والتي يتراوح مداها ما بين 25 و300 كيلومتر، فضلا عن 100 صاروخ زلزال الذي يصل مداه إلي 200 كيلومتر ويحمل 1000 كيلوجرام من رأس مدمرة T.N.T. ومن ثم يستبعد الخبير الاستراتيجي أهمية حصول حزب الله علي صواريخ سكود خاصة وأن العقيدة القتالية لحزب الله ليست في حاجة لحجم كبير من الصواريخ الثقيلة سواء القصيرة أو المتوسطة المدي فامتلاكها لصواريخ زلزال وفتح يحقق لها هذا الغرض خاصة أنها ليست في حاجة لتكثيف ضربها علي ميناء إيلات وإنما يصب تركيزها علي المنطقة الشمالية والوسطي. والأهم من ذلك أن امتلاك هذه الصواريخ ذات الحجم الكبير تتعارض مع العقيدة القتالية لحزب الله التي تعتمد علي حرب العصابات حيث السمة الأبرز لها هي التنقل من مكان لآخر والقدرة علي الاختباء والمناورة وحرية الحركة وهو ما لم تحققه لها صواريخ سكود الذي تحتاجه أكثر الجيوش النظامية، خاصة وأنه سيصبح هدفا سهلا للقوات الإسرائيلية. ولا شك أن نجاح حزب الله في امتلاك أكثر من 42 ألف صاروخ بأنواع متعددة وهو ما يتيح له فرصة إطلاق ما بين 500 و600 صاروخ في اليوم ولمدة 60 يوما ليعمل علي زيادتها إلي 1000 صاروخ في اليوم، هذه القدرة تزيد من المخاوف الإسرائيلية.. وهو ما يدفعها للتعامل معه باعتباره مصدرا كبيرا للخطر ومن ثم لا تكف عن استهدافه أو تهيئة المناخ لذلك وإثارة الجدل حوله بين الحين والآخر.