من الصعب تخيل الحرب كما نعرفها بدون وجود السلاح والبشر. وقصة "السلاح" في الشرق الأوسط، وفي المنطقة العربية علي وجه الخصوص، طويلة ومرتبطة في الأساس في تاريخها الحديث بمقاومة الاستعمار، والحفاظ علي مستوي توازن للقوي مع دول الجوار، وأيضا كنتيجة لوجود تهديدات من نزاعات مزمنة وعلي رأسها الصراع العربي- الإسرائيلي. وقد أُثير مؤخرا موضوع تهريب السلاح عن طريق البحر، وقيام بعض الدول الأوروبية بمراقبة شواطئ غزة لمنع وصول السلاح إلي حماس استجابة للقلق الإسرائيلي. وبدا التصرف الأوروبي وخاصة الفرنسي وأيضا الأمريكي في صورة طوق يفرض حول الدول العربية لمنع وصول السلاح إليها، في حين أن السلاح يصل إلي إسرائيل بسهولة، وبدون قيد ولا شرط، ومن كل الأصناف الحديثة، فضلا عن قيام إسرائيل بتطوير سلاحها في الداخل وتصديره إلي دول أخري اعتمادا علي ما تحصل عليه من دعم تكنولوجي من الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. وربما من أشهر أزمات السلاح في تاريخ المنطقة ما عُرف بصفقة الأسلحة التشيكية لمصر، وكسر الرئيس عبد الناصر للحصار المفروض علي مصر في كل ما يتصل بالتسليح في ذلك الوقت، وبداية العلاقة الأمنية الخاصة مع الاتحاد السوفييتي. وهناك من يري أن حرب السويس 1956 كانت بسبب حصول مصر علي السلاح من الكتلة الشرقية، وأن مصر قد تم اصطيادها وأقلمة أظافرها في حرب 1967 بسبب ما تملكه من أسلحة ومعدات ودخولها في ذلك الحين في مجال تطوير الصواريخ بعيدة المدي والطائرات. وعلي مدي سنوات الحرب الباردة نجح العديد من الدول العربية وعلي رأسهم مصر في الحصول علي كثير من الأسلحة السوفيتية وأيضا من الدول الغربية، لكن ثار وقتها وحتي الآن معادلة تقول إن الغرب والولاياتالمتحدة سوف "يضمنون باستمرار في مجال السلاح تفوق إسرائيل علي كل الدول العربية مجتمعة". وقد فرض السلاح النووي نفسه علي المنطقة بدخول إسرائيل لهذا المجال الخاص بمساعدة فرنسا، الأمر الذي حفز مصر ودول عربية أخري علي محاولة ولوج هذا المجال وتطوير قدراتها الفنية والتكنولوجية عن طريق الاتحاد السوفييتي. وفي حين أن إسرائيل قد نجحت في تطوير قدراتها النووية إلي درجة الاعتقاد أنها تملك الآن حوالي 150-200 قنبلة نووية، نجد أن المشاريع العربية لم يكتب لها النجاح والاستمرار وتوقفت في منتصف الطريق، أو تم إجهاضها عسكريا كما في حالة العراق، أو مطاردة واغتيال العلماء كما في حالة مصر. وتعتبر مصر من أكبر الدول العربية امتلاكا لقاعدة صناعية وتكنولوجية في مجال إنتاج السلاح، إلا أن ذلك يواجهه تحديا مستمرا من جانب إسرائيل، حيث أبواب التكنولوجيا المتقدمة مفتوحة علي مصراعيها أمامها من الولاياتالمتحدة، بالإضافة إلي الجهد الإسرائيلي الخاص في تطوير أسلحة تناسب طبيعة المواجهات العسكرية في تلك المنطقة المضطربة من العالم. وعندما فُتح باب هجرة اليهود الروس إلي إسرائيل في بداية التسعينيات من القرن الماضي أضفت إلي إسرائيل مددا جديدا من العلماء في كثير من المجالات العسكرية الحساسة. من المؤكد أن حرب أكتوبر 1973 قد أحدثت ثورة في مجال التسليح علي مستوي الشرق الأوسط والعالم. فقد برز فيها لأول مرة دور وقدرة الأسلحة "المُوجهة" وخاصة في مجال الصواريخ المُضادة للدبابات، والمضادة للطائرات والسفن البحرية. وكان إغراق المُدمرة الإسرائيلية إيلات في البحر المتوسط بصواريخ تم إطلاقها من قوارب صغيرة فاتحة في تاريخ الحرب البحرية، ثم برزت خاصية "التوجيه" في أفضل صورها في مجال الدفاع الجوي الذي تمكن من تحييد الطيران الإسرائيلي خلال عملية العبور، وساعتها تعرضت الطائرة كسلاح رئيسي إلي تحد خطير، ونفس الشئ تكرر مع الدبابة التي تعرضت أعداد كبيرة منها للتدمير بواسطة صواريخ مُوجهة نجح المُقاتل المصري في التدريب عليها بمهارة. ولم تخل حرب أكتوبر من المدفعية الصاروخية بمدايات مختلفة، وكان لها إسهام عظيم في التحضير للهجوم عبر قناة السويس، وأيضا في التعامل مع الثغرة. وفي تلك الحقبة كان الاتحاد السوفييتي كريما مع أصدقائه، وبسبب هذا الكرم انتشرت معظم هذه الأسلحة التي نسمع عنها الآن في بلاد كثيرة، ونجدها الآن في أيدي جماعات مسلحة متطرفة، كما أن معظمها تم تقليده وإنتاجه في دول كثيرة بخبرة محلية، وأصبح من الممكن تسويقه في أماكن النزاعات لمن يملك الثمن. ونفس الشئ تكرر من الولاياتالمتحدة عندما أرادت إخراج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان، وفتحت ترسانتها "للمجاهدين" هناك، وخلقت بذلك بقعة جديدة لانتشار الأسلحة الحديثة لتصل في النهاية إلي أيدي الإرهابيين. ظهر دور الصواريخ بشكل بارز في الشرق الأوسط في الحرب العراقية- الإيرانية فيما عُرف وقتها "بحرب المدن"، وربما كان ذلك بداية لنقل الحرب إلي المناطق المأهولة بالسكان المدنيين. وكان العراق قد نجح في تطوير صواريخ باليستية مُعدلة من الصاروخ الروسي "سكود"، وكذلك فعلت إيران بعد أن حصلت علي دعم فني من دول اشتهرت بتقديم هذه الخدمة مثل كوريا الشمالية والصين. وأصبح من المُعتاد الآن أن نسمع عن صواريخ الكاتيوشا والجراد في الحرب بين إسرائيل وحزب الله، وبين إسرائيل وحماس. وبعد أن وجدت إسرائيل ضرورة بناء نظام دفاعي ضد الصواريخ بعيدة المدي، نجحت في إقناع الولاياتالمتحدة تقديم المساعدة الاقتصادية والتكنولوجية الضرورية لتطوير نظام وظيفته اعتراض الصواريخ المُهاجمة قبل وصولها إلي الهدف. ونجحت بالفعل في تطوير نظام "الأرو" أو السهم المضاد للصواريخ، إلا أنها اكتشفت أن ذلك لن يصلح في اعتراض الصواريخ قصيرة المدي التي تعاني منها في الفترة الأخيرة، وبدأت بالفعل في تطوير نظم صاروخية لمواجهة هذا التهديد الأخير. وظهرت الحاجة للصواريخ الدفاعية أثناء حرب الخليج 1991، ونشرت الولاياتالمتحدة وحدات منها (الباتريوت) لحماية قواتها وأيضا في عدد من دول الخليج وإسرائيل. ولم تتحمس مصر حتي الآن لمثل هذا النوع من الأسلحة برغم أنها كانت رائدة في مجال الدفاع الجوي ضد الطائرات، والسبب ربما ناتج من الشك في قدرات هذه الأنظمة علي اعتراض الصواريخ المهاجمة. مثلت حرب الخليج 1991 نقطة تحول في نوعية الأسلحة المستخدمة في الشرق الأوسط وبعضها كان يستخدم لأول مرة. والجديد كان في حجم ودور "المعلومات" في الإضافة إلي خصائص السلاح وأيضا في إدارة المعركة والحرب كلها. وبدأ الحديث عن منظومة "القيادة" و "السيطرة" و "الاتصال" في حزمة واحدة ساعد عليها دور الحاسب الآلي وقدرته علي التعامل مع كم هائل من المعلومات. وبرز مفهوم "الزمن الحقيقي" في العملية العسكرية، فكل المشاركين فيها يري ويسمع ويفكر في نفس الزمن بدون انتظار لتقرير استطلاع أو وصول مندوب أو انتظار مكالمة هاتفية مُشفرة. حرب الخليج كلها كانت مسرحا لتجارب "الثورة في الشئون العسكرية"، وقد انتقل بعض من هذه الثورة إلي المنظمات والجماعات العسكرية غير الحكومية. فمعظم أفرادها يجيد علوم الحاسب الآلي ويبدع فيه، بل إن الحرب قد انتقلت بالفعل بين إسرائيل والفلسطينيين إلي ميدان الحرب الافتراضية داخل العقول الإلكترونية. وتصنف إسرائيل بأنها من أكثر الدول استخداما لإنجازات التكنولوجية العسكرية الحديثة، وتصدر إلي الخارج سلاحا وتكنولوجيا متقدمة بنحو خمسة مليارات دولار في العام الواحد. ومن بين نجوم حرب الخليج التي استخدمت في هذه الحرب لأول مرة: الصواريخ الكروز، والطائرات الشبح، والصواريخ جو-أرض الموجهة بالليزر والأشعة تحت الحمراء. لكن كل ذلك لم يفلح خلال حرب العراق 2003 في حماية الجنود الأمريكيين وحلفائهم من العمليات الانتحارية، والعبوات المُتفجرة المخفية في ثنايا الطبيعة أو علي جوانب الطرق. والمُعضلة العظمي التي تواجه الشرق الأوسط حاليا تتمثل في البرنامج النووي الإيراني من منظور الولاياتالمتحدة وإسرائيل علي الأقل. وخلال عام 2008 كان من الممكن أن تتعرض إيران لضربة عسكرية من إسرائيل أو أمريكا أو من الاثنين معا. لكن التنبؤات كانت دائما تُشير في ذلك الحين إلي أن احتمالات الضربة العسكرية منخفضة. وتراهن إيران حاليا علي حجم المخزون لديها من اليورانيوم المُخصب، ودرجة تخصيبه، والوقت الذي يمكنها فيه الانتقال من البرنامج السلمي إلي البرنامج العسكري. وفي النهاية، هناك محاولات قليلة بُذلت لخفض مستوي التسلح في الشرق الأوسط، لكنها لم تصل إلي نتيجة علي أرض الواقع علي عكس ما حدث في أوروبا مع نهاية الحرب الباردة وتوقيع معاهدة للحد من الأسلحة التقليدية. ومن أهم هذه المحاولات ما تفرع من عملية مدريد 1992 من مفاوضات مُتعددة الأطراف في صورة لجان إقليمية، واحدة منها كانت مُختصة بضبط التسلح والأمن الإقليمي. لكن المفاوضات توقفت في 1995 بسبب الخلاف بين العرب وإسرائيل علي الموضوع النووي، وأيضا علي أولوية بناء الثقة بين الأطراف. وشحبت الرغبة بعد ذلك في إثارة الموضوع مرة أخري بسبب تلبد المناخ الأمني في ظل الحرب علي الإرهاب، وحرب العراق وأفغانستان، والحرب بين إسرائيل من جهة وحزب الله وحماس من جهة أخري. وبدون حدوث تقدم في المفاوضات الأمريكية-الإيرانية، والفلسطينية _ الإسرائيلية، وغيرها من المواجهات الثنائية والجماعية، فلن يتم السيطرة علي انتشار السلاح والعنف في الشرق الأوسط إلا بعد أمد بعيد.