آلاء صبية في ربيعها الخامس عشر، طالبة بالصف الأول الثانوي، لا أحد علي وجه التحديد عرف ماكتبته في موضوع الإنشاء في امتحان اللغة العربية وترتب عليه حجب نتيجتها بما يعني رسوبها في كل المواد وحرمانها من سنة دراسية أخري وهو إجراء يدخل في دائرة العقوبة الثأرية الانتقامية والعقوبة هنا ليست خاصة بها وحدها بل وبأسرتها أيضا، كل ما عرفناه هو أنها خرجت في إجابتها عن الموضوع وهو أهمية زراعة الصحراء وهو ما يترتب عليه كما هو متوقع حصولها علي درجة متدنية أو صفر في أسوأ الأحوال. ولكن ذلك لم يحدث، نستنتج من ذلك أن ما كتبته أثار فزعا في قلب المصحح وعقله وأصاب بنفس القدر من الرعب كل رؤسائه. وما عرفناه من الشذرات المتفرقة المنشورة، أنها شتمت أمريكا بضراوة كما شتمت (النظام المهين) بعد أن لعنت بالطبع سنسفيل جدود الرئيس بوش الذي يمنعنا من زراعة الصحراء. كان من الطبيعي بمجرد أن خرجت الحكاية من بناية التعليم ودوائره إلي الصحافة، في ظل المعركة الدائرة الآن من أجل الحصول علي المزيد من حرية التعبير في الإعلام وفي مواضيع الإنشاء، كان من الطبيعي أن يتعاطف معها كل كتاب الأعمدة فهاجموا بضراوة كل هؤلاء السادة التربويين الذين يحاولون كسر هذا الغصن الأخضر وذلك بمنعه من حرية شتيمة أمريكا والنظام وهو أول حقوق تلامذة الصف الأول بل وفي مرحلة الدراسة الإعدادية أيضا. وتحولت المشكلة إلي كرة ثلج تتدحرج بسرعة علي وجه مشاكلنا مكتسبة حجما أكبر في كل لحظة ولم يستطع أحد في ترسانة المسئولين أن يحسم الأمر مما دعا الرئيس مبارك إلي التدخل ليحسم الأمر وبذلك انتقلت آلاء إلي الصف الثاني بقرار جمهوري علي حد قول عزيزنا سعد هجرس. وعلي عادة الميديا في الاحتفاء بكل ما هو خروج عن الموضوع وبكل من هو خارج عن الموضوع، أجرت مع الفتاة لقاءات كثيرة عرفنا منها أنها تحب الصحافة وأنها تنوي الالتحاق بكلية الإعلام قسم صحافة، وأنا أعتقد أنه ليس من الصعب التنبؤ بأنها بعد ستة أعوام بالضبط بمشيئة الله ستتخرج في كلية الإعلام وأن كل الجرائد القومية والمستقلة ستتخاطفها كما أنه ليس من الصعب قراءة المانشيتات في ذلك الوقت الذي لم يعد في علم الغيب مثل (نحن ننشر موضوع الإنشاء الذي أغضب الرئيس بوش منذ ستة أعوام) أو (آلاء شربين تلتحق بنا وتواصل معركتها ضد أمريكا والإمبريالية والصهيونية العالمية) أو (ما سر الأمريكي الغامض الذي هبط شربين قبل تصحيح موضوع الإنشا بساعتين .. آلاء تتكلم بصراحة). بعد ذلك سيطلقها رئيس التحرير لمطارة الأوغاد أعضاء اللوبي الأمريكي والصهيوني لكشفهم وكشف دورهم في منع المصريين من زراعة الصحراء ومنعهم من السير في طريق الحداثة والحرية بالإضافة بالطبع لدورهم المشبوه في الاستقواء بالغرب. عندما سئلت آلاء : لماذا فعلت ذلك؟ أجابت: أصل أنا لسه صغيرة.. ومش فاهمة حاجة. وهي إجابة تدل علي ذكاء حاد، فالسؤال نفسه لم يوضح (ذلك) الذي يستفسر عنه، أي أنه سؤال من ذلك النوع الشهير الذي نجيده وهو: انت عارف وانا عارف والناس عارفه انت عملت إيه.. عملته ليه؟ لذلك أجابت الإجابة التي تشعر كل الناضجين بالارتياح، وهو : أصل أنا صغيرة ومش فاهمة حاجة.. هذه هي الإجابة الوحيدة علي وجه الأرض التي لا تعني شيئا و تعفيها من أية مسئولية، وفي الوقت نفسه تشعر محدثها بفرحة طاغية.. هذه الواقعة القاسية ستدفع هذه الفتاة في المستقبل إلي التفكير بشكل مختلف، ستكتشف بأنها لم تحصل بعد علي تصريح بدخول دنيا المزورين محترفي الخروج عن الموضوع، هي في مرحلة عمرية لا تتصور فيها أن الكبار يكذبون ويتجاهلون استحقاقات الواقع بدافع من عجزهم وضعفهم الروحي في مجال الفكر والأفكار، وأن عليها أن تفعّل قدرات عقلها النقدية للوصول إلي الحقيقة بنفسها، وأن الحقيقة ليست دائما هي ما يتفق عليه أكبر عدد من الكتاب الذين تقرأ لهم. كما أنه من المؤكد أنها ستكتشف أن حل مشاكلنا جميعا هي مسئولية مصر والمصريين، وأن الرئيس بوش أو أي رئيس آخر علي وجه الأرض ليس منشغلا بتعطيل المصريين ومنعهم من التقدم. آلاء ليست طالبة ثانوي فقط، بل هي عينة كاشفة أوضحت لنا مدي الضرر الذي ألحقناه بجيل جديد من الراغبين في الالتحاق بالعمل العام، الفتاة تلفتت حولها فوجدت أن أعظم الآراء هي ما تشتم كل الآخرين بعظمة، وأن أعظم الشتامين يحتل أعظم الأماكن فأرادت أن تلتحق بهم. غير أنها تعجلت الأمور قليلا بغير وعي منها بسبب صغر سنها، فلم تكتشف أنها حتي الآن لم تحصل علي ترخيص بمزاولة مهنة البطولة الثورية الإعلامية وأن أعواما طويلة ستمر قبل أن تحصل عليه وأنها مازالت تلميذة ليس مطلوبا منها ما هو مطلوب منا. هكذا كشفت لنا هذه الفتاة الصغيرة أننا علي مستوي الفكرة والأفكار لم نكتف بالفتك بعقول وأرواح هذا الجيل فقط بل امتد تأثيرنا ليشمل الجيل القادم أيضا