إن قرار حركة حماس بتحديد فترة زمنية لإنهاء قضية اختطاف الجندي جلعاد شليط، يلزم الطرفين باتخاذ قرارات صعبة. فالوقت ينفد، والحسم يقترب. وعليه، كيف ستنتهي هذه الدراما؟ بغية رسم السيناريوهات المختلفة يتعين فحص الخيارات المطروحة أمام إسرائيل وأمام حماس. ويتعين علي كلا الطرفين الاختيار بين احتمالات سيئة واحتمالات أسوأ. وفي الحالة الأسوأ، قد تشتعل المنطقة كلها. السيناريو الأول إسرائيل تخضع: تخضع إسرائيل لمطالب حماس، وتطلق سراح أسري، الميزة الكبيرة لمثل هذا الخيار تكمن في أنه يضمن بشكل شبه مؤكد عودة الجندي المخطوف إلي البيت بسلام. فإذا ما خضعت إسرائيل لمطالب الخاطفين، ستكون حماس سعيدة للتخلص من حبة البطاطا المهترئة التي بين يديها. وبذلك ستبدو حماس كمنتصرة وستحظي بهيبة وتقدير كبيرين. بيد أن إسرائيل لا يمكنها أن تسمح لنفسها بالخضوع للابتزاز. فهي لا ترغب في استدعاء المزيد من عمليات الاختطاف، وبالتأكيد ليس بعد أن وضع رئيس الحكومة كامل هيبته في تصريحه بأنه "لن يجري أية مفاوضات". وبالتالي فإن معقولية تحقق هذا السيناريو متدنية. السيناريو الثاني حماس تنزل عن الشجرة: تتنازل حماس وتعيد الجندي من دون شروط. مثل هذا السيناريو سيحول دون حصول سفك كبير للدماء، لكن معقولية حصوله متدنية أيضا. ذلك أنه في هذه المرة، فإن حماس وسائر المنظمات الفلسطينية المشاركة في عملية الخطف، مقيدة بتصريحاتها التي أدلت بها ومقيدة أيضا أمام الرأي العام الفلسطيني الذي سيجد صعوبة في هضم إعادة الجندي من دون أي مقابل. السيناريو الثالث عملية إنقاذ: لا يستبعد ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي، امكانية إرسال وحدات مختارة لإنقاذ الجندي جلعاد شليط من الأسر، كما حصل في حالة الجندي المخطوف نحشون فكسمان، سنة 1994. بيد أنه بغية تنفيذ عملية إنقاذ يتعين الحصول علي معلومات استخبارية نوعية بخصوص مكان تواجد الجندي. وهنا تنتظر إسرائيل ارتكاب الخاطفين لأخطاء تمكنها من ذلك. وكلما مر وقت أطول مع بقاء جلعاد علي قيد الحياة، كلما زادت فرص الجيش الإسرائيلي والشاباك في جمع المعلومات حول مكان تواجده والتخطيط لعملية الإنقاذ. وخلافا لنحشون فكسمان، الذي احتُجز في قرية صغيرة في دير نبالاه، فإن جلعاد شليت محتجز علي ما يبدو في قلب منطقة سكنية كثيفة جدا. وبالتالي فإن عملية الإنقاذ هناك أكثر تعقيدا بكثير. فإذا ما اكتشف الخاطفون أن الجيش الإسرائيلي يقترب منهم، من شأنهم عندها إطلاق النار علي الجندي الإسرائيلي. لذلك، فإن احتمال إستعادة الجندي إلي البيت وهو علي قيد الحياة بواسطة عملية عسكرية ليس كبيرا. السيناريو الرابع جمود لأسابيع: علي الرغم من الإنذار، يمكن أن تستمر الأزمة لأسابيع عديدة مع مد وجزر. في مثل هذه الحالة، ستواصل حماس الحفاظ علي ضبابية من دون أن تكشف النقاب عن مصير شليت. ويقول مسئول من حركة فتح أن "أعضاء حماس يريدون إجراء مفاوضات علي الطريقة الإيرانية. فمع انتهاء مدة الإنذار، سيقولون إنهم يرفضون إجراء مفاوضات حوله، وأن القصة منتهية، وذلك بغية ممارسة الضغط علي الجميع". وفي إسرائيل يقدرون أنه في هذه المرحلة أيضا ستتواصل المساعي الديبلوماسية من وراء الكواليس. وبالنسبة للمراقب عن بعد ستبدو هذه الفترة راكدة ومن دون تغيير، لكن علي الأرض ستواصل محافل دولية محاولة إتمام صفقة. معقولية حصول هذا السيناريو: متوسطة إلي مرتفعة. السيناريو الخامس تنازل رمزي: مع نهاية فترة الجمود، من الممكن أيضا إيجاد صيغة لحل الأزمة. ووفقا لذلك، ستضطر إسرائيل إلي تقديم تنازل رمزي، مثل الموافقة علي الإفراج عن عدد محدود من الأسري الجنائيين أو أسري أمنيين كبار في السن، لا يشكلون خطرا أمنيا وغير ملطخة أيديهم بالدماء. وثمة احتمال آخر هو الإفراج عن أسري كبادرة حسنة تجاه أبو مازن وليس تجاه حماس. كما يمكن لإسرائيل أيضا الالتزام بالإفراج عن عدد محدد من الأسري في المستقبل وفق ضمانات مصرية، في إطار تسوية شاملة لوقف نار متجدد. من جهتها، ستوافق حماس علي الإفراج عن الجندي تحت ضغط الحصار الثقيل الذي تفرضه إسرائيل علي قطاع غزة، بينما ستتزايد العمليات العسكرية كما ستتزايد أيضا التهديدات علي حياة كبار قادتها. الميزة في هذا السيناريو هي أن كلا الطرفين يمكنه الادعاء أمام شعبه أنه لم يخضع. ومع ذلك، سيكون واضحا للشارع الفلسطيني (ولإسرائيل أيضا)، بعد مثل هذه الصفقة، من الذي تسبب في الإفراج عن الأسري. وفي هذا المجال يقول معارضو حماس إن "هذا سيعزز التقدير بأن إسرائيل لا تفهم سوي لغة القوة". ومن نتائج هذا السيناريو تضعضع مكانة أبو مازن أكثر فأكثر، وتعزز مكانة حماس. معقولية حصوله: متوسطة. السيناريو السادس نموذج رون آراد: مثل هذا السيناريو قد يكون كابوسا بالنسبة لإسرائيل. فبعد أن هددت حماس بأن "ملف الجندي المخطوف سيغلق" في حال لم تخضع إسرائيل اليوم، فيكون في وسعها إبقاء قضية مصيره لُغزا من دون حل لفترة طويلة. والنموذج في هذه الحال هو قضية رون آراد. قد يشكل هذا الأمر مخرجا مريحا لحماس، التي لن تضطر إلي التصريح بأنها قتلت شليت ولن تضطر إلي تسليمه من دون مقابل. ويمكن للرد الإسرائيلي أن يكون انذارا مضادا: إذا لم تُعد حماس شليت حتي تاريخ معين، فسيتم تصفية قادتها. المعقولية: متوسطة. السيناريو السابع قتل الجندي: حتي لو أعلنت حماس أنها قتلت الجندي وحتي لو حاولت الادعاء أنه قُتل نتيجة القصف الإسرائيلي، فإن النتيجة بالنسبة لإسرائيل ستكون واحدة: شن هجوم منفلت العقال ضد حماس وقادتها. ويمكن للتصفيات أن تصل عاجلا أم آجلا إلي دمشق، حيث يقيم خالد مشعل. ويمكن للهجوم علي دمشق أن يقود إلي مواجهة عسكرية محدودة بين إسرائيل وسوريا، تتضمن إطلاق صواريخ أرض أرض باتجاه إسرائيل. ومن شأن بشار الأسد ان يفقد سلطته الهشة أصلا. أما حماس، فستعود في هذه الحال إلي تنفيذ العمليات الانتحارية في المدن الإسرائيلية. المعقولية: متدنية إلي متوسطة