تعرضنا في المقال السابق لحالة من الجدل قائمة حول تقييم مواقف الرئيس المصري الراحل أنور السادات ومنها ما يثيره صاحبنا الشاب في أحد المواقع الأصولية التي يؤمها إسلاميون في المنافي أو من داخل أوطانهم , المهم أني غبطت صاحبنا الشاب علي جرأته في طرح ما يعتقد واعتقد أن الطريق الصحيح لتحرير القضايا هو الحوار الصحيح والبوح بمكنونات النفس لاستجلاء وجه الحقيقة وحينما افترض ذلك أو اخلص إليه لا يعني موافقتي لما ذهب إليه صاحبنا بل علي العكس تماما لا أري صواب رأيه لكن النزاهة في الحوار هي التي تفتح آفاق الحقيقة وتنير البصائر داخل النفوس المؤمنة , إننا في حاجة ماسة لاستحضار مبادئ وقيم هي ملك خالص لحضارتنا الإسلامية السامية قالها أجدادنا قبل غيرهم من رواد الحضارات الأخري اللاحقة مما دندن به الشاب: رأيي خطأ يحتمل الصواب ورأي غيري صواب يحتمل الخطأ . المهم أنه تواردت علي الشاب زفرات ثخينة مقتضبة في كلمة أو كلمتين تسفه أحلام الشاب الجريء وهذه لن نلتفت إليها. لكن الحجج التي تحمل علي مواجهة ما ذهب إليه الشاب هي التي تستحق المتابعة في ذلك الحوار الجاد والمهم وقد تدرجت شيئا فشيئا وكان أولها ما كتبه أحدهم متسائلا في سخرية: السادات كان اشرف حكام العرب! حدث العاقل بما يعقل يا شاب، الله يهديك وهل تعتقد أن خيانات كامب ديفيد وما تلاها مقبولة لدي الشارع الإسلامي والعربي ؟ علي مر السنين لا زالت تلك الخيانة مرفوضة من قبل الشعوب العربية حتي في وقتنا الحالي ورغم أن كلمات هذا المتداخل الذي تسمي " حنظلة " جاءت مقتضبة إلا أنها تحمل رأيا أو وجهة نظر محددة لها أنصار كثر , ورغم ذلك فقد عاجله الشاب برد قوي جاء فيه كامب ديفيد ليست قرآنا والسادات استعاد بموجبها ارض سيناء التي كلم الله علي طورها نبيه موسي والهدنة انتهت في 98 فهل حارب أحد ؟! ما هي الخيانة في كامب ديفيد؟ هل كان المطلوب أن تحارب مصر بلا جيش وبلا ذخيرة وبلا اقتصاد وبلا سلاح جوي إلي مالا نهاية؟ هل كان المطلوب أن يفعل السادات كحافظ الأسد لنتحدث اليوم عن مستوطنات في الجولان وسيناء؟!! وهل لو فعل ذلك يصبح شريفا من وجهة نظرك؟. لكن الذي فات الشاب في غمرة انفعالاته أو اندفاعاته انه لم يبحث عن دور مصر وحجمها الكبير كزعيمة للعالم العربي والإسلامي في البحث عن سبيل صحيح للنصر باستحضار أسبابه التي تتحقق باستنهاض الهمم لا بقلتها وجعل حرب اكتو بر آخر الحروب بالتوجه إلي الله وتحقيق شرعه في مجتمعه وبين رعاياه بنشر الفضيلة ومكارم الأخلاق بدلا من بث الرذيلة وتكريم المطرب العالمي خوليو والمطربة الإيطالية المصرية داليدا. فات الشاب أن السلطان المظفر قطز حينما أراد أن يجهز الأمة لجهاد المغول في ظروف قريبة الشبه بما نحن عليه من تفكك العرب وضعفهم وتشرذمهم وطلب من العالم المجاهد العز بن عبد السلام أن يعلن الجهاد ويعبئ المسلمين لكن العز طالبه أولا بتحرير نفسه وأعوانه من الرق علي النحو الذي نعلم فلما فعل قطز طالبه العز بتحطيم حوانيت الخمر وغلق دور الدعارة وهكذا تستعد الأمة المسلمة لتحرير أراضيها ودفع خطر العدوان الخارجي الكافر اعتقادا منها بتحقق النصر إذا تصالحت مع الله وإذا كنت لم أخف إعجابي بشجاعة صاحبنا الشاب وجرأته , لكن استبداده أيضا وتمسكه بآرائه جملة وتفصيلا تكشف عن مرض داخلنا لم نبرأ منه بعد فالداء العضال داخل الحركة الإسلامية أن كثيراً من أبنائها يفتشون عن الدليل الذي يوافق ما تهفو أنفسهم إليه ويضعون النتيجة أولا ويبحثون لها بعد ذلك عن الدليل -إلا من رحم ربي- فعندما قرأت نصيحة أحد المتحاورين للشاب مذكرا له بأن كل المرجعيات العسكرية والسياسية لا تعتبر حرب اكتو بر نصرا عسكريا أو سياسيا لا علي المدي القريب ولا المدي البعيد وينصحه بقراءة كتاب الطريق إلي بيت المقدس بقلم الشيخ الدكتور جمال عبد الهادي وقراءة كتاب لعبة الأمم من قبله ليقيس الأمور بصواب ويصحح نظرته للأمور جاء رده بعيدا عن الموضوعية التي قدم نفسه بها وتحلي بها في موضوعه المهم واتهم محاوره بأنه يحكم علي الأمور من خلال العواطف وانه رضع كراهية السادات من الصغر وهو السبب الذي يجعله لا يقبل أي عمل من السادات ويشوه نصر اكتوبر والحق أن صاحبنا الشاب هو الذي يحكم من خلال عاطفته فهو حكم بنزاهة السادات وصواب فعاله واتفاقاته مسبقا وقاس كل شيء علي ما هو دونه ولم يقس علي ما هو فوقه من خلال كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم، لكن هذا الخلاف لا يعطي أحدا بإنكار قيمة نصر اكتو بر و لا يسوغ باستخدام صكوك التخوين علي هذا النحو الذي شهره بعض المتحاورين فأحدهم بادر باتهام شاب انه من جيل المخابرات الجديد الذي يعرف كيف يقرأ وكيف يكتب وصب لعناته علي السادات وكل حكام العرب و آخر ضاق صدره فأعلن براءته من السادات والشاب معا وجعلهما في سلة واحدة. وهنا تقدم للحوار صوت عاقل أعاد الحوار لجادته معتبرا أن السادات قدم مصلحة مصر علي ما فرضه الإسلام عليه من تبعات وحقوق للفلسطينيين وغيرهم. فمصر تقبض من أمريكا اكثر من ثلاثة مليارات دولار سنويا. فمن مصلحة مصر من نظرة علمانية انتهازية سطحية هو اللف في الفلك الأمريكي. وكانت أهم النقاط التي آثارها صاحبنا الشاب وحظيت بردود متتابعةتلك التي قاست كامب ديفيد علي صلح الحديبية , كانت أطيب المداخلات تلك التي تدخل بها أحد المشاركين في الحوار موجها كلامه للشاب المتحمس كلامك عزيزي استفزني عندما (قست صلح الحديبية بصلح كامب ديفيد) (وقست رسول الله صلي الله عليه وسلم بأنور السادات) صلح الحديبية كان فتحا لمكة وصلح كامب ديفيد كان ضياع فلسطين مقابل ارض سيناء يحق لإسرائيل استرجاعها في حالة دخول مصر الحرب مع أي دولة عربية مجاورة لإسرائيل ضد إسرائيل . ويكون رجوع سيناء الي اسرائيل بدون حرب (اي تسليم يد بيد) ولهذا قال: السادات ان حرب اكتوبر هي آخر الحروب مع اسرائيل. ومعاهدة كامب ديفيد تمنع علي مصر ادخال اي قوات مصرية الي سيناء ما عدا الشرطة وحرس الحدود فقط. وهو الحاصل الان كما تشاهد اخي الشاب (وصلح الحديبية كان بتوجيه رباني وصلح كامب ديفيد كان بتوجيه امريكي) فأين الثري من الثريا اخي شاب. ثم ان صلح الحديبية كان بين رسول الله صلي الله عليه وسلم وعشيرته. الم تقرأ ان رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما فتح الله له مكة بدون حرب. واجتمعت حوله قريش. قال لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم: (ما ترون اني فاعل بكم؟) ثم قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) فماذا فعلت اسرائيل بعد معاهدة كامب ديفيد؟ هل وضعت حربها ضد الشعوب العربية المجاورة اوزارها ام لم تضع اوزارها؟ لقد اجتاحت اسرائيل لبنان في عهد السادات نفسه ولم تلق بالا لمعاهدتها مع السادات. بينما وقف السادات مكتوف الايدي لا يقدر حتي ان يحتج علي الغدر الصهيوني لمعاهدة كامب ديفيد نفسها. المهم اني التقطت الخيط وانا اتتبع غرائب الانترنت ووجدت هذه القضية المثارة حول تقييم دور الرئيس السادات ووجه الغرابة انها مثارة بين اسلاميين وفي موقع بالغ الخصوصية لكن الذي اتمناه من سويداء قلبي ان تثار قضايا المستقبل بمثل هذه الروح وتلك الجدية والموضوعية كيف نصنع امة قوية قادرة..؟ هذا سؤال يحتاج الي اجتهادات الكثيرين الغيورين داخل الحركة الاسلامية وخارجها.